هيئة السكة الحديدية لنقل الموتى
مر حادث تصادم قطاري الإسكندرية الذي أسفر حتى الآن عن وفاة 41شخصا وإصابة 194 وفقا لتحقيقات النيابة العامة، ولم نلحظ أي تغير في السياسة العامة للدولة، أو حتى لغة تسكين الجراح، ولم تبال الفضائيات بالحادث المهيب، ولا بكل هذا العدد من الضحايا، ولولا الجهود المجتمعية في محاولات الإنقاذ والمساعدة والتبرع بالدم، قد كان من الممكن أن يكون عدد الضحايا أزيد من هذه الأرقام، ولكن السياسات الرسمية للدولة لا تتعلم من الدروس ولا تستفيد من أخطائها السابقة، وكأنها عمدت إلى السير على نفس درب الإهمال وعدم الاكتراث بعامة الشعب، ويكفي أن ندلل على ذلك بما جاء بحكم محكمة جنايات القاهرة في القضية رقم 2816لسنة 2002، والمقيدة برقم 598لسنة 2002جنايات كلي، والمعروفة بقضية حريق قطار الصعيد، والذي راح ضحيته 361إنسان حينها، وقد جاء بذلك الحكم.
وحيث أن المحكمة في ظل كل ما جرى وعلى ضوء ما انتهت إليه من تحقيقاتها وأوردته في أسبابها «ترى لزاما عليها أن تقر أن العدالة وساحات القضاء كلت وملت من هذا الأسلوب الهزيل والمسرحيات الهزلية والتي يحملها المسؤولون من وقت لآخر إلى ساحات العدالة لتبرير العوار الذي أصاب المجتمع ومرافقه المتصلة بالجمهور، لتبرير سلبيات الأداء وفشل القيادات التي تضعها الدولة على رأس هذه المرافق التي تخدم جمهور المواطنين وهى ملك لهم وثروة البلاد القومية- الدومين العام للدولة- آن لهذا المسلسل المهين أن ينتهى- فالواقعة الماثلة تنطق بالسلبية وعدم الاحترام لعقل الرأي العام عن أسباب الحادث وتداعياته وأبسطها الإهمال والتسيب الذي استشرى في كل المرافق التي تخدم الجمهور في حين يكتفي المسؤولون كبارهم وصغارهم بالتصريحات الصحفية والتليفزيونية بالصوت والصورة، وإن أحداً لن يفلت من العقاب، وإن الحكومة ستفعل كذا وكذا لإصلاح الخلل وستدبر مليارات الجنيهات لخدمة المواطنين والمرافق التي يستخدمها فتمخض الجبل ويلد فاراً».
وبرغم مرور خمسة عشر عاما على الحادث الأول، فقد جاء الحادث الأخير ليؤكد رعونة القائمين على هيئة السكك الحديدية، وعدم اكتراثهم بأرواح المواطنين، وكما حدث في الحادث الأول فقد قامت النيابة العامة بمباشرة التحقيق مع جميع مسؤولي القطارين وملاحظي بلوكي مزلقاني «خورشيد» و«عزبة الشيخ»، وغفير المزلقان، فيما تم استدعاء بعض الملاحظين لسؤالهم على سبيل الاسترشاد، ولكن وحتى لحظة الكتابة لم يتم التحقيق مع كبار المسؤولين والقيادات، وهو الأمر الذي تم في الحادث الأول، فلو أننا جدلا قد افترضنا بانتفاء المسؤولية القانونية تجاه هؤلاء المسؤولون، وإن كان ذلك لا يتضح إلا بعد التحقيق معهم، إلا أن هناك ما يسمى بالمسؤولية السياسية في مثل هذه الحوادث التي تصيب المجتمع في أعداد هائلة من المواطنين، لو حدثت في أزمة موازية وفي عوالم موازية لتمت إقالة حومات بأسرها، لعجزها عن توفير سبل الوقاية من حدوث وتكرار هذه الفواجع المجتمعية.
تم نشر هذا المقال عبر موقع المصري لليوم بتاريخ 13 أغسطس 2017
وليس هذا الحادث هو الأخير الذي يدلل على فشل منظومة وإدارة هيئة سكك حديد مصر، وأعلم جيداً أنه سوف يخرج علينا كبار المسؤولين لتبرير هذه الكارثة بأن الهيئة تحتاج إلى مبالغ طائلة لتحديثها، وهي ذات المقولة التي تُقال عقب كل كارثة مجتمعية، فأقل تقدير يجب الوقوف عنده هنا هو كم القيادات المتواجدة على رأس هذا المرفق الهام والحيوي، ومدى الاحتياج لهم ومدى ارتباطهم بعمل الهيئة، وكم المرتبات والمكافآت الهائلة التي يحصلون عليها، في وقت تدعي فيه الدولة أنها تسعى إلى تخفيض عدد العاملين بالجهاز الإداري.
ومن زاوية أبعد تظهر في الأفق منذ فترة ليست بالقريبة دعوات إلى خصخصة هيئة السكك الحديدية، وكان هذا هو الحل النموذجي والأمثل، والذي يطل علينا عقب كل أزمة في قطاعات متعددة، قد يمثل هذا الاتجاه هروباً أو مخرجاً للدولة من مسؤوليتها تجاه مواطنيها، ولكنه لا يمثل أو يُشكل حلاً أو مخرجاً لهذه الأزمات المتكررة، والتي تشكل أسلوباً جديداً في تحديد النسل عن طريق القتل بالحوادث.
تحضرني مقولة سيدنا عمر بن الخطاب المشهورة عنه «لو عثرت دابة في شعاب العراق لسألني الله عنها يوم القيامة، لما لم أمهد لها الطريق» ونحن لا نفيق من حادثة إلا بأخرى، فلك أن تتخيل أنه بالأمس قد نشب حريق في مقدمة القطار رقم 160المتوجه من القاهرة إلى أسوان، وقد نشرت المواقع الإخبارية أنه لم يقع أي إصابات بين الركاب، ولكن الحادث له مدلول يؤكد البنية الفاسدة والفاشلة في قيادات هذا المرفق الحيوي.
ولن يقف حديثي عند حدود المطالبة بالتحقيق مع قيادات هذا المرفق، وتحميلهم لمسؤولياتهم سواء كانت جنائية أو سياسية، ولكن مطالبتي تمتد إلى حيث يوجد مجلس النواب بأدواته الرقابية ودوره المفترض في رقابة أعمال الحكومة، وتحميلها المسؤولية، ولن يكون ذلك إلا بتفعيل الأدوات الممنوحة لأعضاء مجلس النواب من سؤال، وطلب إحاطة، واستجواب، ولجان تقصي الحقائق، على ألا تقف حدودها عند إعداد تقرير يسكن بالأدراج، ويوضع على الأرفف، فهل هذا بكثير على أعضاء من المفترض أنهم يمثلون الشعب كاملاً وينيبون عنه، أم أن هذا البرلمان لم يُكتب له أن يكون نصيراً أو منقذا أو على الأقل ملبيا لما خٌول إليه، أم أن دوره يقف عند حدود تبعد كل البعد عن دوره الحقيقي.