الدور المجتمعي المأمول لمواجهة أزمة كورونا
مقال مشترك قاما بكتابته د. علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى، و أحمد عزب الباحث في ملف الحق في الصحة.
حددت منظمة الصحة العالمية أربع مراحل لانتشار فيروس كورونا المستجد؛ حيث يكون مصدر الإصابة في المرحلة الأولى قادم من خارج البلاد imported case، كما كان الوضع في أول حالتي إصابة في مصر. بينما تتمثل المرحلة الثانية في الانتشار المحلي للفيروس Local transmission، وتعود الإصابة فيها إلى اتصال الحالة الجديدة المصابة بشخص مصاب بالفيروس أو قادمة من بلد منتشرة فيه العدوى، وتم تحديد مصدر العدوى عن طريق إجراءات الرصد والتقصي. أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة الانتشار المجتمعي للفيروس community transmission، والتي تكون الحالة المصابة بالفيروس غير متصلة بأي شخص مصاب مسجل في قواعد بيانات الترصد والتقصي أو بأي شخص سافر إلى أي من البلدان المتأثرة بالفيروس، وتعجز إجراءات الرصد والتقصي عن الوصول لسبب الإصابة.
وتعد المرحلة الرابعة والأخيرة هي الأسوأ؛ لأنها تمثل مرحلة الانتشار الوبائي، حيث يصبح انتقال الفيروس على نطاق شديد الاتساع. ووفقًا للبيانات الرسمية فإن الحالات التي تم اكتشافها في مصر حتى الآن، فإنها من المخالطين للحالات الإيجابية التي تم اكتشافها والإعلان عنها، وهو ما يعني أن مصر مازالت في المرحلة الثانية. ومع ذلك هناك بعض المؤشرات التي قد تشير إلى إننا على أعتاب مرحلة الانتشار المجتمعي، مثل؛ تكرار الإصابات بين الأطقم الطبية، وكثرة عدد البؤر في الفترة الأخيرة؛ لذلك من الضروري طرح فكرة المشاركة المجتمعية، ونحن على أعتاب المرحلة الثالثة.
ومن ثم تهدف هذه المقالة إلى مناقشة مفهوم الشراكة بين كل من؛ الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص؛ لمواجهة أزمة فيروس كورونا المستجد، باعتبارها المحاور الثلاث للحوكمة، مع التعرف على أي أسس يجب أن تبنى هذه الشراكة. مع الإشارة إلى أهمية المشاركة المجتمعية في التخفيف من الآثار الاقتصادية لبعض الشرائح الاجتماعية الأكثر تتضررًا من جائحة كورونا، ثم تخص المقالة بالذكر الدور المجتمعي في تدعيم المجهود الطبي في القرى والمدن، وتفعيل آليات عملية عن طريق المشاركة المجتمعية للدعم النفسي للناس عمومًا، وللفرق الصحية خصوصًا؛ من أطباء وتمريض، وباقي أعضاء الطواقم الطبية. بالإضافة إلى مناقشة دور القطاع الخاص في هذه الأزمة، وسيتم إلقاء الضوء تحديدًا على منظومة التحاليل الطبية، وأي دور يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في مجالات الكشف المبكر، والفحص المختبري. وأيضًا ستتعرض المقالة لظاهرة التنمر والوصم المرتبطة بالمرض، وكيف يمكن أن تكون المشاركة المجتمعية وسيلة فعالة للتغلب عليها.
أولًا - أسس الشراكة مع المجتمع المدني:
على الرغم إن الحديث عن الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني ليس جديدًا، إلا إن أهميته باتت تزداد بشكل كبير خاصة في ظل انتشار جائحة فيروس كوفيد- 19، والحاجة الماسة إلى تكثيف الجهود من أجل التغلب على هذه الأزمة التي باتت تهدد الجميع، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الشراكة تقتضي وجود مجتمع مدني قوي، له صلاحيات حقيقية، وشريك فعلي، بحيث تكون العلاقة بينهما "ندية"؛ أي أن يكون للمجتمع المدني آليات تمكنه من الحفاظ على استقلاليته، ونديته في تعامله مع الحكومة. ويمكن التنويه - على سبيل المثال - إلى أهمية تلك الشراكة، في موقفين، يتمثل الأول؛ في محاولة خروج الناس في قرية الهياتم بالمحلة، والتي من المفترض أنها تحت الحجر الصحي لمنع انتشار الفيروس منها، والثاني؛ يتمثل في موقف العائدين من الكويت، وبريطانيا ورفض بعضهم للحجر الصحي.
