تعديلات قوانين الضرائب وتأجيل تنفيذها: الأسوأ لم يأت بعد...تعليق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حول قرارات رئيس الجمهورية الاقتصادية
بيان صحفي
في خضم أزمة الإعلان الدستوري (الأول) أصدر الرئيس محمد مرسي عدداً من القرارات الجمهورية بقوانين ذات أثر اقتصادي كان أولها القانون رقم 100 لسنة 2012 برفع سعر توريد المازوت لمحطات الكهرباء من 1000 إلى 2300 جنيه للطن، وهو ما يتكامل مع القرارات السابقة برفع أسعار الكهرباء كجزء لا يتجزأ من تخفيض دعم الطاقة. وكان الرئيس قبلها قد أصدر قراراً جمهورياً بتحرير سعر البنزين 95، وقراراً آخر بتوزيع البوتاجاز ابتداء من يناير القادم ببطاقات التموين مقابل 8 جنيهات مع رفع أسعار الأنابيب المبيعة خارج البطاقة إلى 30 جنيهاً مصرياً، وذلك لتوفير عدة مليارات على الدولة، وتخفيض بند آخر من بنود الطاقة.
وقد استكملت هذه الإجراءات بالقرارات بقوانين أرقام 101 و102 و103 و104 لسنة 2012 بتعديل قوانين الضرائب على الدخل وعلى المبيعات وعلى العقارات وضرائب الدمغة على الترتيب. وقد هدفت هذه القرارات بقوانين إلى تقديم شرائح جديدة لضريبة الدخل، كان أهمها الجمع بين الدخول السنوية بين 45 ألف جنيه ومليون جنيه في شريحة واحدة تخضع لسعر واحد، في علامة على استمرار نفس النهج النيوكلاسيكي في فرض الضرائب منذ عهد يوسف بطرس غالي، والذي يقوم على تخفيض عدد الشرائح، وإخضاعها جميعاً لأسعار متقاربة على نحو لا يجسد حقاً فكرة الضريبة التصاعدية التي تقوم بدورها على رفع سعر الضريبة مع ارتفاع الدخل السنوي.
وهدفت القرارات الأخيرة كذلك إلى زيادة ضريبة المبيعات على بعض السلع والخدمات، ولم يقتصر الأمر كما يروج الإعلام الحكومي على السلع الترفيهية والضارة بالصحة كالسجائر والمشروبات الكحولية والبيرة بل امتد إلى سلع غذائية كالزيوت بأنواعها المختلفة، وكذا الأسمدة والعلف والأسمنت المائي والمطهرات والمبيدات اللازمة للزراعة بنسب تتراوح بين 5 و25%، كما تم فرض زيادات ضريبية على خدمات النقل المكيف بالقطارات والأوتوبيسات بين المحافظات، وكذا خدمات الاتصال عبر المحمول. كذلك تمت زيادة ضرائب الدمغة على بعض التمويلات البنكية كالسلف والقروض وأشكال الائتمان الأخرى وعلى المياه والكهرباء والغاز وبعض أنواع التراخيص والتصاريح لسيارات النقل ومصانع الطوب وبعض أنشطة السياحة. هذا بالإضافة لإدخال تعديلات جوهرية على قانون الضرائب العقارية على أن تسري التعديلات من بداية السنة المالية القادمة.
ما أن خرجت هذه القرارات بقوانين بالزيادات الضريبية حتى استعر الجدل وتعالت الأصوات الرافضة لها، خاصة وأن القرارات هذه تصدر في خضم أزمة سياسية غير مسبوقة، تعد الأعمق منذ سقوط مبارك في فبراير 2011. وسارعت رئاسة الجمهورية إلى إصدار بيان لها فجر العاشر من ديسمبر يفيد بأن الرئيس قد أصدر قراراً بتأجيل تنفيذ هذه القوانين لحين عقد الحكومة لحوار مجتمعي يضمن قبول هذه الإجراءات من جانب الجمهور. فما هي دلالات صدور هذه القرارات في هذا التوقيت؟ وما هي دلالات تعليق تنفيذها؟
إن صدور قرارات برفع أسعار منتجات الطاقة، وزيادة أنواع مختلفة من الضرائب بالتزامن مع انخفاض الجنيه المصري في مقابل الدولار بما يزيد عن عشرة قروش في ثلاثة أشهر، وتوقع المزيد من الانخفاض في الأسابيع القليلة القادمة، ينم عن الأزمة المالية العميقة التي تعاني منها الدولة في مصر، والتي تعود في مجملها لأسباب هيكلية وجذرية منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي. إلا أن عامي الاضطراب السياسي العنيف اللذين لحقا بسقوط مبارك قد أحالا هذه الأزمات الهيكلية إلى أزمات ملحة وقصيرة المدى على نحو يستدعي تدخلات سريعة للدولة لعلاج الاختلال المالي الشديد سواء في عجز الموازنة الذي بلغ 170 ملياراً طبقاً للحساب الختامي للسنة المالية الماضية 2011/2012، أو للعجز في ميزان المدفوعات وتضاؤل الاحتياطيات الأجنبية إلى درجة تنذر بعدم القدرة على توفير حاجات البلاد الأساسية من واردات الطاقة. وللمتابع فإن العجز في الموازنة في الربع الأول من السنة المالية الجارية سجل 50 مليار جنيه، وإذا عمم هذا الرقم على الثلاثة أرباع المتبقية يصبح العجز المتوقع تقريباً 200 مليار جنيه، أي ما يناهز 13% من الناتج المحلي الإجمالي. وهي نسبة شديدة الارتفاع، تنذر بعدم توافر موارد مالية كافية بما يعرض الدولة لخطر الإفلاس، وينذر بارتفاع معدلات التضخم، كما يجعل من الصعب على الحكومة الوفاء بالتزاماتها إزاء صندوق النقد الدولي، والتي وردت في برنامج الحكومة المقدم للصندوق بخفض العجز في الموازنة إلى 8.5% من الناتج المحلي بنهاية السنة المالية القادمة 2013/2014.
