خصخصة القطاع الصحى والحق فى التداوى
لم يكن الحق فى التداوى وتلقى العلاج نوعا من الترف، أو سلعة تكميلية للمواطنين، لكن تعد صحة المواطنين وحقهم الدائم فى وجود رعاية صحية دائمة أحد أهم أساسيات قيام المجتمع بذاته، حتى وإن تحولت بشكل من الأشكال إلى سلعة فى ظل منظومة السعار العالمى والتكالب نحو سياسة السوق، ولكن عند حدود الحق فى التداوى يجب أن تكون هناك ثمة حدود تقف عندها السياسات الخاصة والسعى نحو المزيد من الربح أو بمعنى آخر يجب أن تكون السياسة الرسمية للدولة حريصة على توفير الخدمات الصحية بشكل أو بآخر للمواطنين، على ألا تتركهم سلعة أو لقمة سائغة فى أفواه تجار الخدمات الصحية.
ففى ظل الأزمات الطاحنة التى يتحملها فقراء الشعب المصرى، وأخصهم تحديدا بتحمل القدر الأكبر من المعاناة الاقتصادية والأزمات التى تعيشها الدولة فى ظل غياب سياسات واضحة وقادرة على إيجاد حلول مناسبة غير التحمل والدعوة إلى التقشف، لم تقف السياسات الرسمية عند ذلك وإنما ترغب فى زيادة العمق والخلل بينها وبين المواطنين بزيادة المعاناة فى خصوص العلاج والتداوى. فبعد أن تم رفع أسعار الأدوية لمرات كان آخرها منذ أيام قليلة وبنسبة مرتفعة، قد يصير العلاج أو الدواء معها من الأمور محل الاختيارات الحياتية لدى المواطنين، إذ إن أكثرنا لن يستطيع الحصول على قائمة الدواء كاملة. جاء الإعلان عن رغبة الحكومة فى بيع مجموعة من المستشفيات التى تسمى بمستشفيات التكامل وتحويلها إلى القطاع الخاص، وهو أمر يزيد من أعباء المواطنين، خصوصا بعد مراجعة أسماء المستشفيات المطروحة للبيع تجد أنها فى مناطق ما بين شعبية وريفية، مما يدلل على أنها من المناطق الأكثر احتياجا لتقديم الخدمات وليس لبيعها.
من زاوية ثانية هل انتبهت السلطة إلى المفهوم الدستورى للحق فى الصحة والرعاية الصحية المتكاملة التى ورد النص عليها فى المادة الثامنة عشر من الدستور؟ ناهيك عن الالتزام بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة، والالتزام بإقامة نظام تأمين صحى شامل، كل ذلك إضافة إلى التزام مؤسسات الدولة بالحقوق الاجتماعية والصحية بشكل شمولى، وهو أول الأدوار التى تقع على عاتق أى سلطة أو مؤسسة.
حتى ولو تحججت السلطة بفشل منظومة عمل هذه المستشفيات، أو كونها لا تحقق نجاحات فى أداء عملها، فليس ذلك بمبرر لعرضها للبيع، وكان الأجدر هو تغيير المنظومة الإدارية لهذه الأماكن، وتحديث طرق إدارتها بما يحقق الهدف من وجودها، وبما يحقق فاعلية للخدمة الصحية المقدمة للمواطنين.
ولتعلم السلطة الحاكمة قبل الأفراد أن معظم الدول تتجه منذ فترة ليست بالقريبة إلى تقديم خدمات علاجية شاملة ومجانية لكافة مواطنيها حتى فى الأمراض ذات الكلفة العلاجية العالية، بل إن الأمر قد فاق ذلك فى بعض الدول التى تتكفل بعلاج المقيمين فيها ولو لفترة بسيطة حين إصابتهم بأى مرض خلال فترة إقامتهم دونما أى كلفة مادية.
أعلم جيدا أن السوق العالمية للدواء يزداد سعارا ووحشية، ولكن ليس ذلك بمبرر حتى تتخلى الدولة بمحض إرادتها عن دورها الرئيسى وهو ليس دورا لها فقط، بل هو كذلك من الوجهة الثانية للصورة هو حق للمواطنين يقع على عاتق الدولة احترامه وتفعيله. ولن أزحم المقال بما أرسته المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان بخصوص التزام الدول باحترام الحق فى الصحة وتلقى العلاج، بل قد أضاف القضاء المصرى إلى ذلك المتن ما يستحق الاهتمام، حيث قالت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية «دائرة البحيرة فى حكم هام صدر خلال ستة أشهر ما نصه» أنه احتراما لحق الأفراد فى الحياة والمحافظة على الصحة العامة للمواطن المصرى باعتبارها أحد حقوقه الأساسية، فقد أكد الدستور الحالى أن لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية متكاملة وفقا لمعايير الجودة، وألزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، ومن ثم فقد باتت الدولة ملتزمة بتقديم الخدمة الصحية للمواطنين بعلاجهم ورعايتهم طبيا إلى أن يشفى المواطن أو يثبت عجزه، وهذا الواجب المنوط بها محظور عليها النكول عن القيام به لأى سبب من الأسباب».
من ثم يجب على وزارة الصحة أن تتحمل مقدراتها وتسعى إلى تحقيق الهدف الذى من أجله يكون بقائها ووجودها، وأن تعمل بشكل حقيقى وبسياسة فاعلة وملموسة إلى تحقيق التزامها الدستورى بالحفاظ على الصحة العامة للمواطنين من خلال إيجاد سبل ملموسة لذلك، وأن تتوقف عن ما تسعى إليه من العزم على بيع مجموعة من المستشفيات، وأن تسعى إلى تطويرها وتحسين خدماتها.
بشكل أكثر تخصيصا يجب أن تلتزم الدولة بتوفير الخدمات الصحية للمناطق الأكثر احتياجا، فليس كل الخدمات قابلة للبيع لمجرد البيع، وليست الخصخصة تعنى تخلى الدولة عن دورها المحدد والمفترض فى وجودها.
تم نشر هذا المقال عبر موقع الشروق الإلكتروني بتاريخ 3 يناير 2017