تعديل الدستور.. مطلب أم مأرب؟
طالب رئيس لجنة حقوق الإنسان فى مجلس النواب «علاء عابد» يوم السبت، بالإسراع بتعديل الدستور لجعل فترة الرئاسة ست سنوات وإعطاء رئيس الدولة سلطة إقالة الوزراء دون الحاجة إلى موافقة البرلمان.
وقال فى بيان «إذا كان الدستور يعيق التنمية ومكافحة الإرهاب وتقدم الدولة اقتصاديا فوجب على المجلس التشريعى الإسراع فى تعديله ونترك للشعب المصرى القرار الأخير بالموافقة على التعديلات أو الرفض».
ويرى عابد أن الفترة الرئاسية المحددة فى الدستور بأربع سنوات قصيرة بدرجة لا تمكن رئيس الدولة من تنفيذ مشروعات التنمية التى يقرها ومجابهة إسلاميين متشددين يمثلون تحديا أمنيا.
هذا نص ما نشره موقع المصرى اليوم الإخبارى بتاريخ 12 / 8 / 2017، وهذا بخلاف ما تم نشره على العديد من المواقع من مطالبة العديد من النواب والإعلاميين بتعديل الدستور المصرى فيما يتعلق بمدة رئاسة رئيس الدولة، ذلك على الرغم من كون هذا النص المطلوب تعديله لم يتم تفعيله ولو لمرة واحدة حتى يتبين المطالبون بالتعديل صوابه من عدم صوابه أو انحرافه ومن ثم يكون حجتهم فى المطالبة بالتعديل لها ما يدعمها من التجربة الواقعية، لكن أن تأتى المطالبة والمخاطبات التى بدأت فى التزايد المستمر مع قرب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، فإن الأمر لا يمكن قبوله على أساس كونه فكرة قانونية مجردة، أو على أنه ليس له أى مأرب سياسى.
***
وفقا لما يقوله رئيس مجلس النواب المصرى حسبما تناولته الوكالات والمواقع الإخبارية، أن هذا الدستور قد وضع فى ظروف لم تكن فيها البلاد فى وضعية مستقرة، وبالتالى تكون المواد الدستورية قد صيغت فى عجالة، وهو الأمر الذى يستتبع تغيير هذا الدستور على حسب زعمهم حينما تستقر البلاد، ويمكننا الرد على ذلك الزعم بأنه لو فُرض كون هذا الدستور قد وضع فى مثل هذه الظروف، فبالتالى فإن التعديل يجب أن ينال الدستور بأسره من أوله إلى آخره، وليس يكون التعديل المقصود محدد الجانب وواضح الهدف وملخصه تعديل مدة الرئاسة، وزيادة مدد الترشح، وبغض الطرف عما سبق قوله من وجوب التجريب قبل التغيير، فلا يمكن أن تؤخذ هذه المطالبات بنية حسنة، على حسب ما يتم الترويج له وبه من أن هذا الدستور كلية قد صيغ بنية حسنة.
ولا يمكننا أن ننسى فى هذا السياق أن نلفت النظر للتذكر عما نال أعمال لجان صناعة هذا الدستور من تدخلات لا يمكن أن تكون ذات طابع حسن النية؛ فمنذ لحظة الميلاد التى تمت بموجب قرار جمهورى من الرئيس المؤقت وقتئذ «عدلى منصور» بأغلبية تشكيل تميل إلى السلطة القائمة أو ُتحسب عليها بطريقة أو بأخرى، وهو ما انعكس على عدم القدرة على الاطلاع على ما يتم من اجتماعات لجنة الخمسين أو حتى نشر محاضر الاجتماع، وهو ما يعكس طريقة صناعة هذا الدستور.
