اليوم العالمى لحقوق الإنسان تعيش وتفتكر
عن إعلان ترامب بأن القدس عاصمة إسرائيل
فى ذكرى اليوم العالمى لحقوق الإنسان.. قد ورد فى ديباجة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ــ والذى تم تدشينه بتاريخ العاشر من ديسمبر سنة ألف وتسع مائة وثمانية وأربعين ــ أنه « ينشر على الملأ هذا الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذى ينبغى أن تبلغه جميع الشعوب وجميع الأمم، كما يسعى جميع أفراد المجتمع وهيئاته، واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام، ومن خلال التعليم والتربية، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات، وكما يكفلوا، بالتدابير المطردة الوطنية والدولية، الاعتراف العالمى بها ومراعاتها الفعلية، فيما بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها وفيما بين شعوب الأقاليم الموضوعة تحت ولايتها على السواء».
كما جاء فى المادة الأولى من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية، والذى اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د ــ 21)، المؤرخ فى 16 ديسمبر 1966، تاريخ بدء النفاذ: 23 مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49 أنه «لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهى بمقتضى هذا الحق حرة فى تقرير مركزها السياسى وحرة فى السعى لتحقيق نمائها الاقتصادى والاجتماعى والثقافى».
وقد تم صياغة وإبرام تلك النصوص بعد جهاد طويل لمناضلين حقوقيين، كان جل غايتهم هو إرساء قيم الفضيلة والتآخى والمساواة بين البشر على اختلاف مواطنهم ومذاهبهم.
فهل بعد مرور كل هذه السنوات على تلك النصوص زادت فاعليتها؟ هل تم احترامها بشكل كاف؟ هل مارستها الحكومات قبل الأفراد حتى تكون قدوة لهم فى سياقها الحقوقى؟ وفى المجمل هل باتت هذه النصوص ذات قيمة وفاعلية حقيقية على جميع الأصعدة والمستويات؟
مجموعة كبيرة من الأسئلة تدور فى الذهن، وتذهب بالمخيلة على البعيد، ولا تعود إلا بخفى حنين، وصدى لانحسار هزيمتها أمام تغول الدول فى المقام الأساسى على ما سطرته بأيديها فى هذه الترسانة الحقوقية، والتى باتت رهن المشيئة النفعية لمصلحة وغلبة بعض الدول ودورها النافذ فى المجال الدولى، وهو الأمر الذى يجعل من كل هذه الاتفاقيات مجرد نصوص ورقية.
***
وأنطلق بالتمثيل من خلال النص الملزم للمادة الأولى لاتفاقية الحقوق المدنية والسياسية ــ حق الشعوب فى تقرير مصيرها ــ والعلاقة بين هذا النص وبين الإعلان المفرد من إدارة البيت الأبيض بأن القدس هى عاصمة لما أطلق عليه دولة إسرائيل، أليس يمثل ذلك خرقا مباشرا لهذا النص، وتدخلا فى شئون دول أخرى، ولن أتطرق لأى نوع من الاتفاقيات الدولية المرتبطة بتنظيم العلاقات الفلسطينية.
ولكن هل يمثل ترامب ــ الرئيس الأمريكى الحالى ــ الشرطى الأوحد فى الكيان الدولى، على الرغم مما أثاره قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإن تاريخ هذا القانون يعود إلى 22 عاما، والجديد هذه المرة هو أن ترامب قد وقع عليه رسميا ليصبح نافذا.
فقد صدق الكونجرس الأمريكى فى 23 أكتوبر 1995 على قانون يسمح بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأعطى الحرية للرئيس بالتوقيع عليه لإقراره.
وقد أعطى القانون الرئيس الأمريكى سلطة تأجيل تنفيذه لمدة 6 أشهر، وإحاطة الكونجرس بهذا التأجيل، وهو ما دأب عليه الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون منذ ذلك العام.
