الشاهد الرابع «الرائد بالأمن المركزى» نفي فى الجلسة أن سلاحه الخاص كان معه أصلا
أثارت شهادات الشهود فى جلسة محاكمة مبارك والعادلى وقيادات الداخلية فى قضية «قتل المتظاهرين» التى انعقدت الإثنين الماضى غضب كثيرين، واعتبروا أن هناك اتجاها لتبرئة بعض المتهمين، وأن هذه الشهادات بمثابة تغير دراماتيكى فى سير القضية.
غير أن الاطلاع الجيد على الملف الهائل للدعوى يظهر أنه لا يوجد وجه للاندهاش من أقوال الشهود أمام المحكمة فى جلسة الإثنين الماضى، فهى ذات الأقوال التى كان نفس الشهود قد أدلوا بها من قبل أمام النيابة العامة وتم إثباتها فى محاضر التحقيق، ومن ثم فإن اعتبار أن ما حدث فى جلسة الإثنين كان كارثة الكوارث ليس اعتبارا فى محله، وهو ما يدركه كل من قرأ أوراق القضية بشكل جيد، وتعرف على سير التحقيقات والمنهج الذى اتبعته النيابة.
فكل ما قاله الشهود بجلسة أمس، سبق أن أدلوا به أمام النيابة، ولا يوجد تغيير جوهرى فى أقوالهم، فضلا عن أن القاضى قرر عدة مرات فى الجلسة أنه يعتد بأقوال الشهود الواردة فى محاضر تحقيقات النيابة العامة.
ولكن هذا لا يعنى تبرئة ساحة النيابة العامة وإعفاءها من الانتقاد. فقد أماطت جلسة الإثنين اللثام عن عديد من أوجه القصور فى عمل النيابة العامة، فهى لم تتوخ توجيه أسئلة أكثر احترافية للشهود للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات ذات الصلة، التى يمكن بموجبها رسم صورة جنائية كاملة عن المشهد، فضلا عن أوجه القصور الأخرى التى تمثلت فى قيام النيابة بالمعاينة، والبدء فى التحقيقات فى الخامس من مارس الماضى أى بعد نحو 50 يوما من اندلاع الأحداث، دون أن تحرك ساكنا واحدا إزاء عمليات قتل واستهداف المتظاهرين فى التحرير فى أثناء الثورة. ماذا كان النائب العام ووكلاؤه يفعلون بينما كنا جميعا فى الميادين نتظاهر لإسقاط مبارك؟
ويضاف إلى ذلك أن عددا من الضباط المتورطين فى أحداث قتل المتظاهرين ظلوا فى أماكنهم دون تغيير أو إيقاف مؤقت عن العمل طيلة التحقيقات، الأمر الذى أتاح المجال للتلاعب فى الأدلة وترتيب الشهادات وترهيب مواطنين كانوا شهودا رئيسيين على الأحداث.
وإلى جانب العناصر السابقة فإن قراءة ملف الدعوى يظهر أيضا إضاعة عديد من الأدلة المهمة والحاسمة فى موضوع القضية، مثل إتلاف جميع التسجيلات خلال فترة الأحداث من 25 يناير إلى أول فبراير (حيث كان العادلى وزيرا للداخلية) مثلما حدث لجهاز التسجيل بالمتحف المصرى، الذى يسجل ما تلتقطه الكاميرات المثبتة به، التى تراقب المنطقة، وكذلك جهاز الاتصالات بغرفة عمليات الأمن المركزى.
كل هذه العوامل تسببت فى قصور واضح فى تحقيقات النيابة، الأمر الذى أدى بنا فى نهاية المطاف إلى تحقيقات لا يدين فيها ضابط واحد نفسه أو أيا من قياداته. فحين ينفى الضابط عن قيادته المباشرة إصدار أوامر بعينها، فهو لا يحمى قيادته فقط بمقدار ما يحمى نفسه أيضا، حيث تقع المسؤولية بموجب التسلسل القيادى عليه هو الآخر!
لدرجة أن الشاهد الرابع الرائد محمود جلال بالأمن المركزى نفى فى الجلسة أن سلاحه الخاص كان معه أصلا وقت الاشتباكات التى اندلعت! ما يخالف البديهيات العقلية أساسا، فهل يعقل أن يتحرك ضابط أمن مركزى لموقع اشتباكات مشتعل دون أن يصطحب حتى سلاحه الشخصى؟
وحتى من قال من الضباط فى أثناء التحقيقات إنه وصل إلى سمعه صدور تعليمات باستخدام السلاح الآلى، فلأنه فى موقع بعيد عن نقل التعليمات مباشرة أو استخدام السلاح، أى بعيد عن مواقع الأحداث التى تشكل عناصر الجريمة، مما يعنى أن كل شاهد كان يحافظ على سلامته الشخصية، ويسعى إلى تبرئة نفسه ولو استدعى ذلك تبرئة كل الآخرين.
ومن ثم فإن ما شهدته جلسة الأحد ليس سوى حصاد مر لكل ثغرات عمل النيابة العامة، ولا داعى للدهشة بالمرة!.
* نشر هذ المقال في جريدة التحرير 7 سبتمبر 2011.