لكن الأمر الجلى والمفيد فى هذا الموضوع هو كون المواد المتعلقة، والتى أهمها المادة رقم 140، وخصوصا فقرتها الأولى التى تنص على أنه « يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة». وهى التى يُطالب بتعديلها تحت مزاعم عديدة أبرزها ما سبق سرى على لسان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصرى، وإذا ما تم استخدام البرلمان لتعديل هذه المادة الدستورية قبل تجربتها فى الواقع الحياتى، فإنه سيكون قد أقدم على تغيير فكرة ناضل المصريون لزمن طويل حتى تحصلوا على هذا التغيير فى الحياة الدستورية، وللعلم فقد مرت الحياة السياسية المصرية بمثل هذه الأحوال من اللجوء إلى استخدام البرلمان كوسيلة لتخريج تعديلات دستورية تتناسب ورؤى سدة الحكم المصرى، فقد بدأها الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، كان هدفها الرئيس هو مد فترات الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية لأكثر من فترتين رئاسيتين، وإن كان تم الترويج لهذا الغرض تحت هدف جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، حتى يتم إقناع المجتمع المحلى بما يتم من تغييرات دستورية، وكانت المحصلة أن عُرضت هذه التعديلات الدستورية على الشعب المصرى للاستفتاء عليها فى يوم 22 مايو 1980، وتمت الموافقة عليها بأغلبية بلغت 98.86%، ثم كانت المرة الثانية فى عهد مبارك، وبعد أن زادت حدة الاحتقان الشعبى ضد السياسات الاقتصادية، وفى محاولة لامتصاص غضب الشارع، أعلن مبارك فى فبراير من نفس العام 2005 عن مبادرة لتعديل المادة 76 من الدستور، بحيث يكون انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السرى العام المباشر من جميع أفراد الشعب الذين لهم حق الانتخاب، بدلًا من اختيار رئيس الجمهورية بطريق الاستفتاء، وفى 10 مايو 2005 أقر مجلس الشعب تعديل المادة 76 من الدستور بعد موافقة 405 من الأعضاء على هذا التعديل، كما طُرحت المادة بشكلها الجديد للاستفتاء الشعبى فى 25 مايو 2005، وجاءت الموافقة عليها بنسبة تقريبية بلغت 83% من إجمالى نسبة المشاركين فى الاستفتاء.
***
إلى متى سيظل البرلمان المصرى على مدار العصور أداة طيعة فى يد السلطة التنفيذية يأتمر بأوامرها ويلبى احتياجاتها، وليس احتياجات الشارع المصرى، فهناك العديد من المشكلات التى يمر بها المجتمع المصرى على المستوى الاقتصادى على وجه التحديد تقتضى تدخل مجلس النواب معلنا عن وجوده فى الحياة السياسية ككيان مستقل لا يتبع سوى إرادة الناخبين باحثا عن حلول أو محاولات للحلول لجزء ولو يسير من هذه المشكلات التى محصلتها زيادة هوة الفقر وازدياد عدد الفقراء، وهو ما يعنى بالتبعية زيادة المشكلات المجتمعية الناتجة عن الفقر فى أنظمة الصحة والبيئة والغذاء وغيرها مما له الأثر العظيم على كل الأمور الحياتية الخاصة بعموم فقراء الشعب، أو على الأقل أن يفعّل بعضا من سلطاته وصلاحياته الرقابية فى مواجهة تغول السلطة التنفيذية على كل السلطات، فلم نسمع أنه تم استجواب لأحد أعضاء الوزارة، أو تقديم طلب إحاطة لأمر من الأمور التى مرت بها البلاد على مدار دورتين تشريعيتين خاضهما مجلس النواب دونما رقابة حقيقية أو إعمال حقيقى للسلطة النيابية، أم أن الأمر لا يقف ولا يدور إلا حيث تكون رغبة وإرادة الحكومة، تمررها من باب مجلس للنواب شكا غالبيته ائتلافا بعد انتخابهم تحت مسمى «دعم الدولة» بدلا من رقابتها وتصحيح إعوجاجها.
تم نشر هذا المقال عبر موقع جريدة الشروق الإلكتروني بتاريخ 27 أغسطس 2017