المبادرة المصرية تدعو إلى التوقف الفوري عن استدراج وملاحقة المِثليين أو من يُظنُّ بهم المثلية والعابرات جنسيًّا وترى في ممارسات مباحث الآداب العامة والنيابة العامة تعديًا سافرًا على الحق في الخصوصية والكرامة الإنسانية والحق في المحاكمة العادلة
بيان صحفي
أطلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم تقريرها المعنون "المصيدة: عقاب الاختلاف الجنسي في مصر" والذي يوثِّق ويحلل وقائع الاستهداف العمدي والمتزايد من جانب الشرطة في السنوات الأربع الماضية لكل من يُشتبه في اختلاف ميولهم الجنسية عن المعايير العلنية الغالبة وبخاصة إذا كانوا مثليين أو رجالًا يمارسون الجنس مع رجال، أو من يُشتبه في أنهم كذلك، أو من العابرات والمتغيرات الجنس (الترانس)، وهي الحملة التي بلغت ذروتها في الشهر الماضي بإلقاء القبض على أكثر من 75 شخصًا على الأقل على خلفية واقعة التلويح بعلم قوس قزح، والمعروف كإشارة للتنوع وقبول مختلف الميول الجنسية وهويات النوع الاجتماعي، وذلك خلال حفل غنائي في أحد المراكز التجارية في القاهرة. يوضح التقرير أن هذه الحملة الأخيرة، والتي جذبت اهتمام العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والإعلام العالمي، ليست إلا حلقة في مسار الاستهداف الممنهج الذي يرصده التقرير. ودعا التقرير إلى التوقف الفوري عن هذه الحملات الأمنية التي تشكل تعديًا سافرًا على عدد من الحقوق المكفولة دستوريًّا وعلى رأسها الحق في الخصوصية والحق في عدم المعاملة المُهينة واللاإنسانية والحق في المحاكمة العادلة.
يرصد التقرير ارتفاع المتوسط السنوي لعدد المقبوض عليهم والمُحالين إلى المحاكمة في مثل هذه القضايا منذ الربع الأخير لسنة ٢٠١٣ إلى نحو خمسة أضعاف، مقارنة بسنوات طويلة سابقة. ووصل العدد في فترة ثلاث سنوات ونصف تنتهي في مارس ٢٠١٧ إلى ٢٣٢ شخصًا، أي حوالي ٦٦ شخصًا سنويًّا، بينما يشير إحصاءٌ إلى أن متوسط المقبوض عليهم في السنوات الـ١٣ السابقة (٢٠٠٠ حتى ٢٠١٣) نحو ١٤ شخصًا في السنة الواحدة.
ويتتبع التقرير رحلة المقبوض عليهم منذ الإيقاع بهم وحتى يُغيَّبوا في السجون من أجل تحليل أنماط هذه الهجمة الأمنية على المثليين وذوي الميول والتوجهات الجنسية غير المقبولة اجتماعيًّا. ويحلل التقرير أدوار الفاعلين في منظومة العدالة الجنائية سواء الشرطة أو النيابة العامة وكذلك دور المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، والإشكاليات القانونية لهذه الهجمة ومخالفتها عددًا من المبادئ الدستورية والقانونية المستقرة.
يعتمد التقرير على تحليل قانوني لخمس وعشرين قضية إلى جانب شهادات أفرادٍ قُبض عليهم في هذه القضايا، ومقابلات مع ذويهم، ومع عدد من المحامين المتخصصين في مثل هذا النوع من القضايا. ويحلل التقرير التغطية الإعلامية، ليس فقط عن القضايا المتعلقة بالهجمة الأمنية على المثليين والعابرات أو المتغيرات جنسيًّا بل أيضًا جرائم الابتزاز والسرقة وما يمكن أن يعتبر جرائم كراهية ضد هؤلاء الأفراد.
وتشمل ملاحق التقرير إحصائيات بالقضايا وأمثلة من مذكرات الدفاع القانوني ونص القانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦١حول تجريم الدعارة والذي تُستعمل بعض نصوصه الغامضة والملتبسة ضد المختلفين جنسيًّا من أجل اتهامهم باعتياد ممارسة الفجور أو نشر مواد تحرض عليه.