والحقيقة، أنه منذ أيام وباء الكوليرا، وهناك عدم استجابة من جانب الناس للإجراءات الضرورية للصحة العامة الوقائية وكانوا يهربون من أماكن العزل، ولا يعلنون عن المرض، وكأنه وصمة، وكان يعود ذلك في إحدى جوانبه لتحفظ المواطنين في التعامل مع السلطات. ومن هنا تأتي أهمية دور المجتمع المدني - "الشريك الحقيقي" – الذي بإمكانه أن يوفر على الحكومة الكثير من الإجراءات التي تستهلك طاقتها، بحيث تتفرغ لدورها الفعلي في مواجهه الأزمة بدلًا من توابعها؛ ومن ثم يصبح المجتمع المدني شريكًا هامًا يوفر على الحكومة الكثير من الإجراءات الإدارية في مثل هذه الحالات.
وإدراكًا لتلك الأهمية، فقد كثر الحديث في الفترة الأخيرة من جانب العديد من المسئولين عن ضرورة "حشد جهود المجتمع المدني" في مواجهة فيروس كوفيد-19، إلا إن تحقيق ذلك يقتضي الالتفات إلى توصيات المجتمع المدني، والتعامل معها بجدية، خاصة فيما يتعلق بتوفير الحماية اللازمة للمجموعات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس؛ كالمساجين، من خلال تخفيض أعداد المحتجزين في السجون، فضلاً عن حماية الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، والنساء الحوامل، وحماية النساء؛ حيث طرحت دعوات البقاء في المنزل لمدد طويلة بعض الإشكاليات الخاصة بالنساء على رأسها أرجحية ارتفاع معدلات العنف المنزلي. كذلك الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية مزمنة، مثل؛ مرض السكري، وأمراض القلب، وأمراض الرئة، ومرضى الأورام، باعتبارهم الأكثر عرضة للوفاة إذا أصيبوا بالفيروس. ومن الجدير بالذكر إن "حشد جهود المجتمع المدني" بشكل حقيقي في مواجهة كوفيد-19 سوف يصب لصالح الجهود المبذولة من جانب الدولة لمواجهة الوباء؛ للتقليل من احتمالية الدخول في المرحلة الثالثة، والمعروفة بمرحلة الانتشار المجتمعي للفيروس. وتأتي في مقدمة المهام التي يمكن أن يتضطلع بها المجتمع المدني لمواجهة جائحة كورونا، تقديم الخدمات الإنسانية والطبية والاجتماعية، وتوعية المواطنين بمخاطر الفيروس، ووسائل مواجهته، وطرق الوقاية منه.
ثانيًا- مبادرات المجتمع المدني:
منذ ظهور حالات الإصابة بالفيروس في مصر تعددت الدعوات المطالبة بضرورة تفعيل دور منظمات المجتمع المدني، وحشدها لتتلاءم مع اللحظة الفارقة التي تمر بها البلاد جراء جائحة كورونا، وقد انعكست في عدد من المبادرات من جانب بعض مؤسسات المجتمع المدني، والجهود الفردية من خلال تقديم التبرعات العينية والمادية، والتي تستهدف التخفيف من الأعباء المعيشية جراء تضرر شرائح واسعة من المجتمع من توقف العمل في بعض المجالات، وفي مقدمتهم العمالة اليومية، ويمكن الاستدلال على إحدى النماذج من خلال دور بنك الطعام المصري، والحملة التي أطلقها تحت مسمى "دعم العمالة اليومية مسؤولية"؛ وذلك ابتداءً من 22 مارس، والتي يتم من خلالها توزيع 500 ألف كرتونة طعام كدعم غذائي. ونخص بالذكر الجهود المبذولة من جانب المجتمع المدني لدعم القطاع الصحي الحكومي، باعتباره يتحمل على عاتقه الجزء الأكبر من مسئولية مواجهة جائحة كورونا، والتي تمثلت في عدد من المبادرات فضلًا عن تقديم العديد من الشركات ومؤسسات المجتمع المدني تبرعات مالية لوزارة الصحة والسكان .ويمكن توضيح نماذج لتلك المبادرات على النحو التالي:
1- مبادرات الدعم الوقائي؛ من خلال توفير المستلزمات الطبية التي تحتاجها المستشفيات، من أدوات الوقاية الشخصية من العدوى، ومن بين النماذج، دور مؤسسة "مصر الخير"، من خلال إسهامها في تقديم المستلزمات الطبية والملابس الوقائية الخاصة بالأطباء والممرضين، بمستشفيات العزل والحجر الصحي والحميات، على مستوى الجمهورية.
