عن زيارتي الأولى لقطاع الأمن الوطني (أمن الدولة مدينة نصر سابقا؟)
أثناء توجهي إلى المقر الرئيسي لجهاز أمن الدولة المنحل في صباح يوم 15 يونيو لم أكن أعلم من سأقابل ومن غيري سيكون من الحاضرين للاجتماع الذي دعيت إليه. وعندما دخلت إلى المقر الشاسع علمت أن الحدث هو (منتدى الأمن الوطني وآفاق المستقبل) وأنه سيكون عبارة عن مائدة مستديرة يتقدم فيها عدد من الحقوقيين والإعلاميين وأعضاء الحركات السياسية بمقترحاتهم وأسئلتهم بشأن قطاع الأمن الوطني الجديد.
شعرت باطمئنان نسبي حين رأيت بعض الوجوه المألوفة لزملاء صحفيين ونشطاء. عندما وصلنا تسلم كل واحد منا بطاقة بلاستيكية لتعليقها من الرقبة تحمل الشعار الجديد للقطاع وعنوان المنتدى، ومعها حافظة جلدية فخمة مكتوب عليها (وزارة الداخلية- قطاع الأمن الوطني) بداخلها أجندة 2011 ومفكرة وقلم جميعهم يحملون اسم وشعار القطاع. لم تكن هناك أي أوراق أو وثائق للمنتدى باستثناء جدول أعمال مختصر ومطوية مصقولة تحوي رسالة القطاع وأهدافه ومدونة السلوك الجديدة الخاصة بضباطه. يمكن الاطلاع على مدونتا السلوك والأخلاق للعاملين بقطاع الأمن الوطني بالضغط هنا.
بدأ الاجتماع في حوالي الثانية عشرة ظهرا واستمر قرابة أربع ساعات وأداره باقتدار وأدب جم لواء شاب يدعى (عمر الأعصر) يبدو أنه من قطاع العلاقات العامة. تحدث في البداية اللواء حامد عبد الله رئيس قطاع الأمن الوطني في كلمة مقتضبة حول القطاع الجديد أصر فيها على أن القطاع ليس إصلاحا لجهاز أمن الدولة وإنما هو "أحدث قطاعات وزارة الداخلية" وهو قطاع جديد يبدأ عمله بفلسفة جديدة وضباط وعاملين أغلبهم جدد.
أعجبني في كلمته أنه استخدم تعبير "الفساد المؤسسي" في وصف جهاز أمن الدولة وكذلك اعترف بأن الجهاز كان يعمل باستقلال شبه كامل عن وزارة الداخلية وبشكل يضعه فوق الوزارة وأنه رغم أنه قضى عمره بأكمله في الوزارة إلا أن الجهاز كان بالنسبة له صندوقا أسود مغلقا لا أحد يعلم ما يجري بداخله.
بمجرد دخولنا إلى قاعة الاجتماع كنت قد لاحظت أن شبكة المحمول غير متاحة وكذلك شبكة الإنترنت. في المقعد المجاور لي جلس مدير إدارة العلاقات العامة وكان يتلقى المكالمات على هاتفه طوال الاجتماع دون أي مشاكل. عايزين من التليفونات دي.
لاحظت أيضاً أن رئيس القطاع اللواء حامد عبد الله كان الوحيد الذي لم يتوقف عن التدخين طول الاجتماع بينما التزم الجميع بعدم التدخين رغم وجود طفايات أمامهم. كنت سأذكر أن التدخين في مبنى حكومي مخالف للقانون ولابد من احترام سيادة القانون والكلام ده لكني قررت التزام الصمت حرصا على جو المودة واكتفيت بمضغ لبان التبغ طول الاجتماع لأستطيع التركيز بدلا من أن اضطر للخروج كل فترة للتدخين خارج القاعة كما كان يفعل يسري فودة.
بعدها شاهدنا عرضا على شاشة حول القطاع الجديد وفلسفته وهيكله الإداري وآليات الرقابة على أدائه. عندما جاءتني الفرصة للحديث طلبت نسخة من العرض فجاءني خلال دقائق أحد ضباط العلاقات العامة وأعطاني سي دي عليه العرض بالكامل. بجد حصل كده. بقى عندنا سي دي للأمن الوطني. يمكن الاطلاع على العرض بالكامل بالضغط هنا.
قدم العرض أكثر من ضابط لكن النجم كان العقيد آسر نجم الدين مسئول إدارة التدريب. بلاغة وثقافة واضحة ومصطلحات انجليزية وشكله ينفع أقرب لطبيب أطفال من ضابط أمن دولة. قصدي أمن وطني. كان بملابس مدنية مثل جميع زملائه وبالمناسبة لم أشاهد أي أحد بملابس الشرطة داخل المبنى. أغلب الضباط على جباههم زبيب بارز.
