التأمين الصحي على الفلاحين في عيدهم خطوة جزئية في الاتجاه المعاكس
بيان صحفي
في خطوة مفاجئة بمناسبة احتفال الدولة باليوم السنوي للفلاحين، تم إصدار القرار الجمهوري رقم 127 لسنة 2014، لتنظيم التأمين الصحي على الفلاحين، والقانون يختص بتنظيم التأمين الصحي على الفلاحين الذين لا يتمتعون به تحت أي قانون آخر.
وقد جاء في نص القانون، أن: "الفلاح كل من يمتهن نشاط الزراعة، وتمثل الزراعة المصدر الرئيسي لدخله"، ووفقًا للقانون فسوف تتولى الهيئة العامة للتأمين الصحي تقديم خدمات العلاج والرعاية الطبية في جهات العلاج التي تحددها، داخل وخارج وحداتها للفلاحين، وفقًا لمستويات الخدمة الصحية، والقواعد التي يصدر بها قرار من وزير الصحة. ويحدد القانون مصادر تمويل تشمل التزام وزارة الزراعة بسداد الاشتراكات السنوية التي يتحملها الفلاحون بنسبة 1% من صافي الدخل، وبحدٍّ أقصى 120 جنيهًا سنويًّا للفرد، واشتراكات أخرى سنوية، تتحملها الخزانة العامة للدولة بواقع مبلغ مائتي جنيه سنويًّا للفرد.
وإذا كان التأمين الصحي على الفلاحين، يُنظر إليه باعتباره إجراءً لتحقيق الإنصاف، لشريحة طال حرمانها من الحماية الصحية، إلا أنه يمثل ـ في الوقت الحالي ـ خطوة متعجلة في اتجاه معاكس للتوجهات الإستراتيجية لإصلاح المنظومة الصحية إصلاحًا جذريًّا، وهذه الخطوة قد أعلنت عنها وزارة الصحة والسكان أخيرًا، في ورقة إستراتيجية صدرت عنها بدعمٍ من المجتمع المدني ومنظمة الصحة العالمية. كما يبدو القانون وقد فُرِّغ من جوهره، حيث تنقصه آليات واضحة للتنفيذ ويصاحبه شك حقيقي في المصادر المتوفرة لتحقيق خدمة صحية فعالة لشريحة تمثل 40% من القوة العاملة في مصر.
وفي هذا السياق، يستهدف القرار إرضاء شريحة واسعة من الفئات الأكثر احتياجًا للحماية الصحية ـ شكلياًّ ـ دون وجود آليات لتوفير الخدمة الفعلية المعلن عنها. وقد أتى القرار وكأنه امتداد لقرارات سابقة لمد مظلة التأمين الصحي في السنوات الثلاث الأخيرة لتغطية النساء المعيلات، والأطفال تحت سن المدرسة، وهي مشروعات لم توفِّر تغطية صحية حقيقية للفئات اﻷَوْلى بالرعاية، بالرغم من صدور القوانين الخاصة بها منذ سنتين، نظرًا إلى غياب آليات التنفيذ والرؤية الواضحة. ومن ثم، فمشروع التغطية الصحية للفلاحين محمل بنفس المشكلات الخاصة بالقوانين المشار إليها. وهي مشكلات فنية، إن لم يتم تداركها فسوف يؤدي ذلك إلى مجرد تغطية وهمية لشريحة هي الأكبر بين الشرائح الأهم والأكثر احتياجًا للتغطية الصحية.
كما أن القانون يسير في اتجاه معاكس لتوجهات قانون التأمين الصحي الشامل، الذي يخضع الآن لحوار مجتمعي مطوّل، ويتبنى فصل جهات تمويل الخدمة عن جهات تقديمها، ويعتمد على مظلة جديدة للتأمين على الأُسرة من خلال نموذج طب الأسرة وعلى التوسع التدريجي جغرافيًّا، بدلًا من التوسع الفئوي المقترح، الذي يؤدي إلى مزيد من التفتت وتعدد الأنظمة الصحية القائمة، وإهدار للموارد المالية، ويحرمها من بناء هياكل متكاملة تسمح ببناء صندوق تأميني تكافلي فعال لتوزيع المخاطر المالية للمرض، وتحقيق أسلوب الدعم المتبادل بين الفئات والشرائح العُمْرية والاجتماعية المختلفة، ما يضمن استدامة ملاءته المالية.
إن هذا القرار المفاجئ يثير الكثير من التساؤلات حول الآليات الواقعية لتنفيذه بما يحقق تغطية صحية فعلية للفلاحين. ومن هذه التساؤلات: أين سيتلقى الفلاحون تلك الخدمات الصحية؟ هل في وحدات ومراكز صحة الأسرة، الفقيرةِ الكوادرِ في الريف، أم في المستشفيات المركزية التي تعاني من تردي خدماتها وضعف مواردها ونقص الموارد البشرية الصحية اللازمة لتشغيلها؟ فكيف تحقق هيئة التأمين الصحي كل هذا، وهي حاليًّا تعاني في محاولتها لتحقيق التزاماتها أمام 8% فقط من المؤمِّنِين لديها؟
وتساؤل آخر : ما هو مصير نظام العلاج على نفقة الدولة الذي تُخَصَّص له موارد لعلاج الفئات المحرومة من التأمين الصحي، ولمواجهة الأمراض الكارثية والأكثر تكلفة. وما هي ضمانات اندماج مثل هذه القوانين ـ مستقبلًا ـ في القانون الجديد الشامل للتأمين الصحي، إذا كانت توجهات النظامين مختلفة؟ كما أن هناك تساؤلات عديدة تنتظر، بخصوص آليات التطبيق الفعلي مثل طريقة الالتحاق بالنظام، وطريقة تحديد أعداد الفئات المستهدَفة من الفلاحين، وطريقة جمع الاشتراكات وفتح حساب خاص ومستقل بهم في الهيئة العامة للتأمين الصحي – رغم ضرورة وجود وعاء موحد لتجميع مخاطر المرض وضمان توزيعها بكفاءة وإنصاف - وحول مسئولية تحديد وتعريف الفئات المستهدفة من القانون.
والجدير بالملاحظة أن هذا القرار الجمهوري بقانونٍ، قد تم إعداده، في وقت قصير ـ نسبيًّا ـ دون حتى أن يُعرض على لجنة قانون التأمين الصحي، ودون أن يخضع لأية مداولات، أو مناقشات بشأنه مع أطراف المجتمع الأخرى، وأنه قد تم تحصينه بدعم سياسي على أعلى مستوى على عكس مشروع قانون التأمين الصحي الشامل، الحالي.
إن كل ما سبق يعكس تحفظات وتساؤلات مشروعة، تَرْكُهَا دون إجابات سيؤدي في النهاية إلى وجود قانون، حسن النوايا ولكنه مع نواياه الحسنة يفتقد الآليات الحقيقية للتطبيق.