2- المبادرة المصرية لإنتاج ٥٠٠٠ جهاز تنفس صناعي؛ حيث تهدف هذه المبادرة إلى رفع سعة، وكفاءة غرف الرعاية المركزة؛ وذلك بإعادة تصنيع ٥٠٠٠ جهاز PB 560 باستخدام التصميمات التي أتاحتها إحدى الشركات العالمية؛ وذلك بعد إنتاج نموذج تجريبي، وإجازته من وزارة الصحة. وتستند فكرة المبادرة على جمع مجموعة من المهندسين المتخصصين، والأطباء، ومتخصصي إدارة المشروعات، ثُم مخاطبة الهيئة العربية للتصنيع والشركة القابضة للصناعات المعدنية لإنتاج الجهاز على خطوط إنتاجهم، وخلق قنوات للتبرع لصالح الحملة من خلال جمعيات خيرية معتمدة وتحظى بالثقة العامة، وأخيرًا تصميم وتنظيم دورات طبية لتدريب الكوادر في جميع محافظات مصر على استخدام الجهاز. وتقوم المبادرة على تحقيق تعاون ثلاثي بين قطاع الصناعة، وجمعيات المجتمع المدني، والدولة لتحقيق الهدف المرجو في أقصر مدة ممكنة، وبجودة عالية. وقد بدأت بالفعل مجموعة عمل في دراسة تصميمات الجهاز، وتبين لهم بشكل مبدئي إمكانية تنفيذه في مصر.
3-مبادرات تحفيز العمل التطوعي وحماية الفرق الطبية:
يعاني القطاع الصحي الحكومي أزمة كبيرة في عدد الأطباء والتمريض؛ ولهذا اضطرت وزارة الصحة إلى تغيير شكل المواجهة التقليدية للوباء؛ وذلك بغلق العيادات الخارجية بجميع المستشفيات وتحويل طاقة العمل بأكملها إلى الوحدات الصحية، وهذا يُعد تعديلًا لمسار التعامل مع الأزمة، بهدف الاستفادة القصوى من الفريق الطبي الحالي. فبدلًا من أن تكون المستشفيات هي خط المواجهة الأول للمرض، مما يسمح بتحويلها لبؤر عدوى لاستقبالها عدد كبير من المرضى من مناطق مختلفة، تكون الوحدة الصحية أو مكتب الصحة الموجود في كل حي أو قرية الخط الأول للتعامل مع المرض، على أن يتم رفع كفاءة تلك الوحدات، ومدها بالفريق الطبي المدرب وبأجهزة الأشعة والتحاليل التي تمكنها من تأكيد أو نفي احتمالية إصابة أي شخص بـ "كورونا"، بحيث تقوم الوحدة بعد ذلك بتحويل الشخص المرجح إصابته بالفيروس إلى مستشفى الحميات أو الصدر القريب منه، ليجري فيه تحليل "pcr" . وفي حال تأكد الإصابة، يتم نقله إلى أقرب مستشفى عزل له. وبالتالي يتحقق هدف تخفيف العبء على الفريق الطبي بحيث لن يصل إلى مستشفيات الحميات سوى المرضى الذين يعانون من التهاب رئوي فقط. ومن ثم، يكون دور الأخيرة قاصر على التحقق مما إذا كان الالتهاب الرئوي بكتيريًا، ووقتها يحصل المريض على علاجه داخلها أو أنه ناتج عن الإصابة بفيروس كورونا، ويحتاج إلى النقل إلى مستشفيات العزل لتلقي العلاج.