بعد أن انتهى العرض قام اللواء رئيس القطاع بتقديم أعضاء الفريق المسئول عن التخطيط للقطاع الجديد: العقيد أسامة إبراهيم مدير مكتب رئيس القطاع، والعقيد طارق الجيار مسئول التفتيش، والعقيد هشام عبده مسئول النشاط الدولي، والعقيد هشام عبد الحميد مسئول المتابعة والاتصال بالمنظمات الدولية والمجتمع المدني، والعقيد آسر نجم الدين وشابين صغيرين لم أتمكن من تدوين اسميهما. كان كل ضابط يسمع اسمه يقوم برفع يده لكي يتعرف عليه الحضور. بعدها نظر اللواء حامد إلى يسري فودة وقال له "عشان مرة حد من عندنا اتصل ببرنامجك وانت قلت يا ترى ده اسمه الحقيقي ولا لأ. احنا ما بقاش عندنا ضباط بتستخدم أسماء مستعارة لأننا لا نقوم بنشاط سري."
أثناء المداخلات اللواء حامد رئيس القطاع ذكر بعض المعلومات الهامة:
o عندما تولى مسئولية القطاع الجديد كان عدد ضباط أمن الدولة 1350 ضابط على مستوى الجمهورية. أما العدد الإجمالي بعد ضم العاملين المدنيين والأفراد فهو 7000 فرد يعملون في القطاع.
o كان أمن الدولة يعمل به 33 ضابطا برتبة لواء. قرر اللواء حامد أن يستغني (بالمعاش أو النقل) عن 25 منهم وتبقى 8 ما زالت ملفاتهم تدرس.
o اكتشف اللواء حامد أن التعيين في أمن الدولة كان يتم بالواسطة أو بالاختيار من خلال العلاقات. فقام بإصدار كتاب دوري لجميع إدارات وزارة الداخلية تدعو للتقدم بالعمل في قطاع الأمن الوطني الجديد من رتبة نقيب إلى عقيد لتجديد الدماء. تقدم للعمل ألف ضابط وهو ما فاجأ اللواء الذي ظن أن العدد سيكون أكبر بكثير.
o قرر اللواء حامد إلغاء خدمة الرقم الخاص من تليفونات أمن الدولة لأن الضابط يجب أن يتصل من رقم معروف ويقوم بتعريف نفسه.
o تسلم القطاع الجديد مقرات أمن الدولة في يوم 2 مايو الماضي ومازال العمل جارياً في بعضها لإصلاح التلفيات.
أتيحت الفرصة للجميع للمداخلات والأسئلة. أغلب المداخلات تركزت على ضمانات عدم استمرار ممارسات معينة دأب عليها جهاز أمن الدولة ولم أسجلها تفصيلا. المتدخلون: ممدوح حسن رئيس قسم الحوادث في جريدة الشروق، نادية أبو المجد من قناة الجزيرة الإنجليزية، د. أسامة حسنين عبيد من كلية الحقوق، اللواء سامح سيف اليزل من مركز الجمهورية للدراسات الأمنية، بهي الدين حسن من مركز القاهرة، حسام بهجت من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أحمد ماهر وإنجي ومحمد عادل من حركة شباب 6 إبريل، نجيب جبرائيل المحامي، المستشار محمود الخضيري، محمد طوسون من الإخوان المسلمين ونقابة المحامين، صلاح قبضايا من جريدة الأحرار، جمال حسين نائب رئيس تحرير الأخبار، محمد أمين من المصري اليوم، ويسري فودة من ONTV.
ردود الضباط تضمنت بعض التوضيحات:
o جميع ضباط أمن الدولة الذين سيستمر عملهم في القطاع الجديد (ممن لم تثبت في حقه مخالفات في الماضي) تلقى تدريبا متخصصاً على (تفريغ ضغوط ما بعد الأزمة).
o تم استحداث إدارة للشئون الداخلية لتقوم بمراقبة أداء ضباط الأمن الوطني والتزامهم بالقانون ومدونة السلوك وتم رفع درجتها لتتبع مكتب رئيس القطاع مباشرة.
o سيتضمن القانون الجديد الذي سيصدر لتنظيم عمل القطاع آلية رقابية ملزمة بها عناصر من القضاء لمراقبة عمل القطاع.
o بالنسبة للضباط الجدد الذين سينضمون للقطاع من رتبة نقيب إلى عقيد سيخضعون لدورة تدريب تأهيلي induction training لمدة ستة أشهر بنظام الإقامة الداخلية.
o اكتشف رئيس القطاع أن جميع ضباط أمن الدولة (الـ 1350) لم يكن من بينهم قبطي واحد. في الإعلان الجديد تقدم 18 ضابط قبطي من ضمن ألف متقدم وسيراعى اختيار ضباط أقباط في الأمن الوطني. لأول مرة!
