قبل استقالة مبارك
خرجنا كمواطنين مصريين وكمدافعين عن حقوق الإنسان مثل غيرنا إلى شوارع القاهرة وميدان التحرير منذ 25 يناير وحتى اليوم للمطالبة بالكرامة والحرية لكل المصريين. وبالتالي فلا شئ يفوق رغبتنا في الإنهاء الفوري لحقبة مبارك بكل ما شابها من أعمال القمع والانتهاكات وغياب العدل. وقد أثلج صدورنا تحول المجتمع الدولي عن مجرد المطالبة بـ"ضبط النفس" و"الاستماع للمظالم" إلى تأييد مطلبنا بتنحي مبارك والانتقال الفوري نحو الديمقراطية.
غير أنه من أجل بدء تحول حقيقي نحو الديمقراطية فإننا نؤكد أنه يجب ألا يتنحى مبارك قبل أن يوقع قرارات لا يمكن لغيره حسب الدستور المصري أن يصدرها. والأفكار التي يقدمها هذا المقال ليست مجرد تعقيدات إجرائية قانونية كما قد تبدو لأول وهلة، وإنما هي في رأينا طريق الخروج الوحيدة لوطننا من أزمته الحالية.
إن الدستور المصري ينص على أن يحل رئيس مجلس الشعب محل الرئيس في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو "خلو" منصبه بشكل دائم، وفي حالة غياب البرلمان يحل رئيس المحكمة الدستورية العليا محل الرئيس. أما في حالة عجز الرئيس مؤقتا عن أداء مهامه فيحل محله نائب الرئيس كرئيس مؤقت للبلاد. وفي الحالتين ينص الدستور على ضرورة انتخاب رئيس جديد للبلاد خلال ستين يوم. أما النقطة الأهم فهي أن الدستور يمنع الرئيس المؤقت من طلب تعديلات دستورية أو حل البرلمان أو إقالة الحكومة.
وبالتالي فإن غياب مبارك اليوم عن أداء دوره كرئيس للبلاد سوف يعني أن الرئيس المؤقت سيكون أحد شخصين: عمر سليمان أو فتحي سرور. فإذا قرر مبارك أن يغادر البلاد، "لأسباب صحية" مثلا، سيكون الرئيس المؤقت هو عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات السابق الذي تم تعيينه مؤخرا نائبا للرئيس. وتجدر الإشارة هنا أن كثيراً من المصريين، وتحديدا من يطالبون مثلنا بإنهاء حقبة مبارك بعقودها الثلاثة السابقة لا يرون في سليمان غير (مبارك الثاني)، خاصة بعد المقابلة المطولة التي أجراها مع التلفزيون الحكومي في الثالث من فبراير واتهم فيها المتظاهرين في ميدان التحرير بتنفيذ أجندات أجنبية، ولم يكلف نفسه حتى عناء تلطيف تهديداته بالانتقام من المتظاهرين.
ومن ناحية أخرى، فإن استطعنا دفع مبارك إلى الاستقالة الفورية، فإننا سنواجه البديل الأسوأ: فتحي سرور الذي يرأس مجلس الشعب منذ عام 1990. ولا حاجة هنا للتذكير بتاريخ سرور الطويل في توظيف خبراته القانونية للحفاظ على ترسانة القوانين الجائرة التي استخدمها نظام مبارك ضد الشعب المصري بل وإضافاته البارزة إليها.
وما دام أي من سليمان وسرور لن يتمكن من تعديل الدستور خلال الولاية الانتقالية ذات الأيام الستين، فسوف تجرى الانتخابات الرئاسية وفقا للقيود الانتخابية سيئة السمعة التي استحدثها مبارك في عام 2007 في المادة 76 من الدستور، وهو ما سيضمن بشكل مؤكد عدم قدرة أي مرشح ذي مصداقية على خوض الانتخابات في مواجهة الرئيس المؤقت.
