على هامش التوتر الطائفي بمدينة الواسطى: الشرطة تقوم بدورها حين تريد
بينما قررت قبل منتصف ليلة الجمعة الماضية، أن أغلق حاسبي الشخصي، وأتفرغ لمشاهدة أحد الأفلام الكوميدية، أذ بجرس الهاتف يرن، مكالمة من صديقي فادي أميل الصحفي، كان صوته متوترا ويحمل بين نبراته مشاعر الخوف والتشاؤم، قال: أنت تعرف إنني من مدينة الواسطى، ولعلك تعرف تفاصيل سفر الفتاة المسلمة رنا حاتم كمال الشاذلي واتهام أسرتها للكنيسة بتنصيرها ومساعدتها على السفر للخارج، وانتهاء مهلة الشهر التي منحتها الأسرة للكنيسة والمسيحيين لعودة الفتاة. اليوم نظم بعض متشددي الواسطى عرض بروجيكتر بميدان طوسون الشهير يتضمن تحريضا واضحا ضد أقباط المدينة كما وزعوا منشورات تدعو للصلاة بمسجد التحرير المجاور للكنيسة وتنظيم مظاهرة عقب صلاة الجمعة أمام الكنيسة للضغط عليها لعودة الفتاة متهمين الأقباط بخطف الفتاة وتهريبها للخارج.
لا أعتقد أنني نجحت في تهدئة مشاعر صديقي، فكلانا يدرك خطورة الحشد الطائفي، والتحريض على العقاب الجماعي، والذى تشهده حوادث العنف الطائفي في ظل صمت المسئولين ودون رادع قانوني أو وازع أخلاق. وتذكرت أن والد الفتاة هدد في لقاء مساعد وزير الداخلية اللواء عابدين يوسف بمقر الوزارة -الثلاثاء23 أبريل- وبحضور كاهن الكنيسة وقيادات من أحزاب ذات مرجعية إسلامية ومدنية قائلا: "إذا مرجعتش البنت خلال 60 ساعة هنولع في البلد."
فقوات الأمن فشلت سابقا في أداء دورها الوقائي بالتنبؤ بأجواء التوتر والشحن الطائفي والتدخل الاستباقي للحيلولة دون وقوع الاعتداءات، ثم بالفشل في حماية الأرواح والممتلكات أثناء الاعتداءات وملاحقة المعتدين والقبض عليهم. وتبادرت إلى ذهني تجارب مؤلمة عشتها وقصص موجعة من ضحايا الانتهاكات و تفاصيلها انتهاكات واسعة تحدث في حراسة قوات الأمن، تذكرت على الفور اعتداءات دهشور الطائفية يوليو 2012، عندما حذرنا من خطورة أجواء التوتر الطائفي بالقرية ، وطالبنا الجهات الأمنية بحماية الأقباط وممتلكاتهم، والتي جاء دورها ليس كما توقعنا بأن تتهاون مع المعتدين فقط، لكنها فشلت في حماية الممتلكات وتركت المنازل التي كانت تحرسها غنيمة للمعتدين، بل طالبت قوات الأمن من المواطنين الضحايا العزل الخروج من منازلهم في جنح الظلام: من يخاف على حياته وحياة أسرته فيغادر القرية، برسالة التحذير هذه هجر أقباط القرية إلى المجهول، بعد أن تركوا كل شيئا يمتلكونه خلفهم. تذكرت عشرات الاعتداءات التي وقعت لكنائس في ظل حراسة رجال الأمن وعدم تدخلهم لحمايتها، كما حدث أثناء حرق وهدم كنيسة قرية صول بمركز أطفيح (مارس 2011) وحرق كنيسة العذراء بإمبابة (مايو2011) والاعتداء على الكاتدرائية (أبريل 2013).
وفي يوم الجمعة، تابعت تفاصيل محاولة الوصول للكنيسة ونجاح قوات الأمن في التعامل مع المتظاهرين وحماية الكنيسة ومنازل ومحال الأقباط القريبة من موقع الاشتباكات وإبعادهم عنها دون وقوع إصابات بالغة ، وباستخدام قنابل الغاز المسيلة للدموع فقط، وهي من المرات القليلة التي تؤدي قوات الشرطة دورها دون ملاحظات على أدائها أو انتهاكات للقانون وحقوق المواطنين، ويمكن إجمال الملاحظات التالية على تعامل قيادات قوات الأمن مع محاولة الاعتداء على كنيسة مار جرجس بالواسطي وممتلكات الأقباط المجاورة لها:
أولا: عقدت قيادات الأمن عدة لقاءات مع أسرة الفتاة المسلمة وكبار العائلات بمدينة الواسطى وكهنة كنيسة مار جرجس وقيادات الأحزاب الإسلامية والمدنية لتهدئة الأجواء ومنع تفاقهما خصوصا بعد إجبار أقباط المدينة على غلق محالهم التجارية 19 مارس الماضي لمدة أسبوع، ثم إعطاء مهلة شهر للكنيسة والمسيحيين انتهت 25 أبريل لعودة الفتاة.
ثانيا: تشديد الحراسة على كنيسة مار جرجس التي جرت محاولات سابقة للاعتداء عليها، فقد أغلق قوات الأمن جميع الشوارع المؤدية للكنيسة يومي الخميس والجمعة، وتواجد مدير أمن محافظة بني سويف اللواء إبراهيم هديب ومدير المباحث الجنائية بالمدينة خلال الأحداث، وقد أعلنا في اليوم السابق لانتهاء المهلة أن الأمن متواجد بكثافة ملحوظة لحماية جميع كنائس محافظة بني سويف، وعددها 27 كنيسة، وأن قوات الأمن لن تتهاون مع الاعتداءات وانتهاك القانون.
ثالثا: وفقا لإفادات من شهود عيان فأن الشرطة لم تبادر بالهجوم والاعتداء على المتظاهرين، حتى عندما حاول المتظاهرون اختراق الحواجز الأمنية، ولم تتدخل إلا عندما رشقوا الكنيسة والجنود بالحجارة، فتصدوا لهم بقنابل الغاز المسيلة للدموع فقط، ولم تصل للكنيسة سوى زجاجة مولوتوف واحدة لم تسفر عن أضرار، وذلك خلال الاشتباكات التي استمرت نحو الساعة، بعدها تفرق المتظاهرون إلى مجموعات صغيرة في شوارع المدينة.
رابعا: فضت قوات الأمن المظاهرة أمام الكنيسة دون إصابات أو جروح بالغة، وهو من المرات القليلة التي تتعامل قوات الأمن مع متظاهرين دون وقوع ضحايا قتلى ومصابين.
يبقي التأكيد على أنه بالرغم من نجاح قيادات الأمن في حماية كنيسة مار جرجس وممتلكات أقباط الواسطى لكن التصريحات الصادرة عنهم حول الفتاة ومحاولة إرجاعها لا تعكس حقيقة وضع الفتاة، التي تبلغ من العمر واحد وعشرين عاما، وبالتالي هي تملك الإرادة القانونية لتقرر حياتها دون وصاية من أحد، وأن الكلام عن مخاطبة الإنتربول الدولي لإرجاعها هو محاولة مؤقتة لتسكين وتهدئة الأوضاع وتأجيل لمواجهات قادمة، فالفتاة رانا لم ترتكب جريمة سواء باختيارها العيش بعيدا عن أسرتها أو بتغيير ديانتها.