هل علينا الوثوق في شركات الاتصالات والإنترنت؟
في أغلب الأحيان تبدأ العلاقة بين المواطن ومقدم الخدمة، سواء كانت شركة اتصالات أو مصلحة حكومية أو بقالة أو مستشفى، بمجموعة أسئلة شخصية يطرحها مقدم الخدمة على الفرد قبل التطرق إلى موضوع الخدمة، وعادة تتضمن اﻷسئلة الاسم ومحل الإقامة ورقم الهاتف وربما نسخ البطاقة الشخصية بكل ما تحمله من بيانات، وقبل البدء في موضوع الخدمة قد يطلب منك مقدم الخدمة التوقيع على ورقة ما للمباشرة في الخدمة. وفي مجال التكنولوجيا والإنترنت تتجسد تلك الورقة في شكل وثيقة مذيلة بصندوق "موافق".
نستخدم يوميا محركات البحث لمطالعة موضوعات نهتم بالتعرف عليها، وقد تكون رياضية أو فنية أو دينية أو سياسية أو صحية، لتصب في محصلة معارفنا العامة وقدرتنا على التفكير واتخاذ القرار. كما أننا نتواصل على نحو يومي عبر أدوات ووسائل الاتصال لأغراض اجتماعية ومهنية. ونقوم دائما بمشاهدة مقاطع فيديو ترفيهية وتثقيفية. كما أن أغلبنا يدون ملاحظات وأفكارا في مسودة بالبريد الإلكتروني أو ملف نصي على الكمبيوتر أو كراسة ملاحظات بحوزتنا.
منذ بضع سنوات شعرت بصدمة كبيرة عندما اكتشفت إمكانية الوصول إلى سجل لي يحتوي على جميع عبارات البحث التي قمت بكتابتها على مدار سنوات على محرك البحث جوجل. وجانب من الصدمة كانت مطالعة تاريخ تطور اهتماماتي والقراءات وفيما كنت أفكر عبر الزمن، وجانب أكبر من الصدمة هي حقيقة وجود ذلك السجل الذي يكشف كثيرا عن شخصيتي. قررت البحث عن مزيد من سجلاتي التي لم أكن أعلم بوجودها لدى شركات أخرى، وتوصلت لوجود سجل يضم جميع مقاطع الفيديو التي شاهدتها طيلة سنوات على موقع شركة يوتيوب وسجل آخر يضم كل كلمات البحث التي كتبتها على موقع شركة فيسبوك. شعرت وقتها بغضب وانهيار طبقة الخصوصية التي كنت أتصورها موجودة، وهذا أمر مزعج جدا.
وأدركت أن شركات الإنترنت والاتصالات لديها قدرة على استنتاج سلوكياتنا وتفضيلاتنا وتحديد شبكة علاقتنا الاجتماعية على نحو جامح، قد يكون أفضل من أقرب المقربين لنا ومن أنفسنا أحيانا. وفي نفس الوقت تقوم الشركات داخل بلادنا إما بالتنصل من المسئولية تجاه تسليم بياناتنا الشخصية لحراس السلطة بحجة "أوامر ملزمة"، أو تبادر بفاعلية لتيسير مراقبة الجمهور من منطلق "مصالح متبادلة" مع حراس السلطة.
وفي كل الأحوال فإننا كمستخدمين للخدمات وكجمهور يتلقى خدمات عامة وأصاحب مصلحة متنوعين، ليس لنا أي حضور أو وزن في المفاوضات بين قطاع الاتصالات وحراس السلطة، ولسنا أصلا في معادلتهم التي تعبر عن منافعهم، ودائما يتم "إخطارنا" بالاتفاقات و"تنبيهنا" بالتعديلات، أو نعلم عنها من قبيل الصدفة أو التسريبات، وتكون المسألة أمرا واقعا في كل الأحوال.
قدرتنا على بناء الثقة أو مراجعة الثقة في دوائرنا الاجتماعية والإنسانية، أمر ممكن حيث تتوفر إمكانية المشاهدة بأعيننا، ونستطيع تكوين وجهة نظر بناء على ما نمر به، ويمكننا الاستفسار والحصول على معلومات أكثر، ويمكن أن نقوم بمحاسبة ومساءلة صديق أخطأ أو زميل ارتكب مشكلة، ونشعر متى كان الشخص أهل ثقة أو لا يستحقها عبر تراكم مواقف، وهكذا. أما على صعيد العلاقة بين الفرد ومقدم الخدمة، فلا يوجد كل ما سبق، والعلاقة بأكملها مبنية على افتراض الثقة ونسمع دائما من خدمات العملاء وفي الإعلانات "شكرا على ثقتك". تلك الثقة تم افتراضها وبناؤها على لا شيء حقيقي، ولا يوجد أي دعائم لها. والعلاقة فوقية بين المقدم والمتلقي، وليست علاقة على نحو متساوي، ولن تكون كذلك بسهولة.
عندما يكون كل الأطراف وأصحاب الشأن شركاء في صناعة القرار والقانون، ومساهمون على نحو متساو في تشكيل آليات التنفيذ ومعايير المحاسبة والشفافية، ومتشاركون في المسئولية لحماية حقوق المستخدم وتوظيف أفضل للموارد، يمكننا في هذه الحالة أن نقول إننا جميعا نتشارك في حوكمة الاتصالات، وعندما أقول جميعا أقصد: المستخدمون والمحامون والصحفيون والمهندسون والأكاديميون وممثلو الشركات وممثلو القطاعات الحكومية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني... وكل أصحاب المصلحة بمختلف الدرجات.
تم نشر هذا المقال عبر موقع هُنا صوتك بتاريخ 21 ديسمبر 2015