ونتيجة للنقص في عدد الأطباء والتمريض، واحتياج القطاع الصحي بأكمله إلى التدريب على مواجهة الأزمة، فإن قرار وزارة الصحة بفتح باب التطوع يُعد قرارًا جيدًا يراعي هذا النقص، وقد يساهم في التخفيف من العبء على المنظومة الصحية؛ لأنه يسمح للتخصصات العلمية القريبة من مجال الطب مثل خريجي كليات العلوم والطب البيطري والأسنان القيام بأدوار تكميلية بمستشفيات العزل والإحالة أو بفرق التقصي والمتابعة الميدانية. وكذلك يسمح القرار بوجود متطوعين للعمل المجتمعي لتوعية الناس بأن خط الدفاع الأول للإنسان هو بيته، فضلًا عن إمكانية قيامهم بتوصيل الخدمات إلى المنازل، وخصوصًا كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، باعتبارهم الأكثر عرضة للإصابة.
وفي ذات السياق، قامت وزارة الصحة بتخصيص خطين ساخنين للأمانة العامة للصحة النفسية؛ لتقديم الدعم النفسي للمواطنين المتواجدين بالمنازل خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى تدريب 150 متخصص في الصحة النفسية عبر وسائل الإنترنت للتواصل عن بعد من أجل تقديم الدعم النفسي للمصابين بفيروس كورونا المستجد، وأهالي المصابين والفريق العلاجي في مستشفيات العزل وباقي فئات. وفي هذا السياق تأتي أهمية تفعيل آليات عملية للدعم النفسي للناس عمومًا، وللفرق الصحية خصوصًا من أطباء وتمريض، وأيضًا دعمهم ماديًا ومعنويًا، والعمل على حمايتهم بجميع الوسائل الممكنة، وتوفير الاحتياجات اللازمة لأسرهم. وعلى الرغم من الخطوات الجيدة من جانب الحكومة، إلا إنه مازال ينقصها توافر قنوات لاستيعاب المزيد من المبادرات المجتمعية، التي تأتي من خارج الحكومة والاستفادة منها عن طريق آليات واضحة ومحددة؛ وذلك بعيدًا عن البيروقراطية التقليدية.
ثالثًا- دور القطاع الخاص .. قطاع التحاليل الطبية نموذجًا:
ظهرت مطالب عديدة بضرورة تعاون القطاع الخاص مع الحكومة، خاصة "القطاع الطبي الخاص"؛ وذلك بما يمتلكه من إمكانيات وموارد وخبرات وأدوات؛ للقيام بدور وطني في هذه الأزمة. وفيما يخص قطاع التحاليل، فإنه يحظى بأهمية كبيرة خاصة مع بعض التوصيات بضرورة التوسع في التحاليل الخاصة باكتشاف فيروس كورونا المستجد، وتنقسم تلك التحاليل إلى نوعين : الأول؛ معروف باسم "بالكاشف السريع"، والمقصود به فحص الأجسام المضادة، وميزته أنه أسرع وأرخص، إلا إن دقته تعد أقل. أما النوع الثاني؛ فهو الأهم، والأدق، وهو تحليل "PCR". وقد أعلنت وزارة الصحة أنه تم إجراء 200 ألف اختبار بالكاشف السريع Rapit test ، وأكثر من 90 ألف تحليل pcr لحالات مشتبه بإصابتها بفيروس كورونا .
وفي هذا السياق أشارت بعثة الدعم التقني التابعة لمنظمة الصحة العالمية المعنية بمرض كوفيد-19 والتي اختتمت مهمتها في مصر بتاريخ 25 مارس 2020 إلى أن مصر تستطيع إجراء ما يصل إلى 200.000 اختبار؛ وذلك بفضل الدعم المقدم من المنظمة وشركاء آخرين ولاحقًا في 2 أبريل 2020 أجاب مكتب ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر، أن مصر لديها 400.000 كيتس لإجراء التحليل الخاص بفيروس كورونا المستجد (test kits).