ولذلك فإن علينا أن نصمم على أن يقوم مبارك قبل أن يستقيل بالتوقيع الفوري على قرار جمهوري بتفويض نائبه في أداء كافة سلطاته، وذلك على شاكلة القرارين المشابهين الذين سبق وأن أصدرهما مبارك بتفويض سلطاته إلى رئيس الوزراء عندما سافر للعلاج في عامي 2004 و 2010. كما يجب على مبارك أن يصدر قرارا فوريا بإنهاء حالة الطوارئ التي أتاحت له قمع الحريات المدنية للمصريين منذ عام 1981، وأن يأمر بإطلاق سراح المعتقلين بقرارات إدارية دون اتهام، والذين تقدر أعدادهم بالآلاف، أو بتقديمهم للمحاكمة العادلة.
ويجب أيضا قبل أن يستقيل مبارك أن تتشكل لجنة مستقلة من القضاة الذين يحظون بالاحترام ومن فقهاء القانون الدستوري وممثلي المجتمع المدني وكل الحركات السياسية لصياغة تعديلات دستورية تضمن إتاحة المجال أمام كافة المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية، وكفالة حق المصريين في الخارج – لأول مرة – في الإدلاء بأصواتهم، ولا تسمح للرئيس المنتخب بالبقاء في منصبه لأكثر من فترتين رئاسيتين، وتخضع العملية الانتخابية برمتها لإشراف قضائي كامل تحت رقابة المجتمع المدني. ومعظم هذه الإجراءات لن يعدو كونه إصلاحا لما أفسده مبارك بتعديلاته الدستورية عام 2007.
ويجب أن تعرض هذه التعديلات على الفور على البرلمان قبل طرحها للاستفتاء العام دون إبطاء، فاحتجاج عمر سليمان بأن الوقت المتاح ضيق هو زعم غير صادق ولا أساس له، فمنذ أربع سنوات قام مبارك وحزبه الحاكم بتعديل 34 مادة في الدستور في شهرين فقط! ويتعين بعد إقرار هذه التعديلات أن يقوم مبارك فورا بتقديم استقالته والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.
ويجب كذلك تعيين حكومة مؤقتة وموسعة تقوم بخدمة الشعب لحين انتخاب رئيس للبلاد، والأهم من ذلك أن تقوم هذه الحكومة بممارسة الإشراف والرقابة على الرئيس الانتقالي. ويجب أن تضم هذه الحكومة الموسعة ممثلين يتمتعون بالاحترام لكافة القوى السياسية المصرية. وبمجرد انتخاب رئيس جديد، يمكننا المضي قدما نحو صياغة دستور جديد يضمن تحول مصر من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ويكرس المساواة الكاملة وحقوق الإنسان. ويأتي بعد ذلك الدور لانتخابات برلمانية حرة ونزيهة.
تبقى ثلاثة عوامل إضافية لا غنى عنها من أجل نجاح هذه العملية الانتقالية: أولا، ضمان الإشراف المدني على الشرطة وقوات الأمن ما من شأنه أن يردع الانتهاكات ويضمن محاسبة المنتهكين ويساعد على ضمان سلامة كل من شاركوا في انتفاضتنا الديمقراطية. ثانيا، تشكيل مجلس مستقل للأمناء لاتحاد الإذاعة والتلفزيون الحكومي بما يضمن الالتزام بالحياد وتقديم كافة الآراء السياسية. وأخيرا وهو الأهم فإن هناك ضرورة حيوية للالتزام القوي من قبل الجيش بالعمل كضامن محايد للعملية الانتقالية وخدمة مصالح الشعب وليس مصالح نظام منزوع الشرعية.
لقد دفع المصريون ثمنا باهظا خلال العقود الثلاثة الماضية، ودفعوا ثمنا أفدح منذ بدأت ثورتنا الحالية، وهو ما يحتم علينا أن ننهي حقبة مبارك بطريقة صحيحة حتى يمكننا البدء في بناء مستقبل أفضل.
حسام بهجت وسهى عبد العاطي*
نشر هذ المقال في الواشنطن بوست في 5 فبراير 2011
*المدير التنفيذي والمدير المساعد للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية