التاريخ والبرلمان والتعديلات الدستورية
امتلأ الفضاء الإلكترونى من خلال المواقع الإخبارية عن أن هناك محاولات من خلال بعض أعضاء مجلس النواب المصرى يتزعمها النائب إسماعيل نصر، وأنه بصدد جمع توقيعات المزيد من الأعضاء لتعديل الدستور المصرى فيما يخص مدة الرئاسة لتصبح ست سنوات بدلا من أربع سنوات، وأنه كذلك يقترح تعديل المدد الرئاسية، مبررا بأن مسعاه لتعديل مادة فترة حكم الرئيس، يهدف لتوفير مدة أطول للرئيس ليعمل على تنفيذ برنامجه، معتبرا أن 4 سنوات فترة غير كافية لذلك.
قد انتشر جدلا واسعا حول هذا المقترح على صفحات الفيس بوك، ومواقع التواصل الاجتماعى الأخرى، وكان معظم هذه النقاشات تدور فى فلك مدى جواز التعديل الدستورى فى ظل الفقرة الأخيرة من المادة مائتين وستة وعشرين بقولها «وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات».
قبل الدخول فى تفاصيل هذا المعترك الدستورى أرى أنه لابد من الإشارة إلى كون هذا الأمر ليس بجديد على المجتمع المصرى، أو على البرلمان مع اختلاف تسميته، ففى الحقبة التاريخية الحديثة كانت أولى هذه التغيرات الدستورية المقصودة فى عهد الرئيس محمد أنور السادات، وهى ما أطلق عليها حينها «تعديل الهوانم» هو تعبير يُذكر على سبيل التندر على التعديل الذى اقترحته النائبتان فايدة كامل ونوال عامر سنة 1980 لإطلاق مدد انتخاب رئيس الجمهورية فى دستور 1971، وحتى يكون هناك غطاء لهذا التعديل ليبتلعه الشارع السياسى المصرى حينها تم مرافقته لتعديل أخرى شكلى وهو النص على أن الشريعة الإسلامية هى (المصدر الرئيسى للتشريع) بدلًا من كونها (مصدرًا رئيسيًا) بإضافة الألف واللام، وتم تمرير هذا التعديل عبر الاستفتاء عليه.
وكانت المرة الثانية فى عهد الرئيس المخلوع بثورة الحادى عشر من يناير، وكان هذا التعديل فى عام ألفين وخمسة، وكان ذلك التعديل متضمنا شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فى ظل صياغة لنص دستورى غريبة وجديدة على المدونات الدستورية المصرية، والتى جرى العرف على اهتمامها بعمومية الموضوع دون التعرض للتفاصيل، إلا أن هذا التعديل المخطط له من قبل رجالات الحزب الوطنى التابع للرئيس حينها قد أتت بنص مغاير فى طريقة صياغته حتى أنه قد احتوى على تفاصيل قد يكون مكانها فى القوانين الأقل مرتبة من الدستور، حتى كانت هذه المادة فى صفحة كاملة، وقد قيل حينها إن هذه التعديلات كانت بمثابة التمهيد لترشيح نجل الرئيس على هذا المنصب.
إذا ما عدنا إلى ما يُثار حاليا حول الترويج لهذه التعديلات، فلابد وأن نوضح للقارئ أن الدستور المصرى الحالى فى مادته مائة وأربعين قد حدد الفترة الرئاسية بأربع سنوات، وأنه لا يجوز أن يتولى ذلك المنصب لأكثر من دورتين رئاسيتين متتاليتين.
إذا ما أردفنا إلى ذلك ما جاء بالفقرة الأخيرة من المادة مائتين وستة وعشرين، من عدم جواز تعديل المواد الدستورية المتعلقة بهذا الأمر، إلا إذا كانت هذه التعديلات متعلقة بالمزيد من الضمانات، ومن منطلق المزيد من الضمانات الواردة بهذه المادة، فاعتقد أن المزيد من الضمانات المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة لا تكون فى زيادة مدة الرئاسة أو فى زيادة عدد مرات الترشح، وذلك لكون هذا يتنافى مع كل القواعد الديمقراطية السارية فى البلدان التى تأخذ بمذهب الانتخابات الرئاسية، كما أن فترة الرئاسة أو مدد الترشح هى أهم الضمانات المقصودة فى المتن الدستورى، وبالتالى فلا يجوز تعديل ما جاء بالمادة مائة وأربعين إلا بعد تعديل المادة مائتين وستة وعشرين.
لكن وبعيدا عن المعترك الفقهى الدستورى، لست أرى أن هناك أى داع أو مبرر لمثل هذه التعديلات، وخصوصا فى وقت لا يوجد فيه نجاحات على المستوى الاقتصادى أو الاجتماعى للحكومة الحالية، وهو ما يشكل أهم مبررات محاولات التعديل، فقد تتمسك الجماهير برئيس الدولة حال نجاحه فى نقل المستوى العام لحياة المواطنين إلى درجات عليا من الحماية والتمتع بالحقوق والرفاهية، ولكن الحال فى مصر ينذر بكارثة مجتمعية حال زيادة نسبة الفقر وزيادة معدلات البطالة، وشبه انهيار كامل لمنظومة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، هذا بخلاف زيادة نسب القروض وارتفاع معدلات التضخم، وانهيار قيمة العملة المصرية، كل ذلك بعيدا عن أوجه مغايرة لهذه الحقوق من ضمنها الحقوق السياسية والأمنية على وجه الخصوص، فمازال الوضع العام على الصعيد السيناوى تزداد كوارثه التى يتحملها المواطنون فقط، سواء من أرواحهم أو تمتعهم بالحياة بشكل طبيعى، وكان آخرها نزوح المواطنين المسيحيين إلى خارج سيناء.
من زاوية مغايرة فإذا كان مرد التعديل الدستورى المُروج له إلى الاستفتاء، وعلى افتراض حيادية الطرق الانتخابية وغياب جميع المؤثرات عنها، ولنا فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة الأسوة فى ذلك، ويكفينا أن نشير إلى أنه قد تم تمديد الانتخابات يوم جديد حينها. ومع ذلك الفرض فلنترك الأمر كما هو عليه للجماهير وهى التى تقرر حال ترشح الرئيس الحالى لمدة جديدة لهذا المنصب ولنرى ما تسفر عنه هذه الانتخابات، وبعدها ومن خلال مؤشرات النتيجة ربما يكون هناك حجة لمبررى التغيرات أو التعديلات الدستورية للترويج لمطالبهم.
كما أنه ومن ناحية أعضاء مجلس النواب الحالى، فلابد أن يقفوا أولا عند حدود أدوارهم المقننة دستوريا، وأن يقوموا بما هو منوط بهم حيال ناخبيهم، وتجاه المجتمع المصرى بأسره، إذ أن هذا البرلمان، ومن خلال متابعة أعماله خلال فصل تشريعى قد انتهى، ونحن الآن فى منتصف الفصل التشريعى الثانى له، لم يقدم غير التأييد المطلق للسلطة التنفيذية، وخير دليل على ذلك هو موافقة على كل ما صدر من قرارات بقوانين قبل انعقاد المجلس دون أى نقاش يُذكر، باستثناء قانون الخدمة الاجتماعية، والذى أعيد إنتاجه مرة جديدة، أو من خلال موافقته غير المشروطة أو غير الممزوجة بأى مناقشة لكل ما أبرمته السلطة التنفيذية من قروض.
تم نشر هذا المقال عبر موقع الشروق الإلكتروني بتاريخ 8 مارس 2017