إن تلك الأسباب مجتمعة قد جعلت من الضروري على الحكومة أن تتخذ هذه الإجراءات التقشفية بخفض الدعم وزيادة الضرائب وتخفيض الجنيه قبل أن يلتئم برلمان جديد، وحتى قبل أن يتم إقرار دستور للبلاد، وذلك بغرض استرضاء صندوق النقد الدولي، وإظهار مدى الالتزام بالبرنامج، إذ أن حكومة هشام قنديل تسعى لصرف أول دفعة من القرض البالغ مجمله 4.8 مليار دولار في يناير المقبل، وكذلك لتخفيض العجز الذي ستنوء الخزانة بتمويله كما سبقت الإشارة.
إن القرارات التي تم تعليق تنفيذها حتى حين، والقرارات برفع أسعار الطاقة التي لم يشعر بها المواطن بعد، وكذا انخفاض سعر صرف الجنيه في مواجهة الدولار ما هي إلا إرهاصات مبكرة للغاية لبرنامج الحكومة، وبرنامج الرئيس محمد مرسي، لعلاج الأزمة المالية في مصر عن طريق تحميل القاعدة الأوسع من السكان لتكاليفها من خلال تخفيض الدعم دون توافر شبكة للضمان الاجتماعي، وزيادة الضرائب غير المباشرة، وما يستدعيه هذا من معاناة شديدة للغالب الكبير من المصريين سواء من أبناء الطبقات المتوسطة أو من فقراء المدن والريف. ولا ينفصل هذا بحال عن اللجوء لصندوق النقد الدولي، وتقديم برنامج الحكومة له حتى يمكن اعتماده والالتزام به من جانب الحكومة.
بيد أن جوهر الإشكال لا يكمن فحسب في عدم عدالة هذه السياسات، وتناقضها الشديد مع روح ثورة يناير ومطالب العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، بل يكمن في اتخاذها في خضم أزمة سياسية عنيفة تسبب فيها الإعلان الدستوري، وطرح دستور خال من التوافق للاستفتاء في محاولات يائسة من جماعة الإخوان المسلمين ورئيسها لإنهاء المرحلة الانتقالية وفقاً لتصورات طرف واحد بخلاف الآخرين. إن البلاد التي تشهد إجراءات تقشفية بهذه القسوة، كما هو مخطط لها بعد الانتخابات البرلمانية بالأساس، عادة ما تعتمد على تحقيق توافق سياسي واسع على تبني هذه الخيارات، وعادة ما يتمتع الزعماء الذين يطبقون هذه السياسات بقدر من الشعبية والشرعية، وهو ما ليس متوفراً للقيادة الحالية في ظل الانقسام والاستقطاب الحادين على مستوى القواعد من المصريين، ومع تفشي العنف الأهلي على هذا النحو. واليوم يطرح الدستور غير التوافقي، والناتج عن أزمة الإعلان الدستوري، للاستفتاء ليدشن النظام السياسي الجديد على خطوط الاستقطاب والانقسام إياه. ومما لا يدعو للشك أن هذا الانقسام والصراع ذا الطابع الوجودي بين القوى السياسية المختلفة، وارتفاع توقعات عموم المصريين بحياة أفضل بعد الإطاحة بمبارك سيجعل لتطبيق الإجراءات التقشفية ثمناً باهظاً يدفعه الرئيس وجماعته وحزبه عند أول استحقاق ديمقراطي.
دكتور عمرو عادلي
مدير قسم العدالة الاقتصادية والاجتماعية