المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: التهجير القسري لأقباط رفح ليس حادثا منفردا على الدولة أن تحمي المواطنين في بيوتهم بدلا من المشاركة في تهجيرهم
بيان صحفي
انتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم أداء أجهزة الدولة المختلفة في التعامل مع وقائع التهجير القسري لمواطنين أقباط مقيمين برفح، وذلك يوم الخميس 27 سبتمبر على إثر هجوم ضد ممتلكاتهم شنته مجموعة من الأفراد لا تزال هويتهم مجهولة.
وقال إسحق إبراهيم مسئول ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية: " هذا الحادث هو حلقة في سلسلة من الاعتداء على حياة وممتلكات المواطنين المسيحيين ثم تهجيرهم قسريا برعاية الدولة والمسئولين بدلا من تطبيق القانون وتعويض الضحايا. لا يمكن النظر لهذه الحادثة بمعزل عن حوادث العامرية في مايو 2012 ودهشور في أغسطس 2012، و حوادث عديدة أخرى تم فيها تهجير مصريين."
وأعربت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن دهشتها من تصريحات الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء التي نفى خلالها وجود عمليات تهجير قسري مشيراً إلى أن الأقباط هم من ارتأوا الانتقال إلى منطقة أخرى وأن لهم الحرية شأن أي مواطن مصري. كما انتقدت المبادرة المصرية تباطؤ مؤسسة الرئاسة في التعامل مع الأزمة والانتظار لحين صدور بيان من قائم مقام البطريرك، وحملت الرئيس محمد مرسي مسئولية التحرك العاجل لوضع حلول ناجعة لهذه الظاهرة التى تكررت خلال الفترة الماضية، ووضع الآليات التى تكفل معاقبة المتورطين في جرائم الاعتداء على الأقباط وتهجيرهم.
و تابع اسحق: "على النيابة الآن أن تتحرك لتقديم الجناة إلى العدالة، وعلى محافظ شمال سيناء حماية مواطنينا في بيوتهم وتعويضهم عما أصابهم بدلا من أن يعرض نقل محل وظائفهم إلى مكان آخر."
وحذرت المبادرة المصرية من خطورة التقسيم الجغرافي الطائفي، وإقامة جيتوهات على أساس ديني، وتأصيل مناخ داعم للكراهية والتمييز الديني، مؤكدة على حق كل مواطن مصري في الإقامة والعمل في كل شبر في مصر.
خلفية
في 15 سبتمبر 2012، قام شخص ملثم يقود دراجة بخارية بترك منشورات مكتوبة بخط اليد لدى ثلاثة محال تجارية، يملكها أقباط بمدينة رفح، وهم: جمال عياد وممدوح نصيف ومجدي مشرقي. وكان المنشور عبارة عن ورقة كراسة مكتوب عليها بخط اليد وبها أخطاء إملائية، ونصه: "أيها النصارى أرحلوا من هنا، أمامكم 48 ساعة، قد أعذر من أنذر، ولا تلومن الا أنفسكم."
وعلى إثر ذلك، قام أفراد في رفح وقادة دينيون مسيحيون بمحافظة شمال سيناء بإبلاغ القيادات الأمنية العسكرية والشرطية وتم تسليم المنشورات لهم، ورفضت الأجهزة الأمنية تحرير محضر بذلك، وقللت من خطورة مضمون التحذيرات المكتوبة في المنشورات.
وفي مساء الثلاثاء 25 سبتمبر 2012، أطلق ملثمان يقودان دراجة نارية أعيرة نارية على محل تجاري يملكه ممدوح نصيف مما أدى لتهشم الواجهة الأمامية للمحل وإتلاف محتوياته، بينما لم يصب صاحب المحل حيث هرب واختبأ بمقهى مجاور. وفي اليوم التالي، توجه وفد من الأهالي المسيحيين لمكتب محافظ شمال سيناء، والتقوا سكرتير عام المحافظة الذي طالبهم بمغادرة رفح قائلا إن كل ما يستطيع عمله هو إصدار قرارات ندب للموظفين الأقباط للعمل بالعريش بدلا من رفح. وعندما اشتكى الأهالي من عدم وجود سكن لهم وأن نفقات المعيشة في العريش أغلى من رفح أجابهم: "شوفوا الكنيسة يمكن تساعدكم". كما طلب من أهالي رفح البقاء بمنازلهم وعدم الخروج منها أو الذهاب للعمل لحين إنهاء اجراءات الندب وووعد بأنه سوف يحتسب ذلك أيام عمل عادية. وقد بدأت تسع أسر — من إجمالي يقدر نحو خمس عشرة أسرة — في الترتيب لمغادرة مدينة رفح وعلقت لافتات على منازلهم مكتوب عليها "للبيع"، بينما ظلت باقي الأسر في رفح، إلا أنهم لا يخرجون من منازلهم ولا يذهبون إلى عملهم.
