مزيج الطاقة لتوليد الكهرباء وباقة المنوعات
نشرت بعض الصحف أخيرًا أخبارًا عن تأجيل مشروعات توليد الكهرباء من الفحم إلى أعوام 2017-2022. شمل التأجيل مشروعات لتوليد حوالي 8 جيجاوات من الكهرباء. وذكر ضمن أسباب التأجيل وجود فائض في إنتاج الكهرباء، والحاجة إلى تدعيم شبكات النقل والتوزيع، وبالطبع زيادة التكلفة المتوقعة بعد تخفيض سعر الجنيه. وأيًّا كانت الأسباب، يمنحنا هذا التأجيل فرصة لمراجعة مزيج الطاقة لتوليد الكهرباء والفحم وإدارة ملف الطاقة بوجه عام.
تواجه مصر أزمة في الكهرباء حيث أدت مشكلات متراكمة إلى الإخلال بالتوازن بين الإنتاج والاستهلاك. فمن ناحية تناقصت كميات الوقود من الغاز والبترول، وتدهورت محطات توليد الكهرباء وتهالكت شبكات النقل والتوزيع، ومن ناحية أخرى زاد الاستهلاك بسبب الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي وانخفاض الكفاءة وغياب الترشيد ودعم الطاقة لغير المستحقين.
وفي خضم تفاقم الأزمة أخيرًا وانشغال الرأي العام بها، طرح العديد من وجهات النظر لتحليل أسبابها وسبل الخروج منها، وشاع الحديث خصوصًا عن ضرورة تعديل «مزيج الطاقة» لتوليد الكهرباء الذي يعتمد بشكل أساسي على الغاز والبترول؛ حوالي90%. وبالفعل تضمن مزيج الطاقة في «استراتيجية التنمية المستدامة 2030
كافة الأصناف: الفحم 29%، الغاز والبترول 27%، الطاقة المائية 5%، الشمس والرياح 30% والطاقة النووية 9%».
ورغم صواب فكرة مراجعة وتعديل مزيج الطاقة، فهو ليس هدفًا في حد ذاته، كما أن التعديل ليس مجرد صنع باقة منوعة من أصناف الطاقة. يعتبر اختيار مزيج الطاقة المناسب وسيلة ضمن إستراتيجية للطاقة تهدف إلى إتاحة الطاقة بسعر معقول وبشكل ثابت وغير ضار بالصحة والبيئة في بلد ما. وقد يختلف مزيج الطاقة من بلد إلى آخر، حيث تؤثر عليه عدد من العوامل الخاصة بالبلد مثل الطاقة المتوفرة لديه أو التي يسهل جلبها، والاحتياجات والتركيب الديموغرافي والظروف الاقتصادية والسياسية.
لم نجد منشورًا لاستراتيجية الطاقة في مصر، كما لم نجد أيًّا من الدراسات أو المعلومات التي أدت إلى مزيج الطاقة هذا بالتحديد، كما لم نجد أيضا خطة عمل أو جدول زمني أو التفاصيل الأخرى ذات الصلة، بل لم نجد موقعًا للمجلس الأعلى للطاقة وهو المسؤول الأول عن رسم سياسات الطاقة في مصر.
لم نجد سوى ملخص لاستراتيجية التنمية المستدامة. يقتصر هذا المقال، في حدود المعلومات المتاحة، على مناقشة اختيار الفحم ضمن مزيج الطاقة لتوليد الكهرباء، والذي نعتقد أنه يجلب من الضرر أكثر مما يجلب من المنفعة، وندعو إلى أن يتم التراجع عنه.
ذكر ضمن دوافع التعديل الوصول إلى النسب العالمية في مزيج الطاقة، وهو أمر غير مفهوم في الواقع. فالنسب العالمية التي تقيس «المتوسط«في بلدان العالم، لا تعني أن هذه النسب هي الأمثل لكل بلد لأن كل بلد لها الظروف التي تخصها. على سبيل المثال يتضمن مزيج الطاقة في الولايات المتحدة 67% وقود أحفوري، 19% نووي، 14% متجددة، بينما في فرنسا 78% نووي و6% أحفوري، و16% متجددة، وفي البرازيل الطاقات المتجددة 80% والوقود الحراري والنووي 20% فقط.