ويقول جاسر عبد الرازق، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية:"تشير القضايا التي يغطيها التقرير إلى ثلاث تقنيات وممارسات أساسية مثيرة للقلق تتبعها الإدارة العامة لحماية الآداب في وزارة الداخلية، أولها وأكثرها ذيوعًا هي الإيقاع بالأفراد من خلال حسابات وهمية على مواقع وتطبيقات المواعدة المخصصة للمثليين ومتغيري الجنس (الترانس) وبخاصة النساء، وثانيتها: قيام وزارة الداخلية بترحيل المثليين، أو من يُظنُّ بهم المثلية من الأجانب، حتى في حال عدم ثبوت اتهامات اعتياد ممارسة الفجور عليهم، وثالثتها وآخرها، خلق فضائح جنسية كبرى تحظى بتغطية إعلامية استثنائية".
وينتقد التقرير تعنُّت النيابة العامة وموقف بعض وكلائها المسبق تجاه المتهمين. وكان أكثر الاتهامات الموجهة تكررًا وشيوعًا: "اعتياد ممارسة الفجور" الذي ورد في كل الـ٢٣ قضية محل الدراسة في هذا التقرير، تلاه الاتهام بالإعلان عن مواد تحرض على الفجور على الإنترنت في ١٤ قضية، ثم ثماني قضايا شملت الاتهامين بإدارة مسكن/ محل/ منزل للفجور و/ أو التحريض عليه. ويوضح التحليل القانوني وشرح ممارسات النيابة والقضاء والطب الشرعي في التقرير مدى الغموض والالتباس في التعريفات القانونية في المواد المتعلقة بهذه الاتهامات واللجوء إلى سبل غير علمية ومرفوضة في القانون الدولي في فحص المتهمين بشكل مهين، وأخيرًا، استدراج المتهمين وإغراءهم ماديًّا بما يشكل جريمة تحريض وفقًا للقانون.
وتقول داليا عبد الحميد، مسئولة برنامج النوع الاجتماعي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية:"تخلق الطريقة التي تغطي بها غالبية المواقع الإخبارية حوادث القبض على المثليين وعابرات ومتغيرات الجنس (الترانس) حالةً من الفزع الأخلاقي في المجتمع يتم من خلالها شيطنة الأفراد المثليين ومتغيري الجنس وذلك عن طريق تشويههم وتصويرهم على أنهم ليسوا بشرًا ونشر التقارير تحت عناوين ساخنة مبالغ فيها من قبيل: "القبض على أكبر شبكة شذوذ". وكذلك تستخدم وسائل الإعلام مفردات مشحونة أخلاقيًّا وحاطةً من كرامة الأفراد المقبوض عليهم (شواذ وجنس ثالث ومخدرات). وتصور التغطية الإعلامية هؤلاء الأشخاص كذلك، بوصفهم يشكلون تهديدًا لقيم المجتمع، يمارسون العنف ويمثلون خطرًا على عموم المواطنين وبخاصة إذا كانوا من المتعايشين مع فيروس نقص المناعة.
وينتهي التقرير إلى أن التوسع في استخدام القانون رقم 10 لسنة 1961 لملاحقة أفراد بالغين وعقابهم على ممارسات جنسية رضائية لمجرد كونها تخالف الميول والممارسات الجنسية ذات القبول المجتمعي، هو انتهاك واضح لحق هؤلاء الأفراد في الخصوصية وفي اتخاذ قرارات تخص حياتهم الجنسية بحرية. ويقدم التقرير عدة توصيات، منها:
- أن تكف الشرطة عن استدراج الأفراد والإيقاع بهم من خلال مواقع المواعدة الخاصة عن طريق الإغراء المادي.
- محاسبة أفراد الشرطة المزعوم تورطهم في ضرب وسَبِّ وإهانة الأشخاص المقبوض عليهم في هذه القضايا وتهديدهم بممارسة العنف الجنسي ضدهم.
- عدم السماح لقنوات الإعلام المرئي والمكتوب بتصوير المقبوض عليهم وانتهاك خصوصيتهم ونشر معلومات وتفاصيل عن حياتهم.
- التوقف عن تجريم حيازة أدوات التجميل والملابس النسائية والواقي الذكري وغيرها مما لا تعد حيازته جريمة.
- منع إجراء الكشوف الشرجية الإجبارية.
- إتاحة وقت للمحامين للاطلاع على محاضر الضبط والتحريات.