جدير بالذكر أنه بدءا من 29 يناير 2011 ولعدة أيام متتالية، تعرضت كنيسة مار جرجس والعائلة المقدسة، وهي كنيسة مرخصة افتتحت في رفح عام 1996، لاعتداءات مسلحة، وعمليات نهب وسرقة وحرق، حيث قامت مجموعة من الملثمين يحملون أسلحة نارية آلية، في الرابعة عصرا بتهديد معلّم الكنيسة بالسلاح، ثم سرقوا محتوياتها. وانضمت لهم أثناء ذلك مجموعة كبيرة من الأشخاص يبلغ عددهم قرابة المائتين هبطوا من سيارات كانت تُقلّهم، وحطموا كشافات الإنارة وزجاج الكنيسة، ثم اقتحموا الكنيسة وهدموا الصليب الموجود أعلى القبة، وسرقوا المقاعد الخشبية والأبواب الداخلية.
وفي اليوم التالي، جاءت مجموعة أخرى من الملثّمين، وسرقوا البوابة الحديدية الرئيسية، ثم أشعلوا النيران في الكنيسة. وفي اليوم الثالث، خلعت مجموعات من الناس الرخام من الأرضيات والسلالم، وحاولوا هدم القبة وتركوا الكنيسة وهي هيكل خرساني.
وأفاد بعض شهود العيان للمبادرة المصرية بأن كاهن الكنيسة توجه فور وقوع الأحداث إلى مديرية أمن شمال سيناء وحاول تقديم بلاغ رسمي بما حدث، وطالب بقوات أمن لحماية ما تبقّى من الكنيسة، لكن المسئولين الأمنيين رفضوا تحرير محضر بواقعة الاعتداء على الكنيسة، قائلين إن المديرية وأقسام الشرطة مهددة في أية لحظة بقدوم الملثمين والهجوم عليها، وبالتالي فلا مجال للإبلاغ عن مثل هذه الاعتداءات. توجه على إثر ذلك كاهن الكنيسة إلى مقر المخابرات العامة طالبا الحماية، فظهرت مدرعات تابعة للجيش أمام بقايا الكنيسة بعد وقوع الاعتداءات بعشرة أيام ثم رحلت بعد فترة. وقد تقدم الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء بعدة طلبات للمسئولين بالمحافظة لإعادة ترميم وتجديد الكنيسة والصلاة فيها، إلا أن طلباته ووجهت بالرفض بحجة ضعف الوجود الأمني.
جدير بالذكر أن الأمن لم يلق القبض على أي متهم في الأحداث، ولم تصرف أية تعويضات من قبل الدولة للكنيسة حتى الآن.
وأفاد عدد من الأهالي بأنه خلال الفترة منذ الاعتداء على الكنيسة وحتى الأحداث الأخيرة وقعت مضايقات متفرقة لبعض السيدات المسيحيات في الشوارع ولتلاميذ المدارس.
وقد نفى مسئولو المحافظة وقوع تهجير لأقباط رفح بحجة أن الأهالي تركوا منازلهم خوفا على حياتهم، وهو ما أدى لصدور بيان من الأنبا باخوميوس قائم مقام البطريرك مساء الجمعة الماضي أكد من خلاله حدوث تهجير قسري لمسيحيين وقال: "تلقينا بأسف شديد تكرار حوادث تهجير الأقباط من بيوتهم ومحافظاتهم قسرا تارة وبتهديد تارة اخرى اذ بدأت بواقعة التهجير في منطقة العامرية ثم امتدت إلى منطقة دهشور واليوم يتم بألم شديد بث الرعب والتهديد في نفوس أبنائنا الأقباط في رفح لتهجيرهم من اماكنهم. وعلى الرغم من أن وسائل الاعلام نشرت عن هذه التجاوزات منذ أكثر من شهر إلا أن الأجهزة المسئولة لم تتخذ الاجراءات اللازمة نحو ما نشر ولم يتم توفير الأمن اللازم لهذه الأسر المصرية التي لها الحق أن تعيش في بيوتها آمنة." وطالب القائم مقام البطريرك الأجهزة المسئولة بـ"التصدي لهذه التصرفات التي تحاول إهدار سلطة الدولة وإظهارها بما لا يليق نحو عدم قدرتها على حماية أبنائها" وبضرورة توفير الأمن لكافة المواطنين.
هذا وقد انتقلت قوة من الشرطة العسكرية والشرطة المدنية إلى رفح الجمعة الماضية وجالت في دوريات متنقلة بالمدينة وطلبت من الأهالي المسيحيين البقاء في رفح.
ودخلت رئاسة الجمهورية على خط الأزمة أمس السبت، حيث قال ياسر علي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة في تصريحات صحفية إن الرئيس أمر بتوفير أكبر قدر من الحماية في سيناء، وطالب بعودة الأسر في أقرب وقت مشيرا إلى أن مؤسسة الرئاسة لا تقبل بهذا الوضع لأي مواطن مصري. وأكد علي أيضا أن الأقباط مواطنين لهم الحق الكامل في البقاء في منازلهم وتوفير الحماية الكاملة لهم، مشددا على أن المحافظ وكافة الأجهزة الأمنية لا يقبلون بتهجيرهم ويعملون على إعادة تلك الأسر بأسرع ما يمكن لديارها.