كذلك كان من الدعاوى التي روجت للفحم أنه يستخدم على نطاق كبير في العالم، وفي الواقع فإن هذا من آثار الماضي، حيث إن بداية التصنيع وتوليد الكهرباء كانت في أوروبا الغنية بالفحم، وكان من الطبيعي أن تعتمد على المتوفر لديها من الطاقة خصوصا لم تكن أضراره معروفة. وهذا ليس الوضع في مصر التي تخلو نهائيًّا من الفحم بينما لديها مصادر أخرى. كما أن استخدام الفحم في الكهرباء في تناقص مستمر بسبب ما أصبح معروفًا عن أضراره الصحية والبيئية.
من أهم الدعاوى التي حازت كثيرًا من الترويج هي رخص سعر الكهرباء من الفحم مقارنة بغيره. وفي الواقع لم نجد أيًّا من الدراسات المنشورة التي قارنت اقتصاديًّا بين تقنيات توليد الكهرباء في مصر توصي باستخدام الفحم، ووجدت بعض الدراسات أن السيناريوهات التي لا تتضمن الفحم تحقق وفرًا من 3:1 مليارات دولار سنويًّا .
لم تنشر الجهات الحكومية الدراسات التي تدعم رخص الفحم، ولا ندري هل تحسب التكاليف الخارجية externalitiesللفحم أم لا. فإذا كان الفحم أرخص بحساب الوحدات الحرارية فالتكلفة الحقيقية له كبيرة بحساب التكاليف الصحية والبيئية التي يتحملها المجتمع.تقدر تكلفة العبء الصحي من تلوث الهواء من استخدام الفحم في الاتحاد الأوروبي بحوالي من 15: 42 مليار يورو سنويًّا، وفي الولايات المتحدة بحوالي من 330: 500مليار دولار، وفي مصر قدرت دراسة «التكلفة المجتمعية لمصادر التقليدية والطاقة المتجددة» العبء من استخدام الفحم في الأسمنت فقط بحوالي 2.8 -3.2 مليار دولار.
يزيد من مخاطر استخدام الفحم أن محطات الكهرباء ستبنى على السواحل في عيون موسى وسفاجا على البحر الأحمر ومطروح على المتوسط حتى «يسهل نقل الفحم المستورد من الموانئ». وستعاني هذه المناطق ليس فقط تلوث الهواء ولكن أيضًا من أعباء استقبال وتحميل ونقل وتخزين كميات هائلة من الفحم معًا ومن تراكم مخلفات الحرق بجوار المحطات وما يصاحب هذا من مخاطر تسرب عناصر سامة إلى البحر والمياه الجوفية أو جرفها بفعل المطر والانزلاقات الأرضية في حوادث كارثية.
بحساب مبسط فقط لغرض تصور الموضوع، يلزم لتوليد 8 جيجا من الكهرباء، وهي المشروعات التي تأجلت، حرق حوالي 22 مليون طن من الفحم، مرات عند نسبة 29% المخطط تحقيقها لها في مزيج الطاقة.سيقضي الفحم على هذه المراكز المهمة للسياحة الشاطئية، علمًا بأن السياحة في مصر تمثل 11.3% من الناتج الإجمالي و12.6% من التشغيل و19.3% من حصيلة النقد الأجنبي.
تتمتع مصر بثراء واضح في مصادر الطاقات المتجددة وخصوصًا الشمس والرياح والتي يمكن أن تنتج 85 جيجاوات من الكهرباء.وتتجه مصر بالفعل نحو مزيد من الاعتماد على الطاقة المتجددة وإن بخطوات بطيئة، لكنها ستتسارع حتمًا مع التوجه العالمي إلى الاستثمار فيها وانخفاض أسعارها المستمر. لكن ستكون هناك فترة انتقالية من استخدام الوقود الأحفوري، ومن الأفضل أن يعتمد على الغاز الطبيعي في هذه المرحلة الانتقالية وليس الفحم.
أوضحت دراسات أن استخدام الغاز الطبيعي في الدورة المركبة أرخص من الفحم وأكثر كفاءة وأقل تأثيرًا على المناخ. تعتبر زيادة الغاز مع الاكتشافات الأخيرة فرصة اقتصادية جيدة في هذا الصدد. من الغريب أن هناك نية لتصدير الغاز إلى الخارج مرة أخرى، بغرض «الحصول على النقد الأجنبي». أي سيتم تصدير الغاز الخام للحصول على العملة الصعبة التي سنشتري بها الفحم الضار بالصحة والبيئة، وبالسياحة التي هي المصدر الأكبر للنقد الأجنبي.
لا شك أن هناك تحسنًا في توفير الكهرباء وجهودًا لا تنكر تبذل على كثير من الجبهات، ولكن استخدام الفحم لتوليد الكهرباء يجهض هذه الجهود ويعوق تحقيق التنمية المستدامة.
تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 22 فبراير 2017