وعلى الرغم من أن ذلك القانون ما هو إلا قانون داخلى فى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن حدود نفاذه تمتد إلى خارج كيان الدولة ذاتها، ويضفى اعتبارا على منطقة جغرافية مغايرة للحدود الأمريكية.
فما الجدوى الحقيقية لاتفاقيات الحقوق، وما الجدوى أيضا لما تقره الاتفاقيات الدولية المنظمة لوضعية مدينة القدس، فإن هذا القرار يخالف قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1947، والقاضى بقيام دولتين (يهودية وفلسطينية) ومنح القدس وضعا قانونيا خاصا تحت وصاية الأمم المتحدة، كما يخالف القرار رقم 2253 الصادر عام 1967 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذى ينص على دعوة إسرائيل إلى إلغاء التدابير المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس، ويخالف أيضا قرار مجلس الأمن بتاريخ 25 سبتمبر 1971 الذى يقول: «يؤكد المجلس ــ بأبسط وأوضح صورة ممكنة ــ أن كل الإجراءات التشريعية والدستورية التى تتخذها إسرائيل لتغيير معالم المدينة، بما فى ذلك مصادرة الأراضى ونقل السكان، وإصدار التشريعات التى تؤدى إلى ضم الجزء المحتل من المدينة إلى إسرائيل؛ كل ذلك باطل ولا أثر له، ولا يمكن أن يغير وضع المدينة».
إذن فإن ما تدعيه أمريكا بأنها راعية لحقوق الإنسان أو من الدول الداعمة له، لا علاقة له بالواقع وهو لا يمثل سوى أقاويل عارية من الصحة، وأن ما تفعله ليس له علاقة إلا بقوتها ومصلحتها، وعلاقتها الإقليمية بالكيان الصهيونى بوصفها الابن المدلل للأم الأمريكية، والذريعة القوية لها فى الدول العربية والشرق الأوسطية.
***
ومن الزاوية الحقوقية ذاتها فإنه يجب الوقوف حدادا على ما تدعيه الدول من تطورها وتماشيها مع اتفاقيات حقوق الإنسان، أو أن سياستها سواء كانت الداخلية أو الخارجية تتفق وتلك المواثيق والعهود والاتفاقيات، وأن هذه الحقوق بما جاءت فيه من قوالب قانونية أو نصوص صريحة ليست سوى من قبيل التجمل الكاذب، وأن تسيير أمور تلك الحقوق مرتبط بالمصلحة السياسية قبل أن يكون مرتبطا بالنفاذ غير المشروط، أو غير الموجه.
وأنه على جميع الدول أن تسعى لتطوير الخطاب الحقوقى سواء كان ذلك فى مجال قانون حقوق الإنسان، أو فى القانون الدولى على حد سواء، وذلك بما لا يدع مجالا لتحكم دولة بما تملكه من قوة وتفرض إرادتها على المجتمع الدولى، وأهم ما يجب الوصول إليه تعديلا هو ما يسمى بحق النقض فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو الذى يجعل من أمر ما يصدر من قرارات معلق بمشيئة الدول الخمس الكبرى صاحبة هذا الحق، والذى يطلق عليه حق «الفيتو» وهى أمريكا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، إن التوازنات التى يتطلبها صدور القرارات فى مجلس الأمن تحت ظل الفيتو، تضعف من النزاهة والموضوعية لتلك القرارات فى محاولة لتجنب خمس فيتوهات محتملة، وأن هذا النظام للتصويت ساهم فى إضعاف ــ بل وتقويض ــ نزاهة الأمم المتحدة، وحال دون تمكنها من حل أهم النزاعات الدولية.
كل هذا بخلاف ما نراه ونسمعه يوميا عن التدخلات السافرة والخروقات الداخلية فى منظومة الحقوق داخل الدول ذاتها والتى لا يتسع لها هذا المقال، وهو ما يجعل من أمر تذكر اليوم العالمى لحقوق الإنسان سرادق عزاء كبيرا.
تم نشر هذا المقال عبر موقع جريدة الشروق الإلكترونية بتاريخ 11 ديسمبر 2017