هيبة الدولة.. وهيبة المواطن
حادثان مرا بوطننا العزيز مصر خلال الأيام الماضية، ولكنهما تركا أثراً بالغاً في نفوس المصريين، ربما لا تجد مثليهما في أرض مغايرة أو في زمن مختلف، وأيضاً ربما يختلف التأثير باختلاف الزمان والمكان.الأول في مباراة كرة قدم تمت على أرض مصر في نهائي البطولة العربية لكرة القدم، وكانت المباراة ما بين فريقي الفيصلي الأردني، والترجي التونسي، وقد انتهت المباراة بفوز الفريق التونسي على نظيره الأردني، وبالتالي الفوز بالبطولة وعلى الرغم من كون النتيجة النهائية للمباراة توحي بالتقارب بين الفريقين حيث انتهت بفوز الترجي بثلاثة أهداف نظير هدفين للفيصلي، إلا أنه بمجرد أن أطلق حكم المباراة صافرة النهاية انهال عليه اللاعبون والإداريون من فريق الترجي بالضرب، وحدث هرج واعتداء من جماهير الفريق وإتلاف لبعض محتويات الملعب من أسوار ولافتات وكراسي، وغير ذلك من الموجود بالملعب والمدرجات. وقامت الشرطة بالقبض على البعض من الجماهير المعتدية وتم ترحيلهم إلى حيث مديرية أمن الإسكندرية، ولكن وللعجب قد تم إطلاق سراحهم جميعهم، وترحيلهم لبلدهم الأردن، على الرغم من كون ما قاموا بفعله يشكل جريمة وفقا لأحكام قانون العقوبات المصري، وعلى الرغم من إحالة جماهير مماثلة من نادي الزمالك إلى القضاء العسكري بنفس هذا الاتهام، لكون الملعب منشأة عسكرية، وهو نفس الملعب الذي اعتدى عليه مشجعو النادي الأردني، فما الفرق إذن ما بين جماهير نادي الزمالك وجماهير نادي الفيصلي الأردني؟ لم أجد سوى فارق واحد هو اختلاف الجنسية، فجماهير الأول تحمل الجنسية المصرية، وبالتالي تمت إحالتهم إلى المحاكمة مع استمرار حبسهم، وتتم محاكمتهم حاليا أمام القضاء العسكري بالمنطقة الشمالية. أما أبناء الفريق الثاني فهم أردنيون وتم إخلاء سبيلهم وعدم تحرير محضر ضد أي منهم. فهل يمثل ذلك عقاباً على الهوية المصرية؟ وهل أبناء الوطن تقل قيمتهم بالمقارنة بأي جنسية أخرى؟ ربما يكون ذلك صحيحاً لو كنا خارج حدود الدولة المصرية، ولكننا في هذه الحادثة داخل كيان الدولة المصرية، وتمت الواقعة بنفس المكان، وربما كانت واقعة الجماهير الأردنية أكثر فداحة من واقعة المصريين، فلماذا إذن يتم معاملة المصريين بأقل مما يتم به معاملة الأردنيين؟ وهل هناك من مغزى يغيب عن عقولنا تعلم به السلطات يبرر التمايز بين الفريقين في المعاملة؟
أما الواقعة الثانية: فهي مقابلة وزيرة الاستثمار للأمير ابن طلال وهو بملابس البحر أو الرياضة، وعلى متن اليخت الخاص به، وإن كنت أدرك أن هناك قواعد وأصول لمقابلات أصحاب هذه الوظائف العليا بحسب أنهم لا يمثلون أنفسهم، بل يمثلون بلدانهم. واعتقد أن هناك خروجا عن المألوف فيما تم بشان هذه الزيارة، ففي ذهاب الوزيرة للأمير في مكان غير مخصص للعمل علامة أولية، ثم في طريقة مقابلته للوزيرة علامة فارقة ثانية على مدى تقديره للقاء أو بالمعنى الأدق استعلائه على المقابلة، حيث إنه في علم التفاوض ما يدعم ذلك، حيث كيفية اختيار المكان والموعد وطريقة التعامل أثناء اللقاء، والملبس والمشرب، وكل ما في اللقاء من أمور قد تبدو قليلة الأهمية، ولكنها في أغلب الأحيان يكون لها مدلول عميق الأثر على الفارق بين أطراف اللقاء في القوة والنفوذ.
وما تم بهذا اللقاء لا يوضح سوى التقليل من شأن الجانب المصري، وبالتالي التقليل من هيبة الدولة، حتى ولو كان اللقاء لطلب الدعم المالي من شخص الوليد ابن طلال، وذلك لوجود فوارق عديدة بين شخص الوليد، وشخصية الدولة المصرية، وأنه كان ينبغي على ممثلة الحكومة المصرية أيا كانت الأسباب الداعية لهذا اللقاء أن تضع بعض الشروط أو القواعد الدبلوماسية، حيث لا ينبغي أن تكون هذه المقابلات في أماكن غير مخصصة للعمل، وعلى هذا النحو الذي ملاء الفضاء الإلكتروني، وهو ما أنتج مقارنة لا تحق بين سطوة شخص الأمير، وبين ممثلة الدولة المصرية، كانت لصالح الأمير مما يقلل من هيبة الدولة في نظره ونظر قرنائه، حتى وإن تم الاحتجاج بأن هذا اللقاء لم يكن لأسباب متعلقة بالعمل الرسمي للوزيرة، فالجميع يعلم قيمة الوظيفة، وكيف أنها تفرض تصرفات وسلوك على من يتولاها.
ومحصلة الحادثين فارقة في ذهن وضمير وتاريخ وقيمة مصر والمصريين، فلا يصح أن تعمد السلطة إلى معاملة بنيها معاملة تقل عن معاملة الضيف الوافد إليها، وأنه في جميع الأحوال لا يجب أن يكون هناك تمييز في المعاملة القانونية بين فئة وغيرها، وذلك لكون القانون يجب أن يتمتع بكونه عاماً ومجرداً يجب أن يٌطبق على الكافة وينال احترام الجميع، وذلك وفقاً لقاعدة تحكم القوانين الجزائية تسمى «إقليمية قانون العقوبات» أم هنا يصدق قول الراحل أمل دنقل «إن القوانين يا سيدي تٌسن من أجل أن تٌخرق» ولا يصح أن يقوم ممثلو الحكومة التي تمثل كيان الدولة المصرية بالاستهانة بقيمة الدولة أو تهوين قدرها إلى هذا الحد، وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال «بلدي وإن جارت على عزيزة.. وأهلي وإن ضنوا على كرام»
تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 8 أغسطس 2017