عن التزام الدولة تجاه الصحة والتعليم
قال الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة: «منظومة الصحة متهاوية بسبب القرار الذى أصدره الرئيس جمال عبدالناصر بأن التعليم كالماء والهواء، والصحة مجانية لكل فرد، فراح التعليم وراحت الصحة، فلا توجد دولة فى العالم قادرة على تحمل أعباء الصحة كما تحملتها مصر، وإذا اعتبرنا أن الأطباء مجاهدون فى سبيل الله، فلا يمكن اعتبار الأعباء الصحية مجانية، لأن الأشعة مكلفة للغاية وتذكرة المريض التى تبلغ جنيها واحدا غير كافية بالمرة لسد احتياجات المنظومة الصحية»، موضحًا أن ضعف الموازنة المخصصة للصحة والأعباء المالية الضخمة سبب تدهور المنظومة الصحية فى مصر.
هذا كان نص حديث وزير الصحة، الذى يبغى منه أن تتخلص الحكومة من هذه الأعباء ملقاة بها على عاتق الشعب، وإذا كان مبغى وزير الصحة هو التلميح عن اتجاه الدولة نحو التخلى عن مسئولياتها الاجتماعية أمام مواطنيها، بتطبيق الخصخصة المطلوبة من صندوق النقد الدولى، ففى هذا السياق قد قال جوزيف ستجليتز: «الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد ليست المسألة أن تتعولم أو لا تتعولم أو أن تنمو أو لا تنمو وليست حتى أن تحرر أو لا تحرر، فالمسائل بدلًا من هذا هى ما سرعة تحرير التجارة، وما السياسات الواجب أن تصاحبها؟، هل هناك استراتيجيات نمو داعمة للفقراء تحقق المزيد من تخفيض الفقر فيما تعزز النمو؟، وهل هناك استراتيجيات نمو تزيد من الفقر ينبغى تحاشيها؟».
بالتالى فمن خلال تجارب الدول التى كانت حالتها السابقة أقل من حالة الدولة المصرية، وكانت ساعية نحو التحرر الاقتصادى أو العولمة وحققت نجاحات بالفعل، لم نجد دولة تخلت عن دورها الاجتماعى. لدينا على سبيل المثال الصين التى كانت من الدول المتجهة نحو سياسة التحرر الاقتصادى منذ فترة ليست ببعيدة، لكنها لم تتخل عن دورها الاجتماعى، فقد أنفقت الصين على البحث والتطوير العلميين نحو 1,44% من الناتج المحلى الإجمالى الصينى فى الفترة نفسها، مقارنة بنحو 2,28% فى العالم عمومًا، وتشير بيانات البنك الدولى للفترة من 2000 ــ 2004 إلى أن من بين كل مليون نسمة من سكان الصين هناك 708 علماء، فضلًا عن الفنيين الذين يعملون فى مجال البحث والتطوير. ولا يخفى على مسئولى الحكومة المصرية مدى ما حققته الصين من تقدم بحرصها على العلم وليس بتخليها عنه.
كما وضعت ماليزيا خطة للقضاء على الفقر المدقع بحلول العام 2010، بعد أن هبط إجمالى معدل الفقر إلى 2,8%. ونجحت ماليزيا فعلا فى تقليص الفوارق فى الدخول، بعد أن كانت تلك الفوارق سببًا فى الفصل بين العديد من المجموعات العرقية فيما مضى، ومنذ استقلالها، حرصت الدولة فى ماليزيا على الاستثمار فى التعليم، والتكنولوجيا، وشجعت الادخار، وسنت قوانين اجتماعية فعّالة، وتبنت سياسات سليمة فى إدارة الاقتصاد الشامل. كما أقرت الدولة فى ماليزيا ضرورة اضطلاع الحكومة بدور نشط لتحقيق النجاح فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ونجح الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا فى الحد من التفاوت الاجتماعى والاقتصادى لمصلحة الطبقة الشعبية الفقيرة، وهو ما استعصى على كل الحكومات التى سبقته، ديمقراطية كانت أم دكتاتورية. ففى يناير 2003، بدأت حكومته تنفيذ برنامج «نحو إنهاء الجوع» بهدف الإسراع فى تحسين الأمن الغذائى لنحو 44 مليون نسمة.
من زاوية حقوقية فيؤكد دستور منظمة الصحة العالمية على أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، ويشمل الحق فى الصحة الحصول على الرعاية الصحية المقبولة والميسورة التكلفة ذات الجودة المناسبة فى التوقيت المناسب. ويعنى الحق فى الصحة أن الحكومات يجب أن تهيئ الظروف التى يمكن فيها لكل فرد أن يكون موفور الصحة بقدر الإمكان. وتتراوح هذه الظروف بين ضمان توفير الخدمات الصحية وظروف العمل الصحية والمأمونة والإسكان الملائم والأطعمة المغذية، وهذا الأمر أكدته العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وأهمها العهد الدولى للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهو أحد الاتفاقيات الدولية التى انضمت إليها مصر، وحسب نصوص الدستور المصرى الأخير أصبحت ضمن المنظومة القانونية واجبة النفاذ.
كما أن هذا التصريح يتنافى كلية مع كل ما جاء فى الدستور المصرى الأخير وخصوصا فى المادتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة المعنيتين بالحق فى الصحة والتعليم، وبشكل أخص ما ورد فيهما من تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 3% من الناتج القومى للصحة، 4 % للتعليم.
فهل لنا أن نعتبر أن ما جاء بتصريح الوزير الحكومى تمهيدا لنكوص الدولة عن التزاماتها الدستورية، وتعهداتها الدولية، مضحية فى ذات الوقت بحقوق لمواطنيها ذات أهمية فى تقدم الدول، وفى وقت هو للمواطنين عصيب من حيث قلة الدخول التى لا تتناسب مع ارتفاع الأسعار، أم أننا نتوجه إلى أن تصبح هذه الحقوق من الترف والرفاهية التى ستصير مع الأيام المقبلة لا يقدم عليها إلا ذوو الثراء.. وللفقير رب يحميه.
تم نشر هذا المقال عبر موقع الشروق الإلكتروني بتاريخ 19 مارس 2017