o طبعا جميع ضباط أمن الدولة لم يكن من بينهم ضابطة واحدة. يتم الآن دراسة ضم ضابطات للقطاع لكن رئيس القطاع يبدو ما زال مترددا بدعوى عدم التأكد من مناسبة طبيعة العمل للنساء!
o رداً على سؤالي قال رئيس القطاع أن ضباط الأمن الوطني لن يكون من حقهم استدعاء أشخاص للحضور لمقر القطاع كما كان يحدث مع أمن الدولة. وأن القطاع لن يسمح له بالاحتفاظ بأي أماكن احتجاز رسمية أو غير رسمية لأنه جهاز جمع معلومات فقط. (أفلح إن صدق)
o في إطار الإجابة عن نفس السؤال تباهي رئيس القطاع بكيفية التعامل مع عادل الجزار السجين السابق في جوانتانامو الذي عاد إلى مصر هذا الأسبوع واستقبله ضباط الأمن الوطني واصطحبوه مباشرة إلى نيابة أمن الدولة التي حققت معه وقررت حبسه 15 يوما دون أن يقوم الأمن الوطني باحتجازه.
o قطاع الأمن الوطني لم يستخدم سلطات قانون الطوارئ على الإطلاق (حتى الآن!) ولا نية لاستخدامها. اللواء حامد عبد الله قال نحن لا نحتاج لسلطات الطوارئ بل وحتى لا نحتاج إلى قانون جديد للإرهاب بعد رفع حالة الطوارئ لأن قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية بهما ما يكفي لمواجهة الإرهاب. افتكروها في المستقبل.
o تعهد الضباط بأن مشروع قانون تنظيم قطاع الأمن الوطني سيطرح للحوار المجتمعي قبل أن يصدر عن المجلس العسكري.
o في مشروع القانون الجديد سيتم إخضاع كافة قرارات الجهاز لرقابة مجلس الدولة باعتبارها قرارات إدارية. أما إجراءات الضبط القضائي فستخضع لرقابة النائب العام.
o سيتضمن مشروع القانون جزاءات وعقوبات على الضباط المخالفين إضافة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الشرطة لضمان الرقابة.
o القطاع يتفاوض الآن مع عدد من الجهات المانحة لتمويل دورات التدريب والتأهيل خاصة في مجال حقوق الإنسان. تم الانتهاء من التفاوض مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومازالت المفاوضات جارية مع مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة. كما تجري الآن مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لتمويل دورات تدريبية داخل القطاع وإرسال ضباط القطاع لدول أوروبية للتدرب هناك. "ونرحب بالتعاون مع كافة المنظمات المصرية العاملة في حقوق الإنسان في مجال التدريب\."
في حوالي الساعة الثالثة والنصف انضم للاجتماع اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية الذي دار حول الطاولة لمصافحة الحاضرين فرداً فرداً ثم ألقى كلمة للترحيب بالحضور كان أكثر ما لفت نظري فيها أنه قال "منذ عام 1952 لم يقم أي مجلس نيابي بدوره في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية وخاصة وزارة الداخلية ونتمنى تلافي ذلك في المستقبل." وأضاف الوزير أيضا أن ملفات جميع العاملين بقطاع الأمن الوطني حتى المستجدين منهم تتم دراستها حتى يوم 16 يوليو وبعدها سيتخذ القرار بشأن المجموعة النهائية التي سيتم الإبقاء عليها عندما يبدأ القطاع نشاطه بالكامل، وبعد ذلك سيتم ضم دفعة جديدة برتبتي ملازم ورائد لتجديد الدماء.
o الوزير قرر تشكيل لجنة لدراسة كافة ملفات الوزارة (منذ عام 1857!) وكل ما يتعلق منها بالماضي ولا يحتوي على أسرار سيتم إيداعه في دار الوثائق القومية وإتاحته لاطلاع المواطنين. وستبدأ اللجنة عملها في الشهر القادم.
o لن يتم التنصت على أي هاتف إلا بإذن قضائي وبموجب القانون.
o سيشترط للعاملين بوظيفة الضبط القضائي في القطاع الجديد الحصول على درجة الماجستير على أن تتضمن دبلومة في القانون الجنائي خلال فترة زمنية معينة أو لدى بلوغ سن معين وإلا تم نقل الضابط لوظيفة أخرى داخل القطاع دون صلاحيات الضبط القضائي.
كل الكلام كان إيجابيا ومشجعا وكل الضباط كانوا أشبه بالملائكة وكل طلباتنا تلقت وعودا بالاستجابة لها. جميعا أشياء تبعث على الأمل والريبة في وقت واحد.
الخلاصة: هنشوف.