وقد أعلنت وزارة الصحة عن زيادة المعامل التي يتم إجراء التحاليل بها إلى 21 معمل، مع وعد بزيادة العدد إلى 27 معمل، بعد أن كانت تسحب العينات من أماكن مختلفة، ويتم تحليلها في المعامل المركزية في القاهرة فقط، ويعد ذلك خطوة جيدة في اتجاه لامركزية المواجهة.
ووفقًا لتعريف حالة كورونا المستجد الذي وضعته اللجنة العلمية لوزارة الصحة، فإن التحليل يجري فقط لمن ظهرت عليهم أعراض المرض ممن خالطوا حالة إيجابية أو سافروا لإحدى الدول عالية الإصابة. ويرى بعض الخبراء ضرورة التوسع في التحاليل، بحيث يكون هناك مركز اختبار واحد في كل منطقة؛ لأن من شأن القيام بالاختبارات الخاصة بالكشف عن كورونا المستجد على نطاق واسع، أن يساهم في المساعدة على اكتشاف مرحلة (الانتشار المجتمعي) في وقت مبكر، والعمل على احتواء بؤر التفشي بشكل أسرع. خاصة وأنه بمجرد الدخول في مرحلة الانتشار المجتمعي، فإن القدرة على الحد من هذا الانتشار ستكون محدودة إلى حد ما؛ لذلك فإن هدف هذه الاستراتيجية يتمثل في تسطيح منحنى العدوى لأطول وقت ممكن؛ أي إبطاء العدوى قبل أن ترتفع معدلات العدوى بشكل كبير، وبالتالي توزيع الموارد الصحية بدلًا من إنهاكها.
ويمكن التنويه إلى أنه في حالة عدم قدرة المعامل المركزية والفرعية بوزارة الصحة على تحمل عبء زيادة العينات، فإنه من الممكن الاستفادة بالعدد الضخم من المعامل الخاصة الموجودة في مصر من أجل التوسع في التحاليل، والمساهمة في الكشف المبكر، عن طريق الشراكة مع المعامل الخاصة؛ وذلك شريطة أن تكون مطابقة لمواصفات الجودة والاعتماد، وأن يكون التحليل مجانيًا كما هو الحال في المعامل الحكومية.
رابعًا- التنمر والوصم الاجتماعي :
يعد "الوصم نتيجة المرض في الوعي الشعبي الجمعي مسألة تاريخية ليست بسيطة"، وتعني الارتباط السلبي بين الشخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يشتركون في خصائص معينة، ويعني هذا أنه قد يتم التمييز ضد الأشخاص المصابين بكوفيد – 19 أو الأشخاص الذين لهم صلة اتصال بالمرض. على سبيل المثال؛ صلة القرابة أو السكن في نفس المنطقة السكنية. ويؤثر هذا التمييز سلبًا على المصابين بالمرض، وكذلك على أسرهم، وأصدقائهم. وقد أثار تفشي كوفيد-19 الحالي وصمة اجتماعية وتمييزية سواء كان وصم الأفراد أو الدول أو ضد أي شخص يُعتقد أنه على اتصال بالفيروس.
1- أسباب الظاهرة: تعود أسباب الوصمة المجتمعية المتزايدة المرتبطة بكوفيد-19 إلى كونه مرض جديد، ولا يزال هناك الكثير من المجهول عنه. ومن عواقب الوصمة المجتمعية أنها ممكن أن تدفع الناس لإخفاء المرض لتجنب التمييز ضدهم، ومن ثم اللجوء إلى الرعاية الصحية في حالة متأخرة، وليس فور الإصابة أو الشعور بأعراض المرض، وبالتالي يتسبب في انتشار الفيروس على نطاق واسع. وقد تبين خطورة هذه الظاهرة، في تحدي بعض القرى للحجر الصحي، ومحاولة البعض الهروب من الحجر الصحي. وقد ظهر التنمر عند دفن الموتى من ضحايا فيروس "كورونا" في مقابر عائلاتهم بالمحافظات، وإثارة أزمات بين أهالي القرى التي ينتمون لها، خاصة في ظل رفض الكثير من الأهالي دفنهم في المقابر؛ خشية انتشار العدوى.
