الإرهاب والقضاء
عقب الحادث الأليم فى الكنيسة، والذى تلى حادث الهرم تعالت الأصوات المنادية بتعديل الدستور، لإضافة صلاحيات جديدة للقضاء العسكرى، وتعديل قانون الإجراءات الجنائية بتقليص درجات التقاضى أو مدد الطعن أو كيفيته، وكأن القضاء هو المسئول الأول عن انتشار مثل هذه الحوادث، أو كونه يمثل حجر عثرة أمام القضاء على هذه الظواهر. وتناسى أولئك المنددين أن هذا الدستور عمره لم يتجاوز عامين فقط، وأن به من المواد الخاصة بالتقاضى كأسلوب لاقتضاء الحقوق، أو كوسيلة لمعاقبة المتهمين باقتراف أى جرم ما يندرج تحت بند سيادة القانون، وهو ما يعنى خضوع الدولة بكل أجهزتها للقانون، كما أنه قد ترك تفاصيل المسائل الخاصة بتنظيم الأجهزة القضائية للقوانين.
أما عن مزاعم تعديل قانون الإجراءات الجنائية، والمقصود منه قصر سبل الطعن أو تحويل محكمة النقض إلى محكمة موضوع أو ما إلى ذلك من أمور تناولتها وسائل الإعلام المختلفة، عقب حديث رئيس مجلس النواب المصرى عن هذا المقصد، وكأنه الهدف الرئيسى من هذه الحوادث، أو الطريقة المثلى لمواجهتها.
أذكركم بأن هناك صلاحيات موسعة لم تكن مسبوقة من قبل للقضاء العسكرى، قد تمت إضافتها للمدونة التشريعية المصرية بموجب قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 136 لسنة 2014 فى شأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، والذى يخضع الجرائم التى تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القرار بقانون لاختصاص القضاء العسكرى.
وقد كان من المفترض أن يسرى ذلك القرار بقانون لمدة عامين بداية من 28/ 10 / 2014، وقد صدر القانون رقم 65 لسنة 2016 بتمديد العمل بالقرار بقانون سالف الذكر لمدة خمس سنوات، وبمقتضى ذلك التشريع فإن هناك توسعا فى صلاحيات القضاء العسكرى يتم بموجبها إحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى، هذا بالإضافة إلى العقوبات المغلظة الموجودة فى قانون الإرهاب، والتى جاءت موسعة بشكل مغالى فيه لأشكال الجرائم وطرق التجريم، وأيضا للعقوبات المقررة لها.
من هنا أقول لكم إن مواجهة مثل هذه الحوادث التى تهدد كيان المجتمع وتحيطنا جميعا بالخطر، بل وتشعرنا بعدم الأمان، ليست بمعالجات تشريعية فقط، إن صدقت الحاجة إلى هذه التشريعات ــ وإن كنت أظن أن المدونات العقابية أو الإجرائية المصرية بحاجة إلى مزيد من التعديل أو مزيد من العقوبات أو الاستحداث التجريمى ــ ولكن حاجة المجتمع تكون أوضح لسبل التعامل مع مثل هذه الحوادث، وتفعيل طرق الأمن الوقائى الحديثة بشكل أساسى.
الأهم هنا أن أذكركم بأن التعديلات التى تسعون لتفعيلها على قانون الإجراءات الجنائية، والتى تقصدون منها سرعة الإنجاز فى القضايا أو الاستغناء عن بعض القواعد الإجرائية تحت مسمى العدالة الناجزة، أعتقد أن هذا القول وهذه الأسانيد لم تأخذ حيزا من التروى وتم استدعاؤها على عجلة من الأمر، فلو أنكم قرأتم نص المادة 50 من قانون مكافحة الإرهاب والمعنية بتخصيص دائرة أو أكثر من محاكم الجنايات لنظر هذه النوعية من القضايا على نحو السرعة، لما استهلكتم كل هذا الوقت فى تحميل العبء الرئيسى للقوانين. فالأصل فى قانون الإجراءات الجنائية هو مراعاة حقوق المتهم وكفالتها أثناء مراحل المحاكمة، وهى فى مجملها لا يجب أن تتم بعيدا عن الشرعية الدستورية، والتى بدورها تقوم على أساس أن الأصل العام هو البراءة.
كما أن التوسع فى اختصاصات القضاء العسكرى على حساب القضاء المدنى لا يتسق مع الأصل العام فى المحاكمات العادلة، ووجوب مثول الشخص أمام قاضيه الطبيعى، وتخالف جميع الأسس والمعايير الدولية والحقوقية.
إجمالا فإن العمليات الإرهابية التى يتم الترويج بها لإدخال تعديلات قانونية سواء أكانت دستورية أم على قانون الإجراءات الجنائية باستخدام الأغلبية البرلمانية المنحازة أصلا إلى جانب السلطة التنفيذية لن يكون حلا للقضاء على هذه الظواهر المجتمعية، بل وربما يكون تعقيدا لمشاكل قضائية تحتاج بذاتها إلى تعديل إصلاحى وليس زيادة أعباء. كما أن هذه الظواهر تحتاج إلى علاجات وطرق حلول قد يكون القضاء أحد فروعه، ولكن الأهم من ذلك هو البنية المجتمعية بما تحتويه من تعليم وتثقيف والقضاء على المشكلات المجتمعية المتراكمة والتى أهمها الفقر والاحتياج، ومنها الاحتواء المجتمعى وعدم نبذ الآخر. ويجب أن يتم ذلك بمشاركات مجتمعية وتضافر جهود حكومية ومجتمعية، والعمل على توسيع ونشر الفكر الحقوقى والدمج المجتمعى من خلال إبراز دور المؤسسات الأهلية وتشجيعها على العمل داخل المجتمع.
إن كانت الرغبة لم تزل ملحة فى التعديلات التشريعية فيجب على من يقوم بذلك مراجعة القواعد الدستورية ومراجعة القوانين الإجرائية والعقابية على كثرتها، والعمل على توحيد المبادئ بما يتوافق مع الاحتياجات المجتمعية والاتفاقيات الحقوقية التى انضمت إليها مصر، وعدم إثقال القوانين بأكثر مما تحتمل. فالأصل العام فى صناعة القوانين هو الاحتياجات المجتمعية.
تم نشر هذا المقال عبر موقع الشروق الإلكتروني بتاريخ 19 ديسمبر 2016