وظاهرة الخوف من الحجر الصحي لها أسبابها المعقدة، والتاريخية في مصر، ولا يصح أن يتم التعامل معها بتوجيه اللوم للناس باعتباره (نقص وعي). فقد كان يتم التعامل مع مرضى الكوليرا في القرن الماضي بالشدة والصرامة، لدرجة كانت تدفع الأهالي لإخفاء الإصابات والوفيات. فعندما كان يصل إلى السلطات الصحية خبر حدوث إصابة كان يتم إرسال مجموعة من موظفي الصحة والبوليس إلى منزل المريض، ويقومون بأخذه إلى عربة الصحة، ثم إلى المستشفى، وبعد ذلك يأتي الدور على منزل المصاب؛ حيث يذهب إليه موظفو الصحة فيأخذون ما فيه من الأثاث بهدف التطهير، ولكن في أغلب الأحيان كان يتم حرقه، مما أدى إلى خوف وهلع أقارب المريض والجيران.
2-مقترحات لمواجهة الوصمة المجتمعية: يجب احتواء هذه المشكلة، وإيجاد حلول سريعة لها قبل أن تتزايد؛ حيث وضعت منظمة الصحة العالمية عدة اقتراحات لمواجهة الوصمة المجتمعية المرتبطة بالمرض، ومن المفيد تبنيها في سياق المشاركة المجتمعية؛ وذلك على النحو التالي:
نشر الحقائق؛ حيث تزيد الوصمة المجتمعية نتيجة لعدم توافر الحقائق والمعلومات الكافية حول كوفيد – 19، وطرق العدوى، والوقاية منه. ومن ثم فإن إعطاء الأولوية لنشر المعلومات الصحيحة المتعلقة بالمرض، سوف يساهم في الحد من تلك الظاهرة.
ب-الاهتمام بنشر أصوات وقصص عن الأشخاص الذين عانوا من الفيروس، وقد تعافوا؛ أو من دعموا أحد أقاربهم وأصدقاءهم من خلال التعافي، للتأكيد أن معظم الناس يتعافون من كوفيد-19.
ج- إبراز الدور الهام لمقدمي الرعاية الصحية في الأزمة الحالية؛ لأنهم أيضًا قد يتعرضون للوصم. وهنا يظهر أهمية دور المتطوعون في المجتمع؛ لأنهم يلعبون دورًا أيضًا في الحد من الوصمة في المجتمعات.
د-التركيز على دور الصحافة، والإعلام المسئول في التعامل مع الأزمة.
وختامًا لما سبق، يمكن التنويه إلى البيان الصحفي الذي أصدرته بعثة الدعم التقني المعنية بمرض كوفيد-19 في مصر إلى أن "اتباع نهج يشمل الحكومة بأكملها والمجتمع بأسره" و "التنسيق والشراكات مع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام على نطاق أوسع سيضمن قدرة العامة على اتخاذ قرارات مستنيرة، دون الانسياق وراء الشكوك ودون الخوف من الوَصْم المرتبط بالمرض"؛ حيث سيسمح ذلك بمكافحة انتشار الوباء بفاعلية قبل أن يتطور انتقال المرض من مستوى الأفراد إلى مستوى المجتمع. لذلك فإن تضافر الجهود المجتمعية"، يعد أمرًا مهمًا وضروريًا، من خلال تضافر جميع المبادرات في إطار واحد حتى يساهم في خلق حركة وبيئة إيجابية تظهر الاهتمام والتعاطف مع المرضى، ومع من يتعرضون للوصم. وذلك من خلال التعاون المشترك مع المؤسسات المختلفة للدولة من أجل تكثيف جهود التوعية، ووضع خريطة طريق بسيطة وواضحة يتحرك من خلالها كل من يشك في حالته الصحية، مع الأخذ في الاعتبار تزايد معدلات حالات الوهم المرضي. وفي النهاية هناك ضرورة ملحة لتعبئة جميع الإمكانيات والقدرات الأهلية، والخاصة للعمل على نحو مشترك مع الجهود المبذولة من جانب الحكومة.
تم نشر هذا المقال في دورية الملف المصري ، العدد 69 - مايو 2020