الشعب يريد شنطة رمضان
بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا بالخير والبركة، وقد اعتاد المصريون أن يكون هذا الشهر له من العادات الغذائية ما يشبه الأفراح، وله العديد من الطقوس التي لابد لها من أموال كثيرة حتى تنعم الأسر بما اعتادت عليه من أمور استهلاكية، وإن كان بعض هذه العادات مغالى فيه من المصريين، بما لا يتفق وقيمة هذا الشهر عند المولى سبحانه، ولكن تبقى الزيارات وصلات الأرحام وما إلى ذلك من أمور تتفق مع هذا الشهر المبارك. ولكن تبقى موروثات العادات الغذائية المرتبطة بشهر رمضان من أهم ما يميزه في عادات الشعب المصري، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدا من الإنفاق المالي.
ثم نضع الفقرة التالية قبل الفقرة الأخيرة
وفي محاولة لتصعيد النقاش إلى مستوى الأمن الغذائي كأحد مفردات الأمن القومي الحقيقي والأمن العام للدولة المصرية، حيث إن المواطن الفرد هو النواة الأولى لبناء الوطن، والذي لا يخرج عن كونه مجموعة من المواطنين يعيشون تحت سماء ما يسمى بالوطن، ومن ثم تتحقق مفردات الانتماء الحقيقي حال توافر متطلبات المواطنين من حقوق وخدمات، وبقدر غيابها يغيب الانتماء، وأهم هذه الحقوق ارتباطا بالحق في الحياة هو الغذاء الكافي والصحي والمناسب لحياة المواطنين لا سيما الأطفال منهم، والذين بدورهم في حاجة مستمرة لبناء أجساد سليمة وصالحة لاستقبال مراحلهم العمرية المقبلة، ولكن وفي ظل تردي الدخول لدى عامة الشعب وانهيار الطبقة الوسطى وانصهارها في طبقة ما تحت خط الفقر، يصبح الشبع مترفا، وهو الأمر الذي يصيب المنظومة الاقتصادية العامة في مقتل نتيجة لاعتلال الأجساد التي لم تنل حقها من الغذاء الكافي، وتزداد الأعباء على الدولة في ضرورة توفير الخدمات الصحية والعلاجية المترتبة على أمراض نقص الغذاء.
ولكن في ظل تردى قيمة الجنيه المصري، والغلاء المتزايد بشكل مطرد في أسعار كل المواد الغذائية، بما لا يتناسب مع مستوى دخول غالبية المصريين، والذي بدروه لم يتحرك للأمام بالمقارنة بمعدل زيادة الأسعار، وحالة التضخم المصاحبة لتعويم الجنيه الذي فقد القدرة على الحركة وليس العوم، وأصابته إسفكسيا الخنق الاقتصادي.
تلاقيت وأحد الموظفين في إحدى الوزارات الخدمية ممن لا سبيل لهم للرشوة، وتطرق الحديث إلى أن علمت أنه بعد خمسة وعشرين عاماً من الخدمة صار مجموع دخله ألفين ومائتين من الجنيهات، وهو يعيش بهذا الدخل مع أسرته المكونة منه وزوجته وأربعة أبناء، ولكنه عيش الكفاف.
فتعجبت من أمره ورمضان مقبل علينا بروائحه، وكيف له أن يكفيه وأسرته هذا المبلغ لمجرد العيش إفطاراً وسحوراً في ظل انهيار لقيمة الجنيه المصري، وارتفاع مستوى التضخم، مما أدى إلى ارتفاع جنوني للأسعار طال كل شيء وخصوصاً المواد الغذائية، حيث صار كيلو الأرز كمثال شعبي يباع بسبعة جنيهات على الأقل في الأسواق الشعبية بدلاً من أربعة، مع استبعاد أي محاولات للخروج من المنزل للتنزه ولو على شاطئ النيل، قبل أن تناله اليد الحبشية، وأيضا مع استبعاد أي سبيل للمرض المفاجئ، ولكن هل له أن يشتري للأولاد فقط ملابس جديدة للعيد؟
حينها تذكرت أنه لا حيلة له سوى اللجوء لسيارات القوات المسلحة عسى أن تقوم بتوزيع معونات للمواطنين بما يسمى «شنطة رمضان»، أو التنزه هو وأسرته داخل سرادقات موائد الرحمن، علهم ينالون وجبات لا يستطيعون تدبيرها، بعيداً عن مناقشة هذه الموائد، الأهم هو محاولة أن يقضي هذا الموظف، والذي يمثل القاعدة العريضة من الشعب المصري، شهر رمضان دون انكسار أمام زوجته وأولاده، إن لم يكن انتحارا، ولكن هل توجد موائد رمضانية تكفي لهذا العدد من الفقراء أو الموظفين؟
«وتذكرت ما قاله أبوفراس الحمداني»، وقلبت أمـري لا أرى لـي راحـة إذا البين أضناني ألح بي الهجر.
تراجعت للوراء قليلاً وأطلقت عنان تخيلي للوضع المصري لو كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير لسنة 2011 قد نجح شعارها (عيش- حرية- عدالة اجتماعية)، ثم تريثت قليلاً ورضيت بقضب هذا الشعار إلى (عيش- عدالة اجتماعية) بغض النظر عن موضوع الحرية، وخصوصاً حينما يتعلق الأمر بتدبير أولويات الحياة، وكيف سيكون حال هذا الموظف وأمثاله الذين يمثلون القطاع الأعرض من الشعب المصري، وتساءلت هل كان دخله سيظل عند هذا المستوى من التدني؟ أم أن حالهم سيكون أفضل، مع وضع الحد الأدنى للأجور بشكل حقيقي، وأيضا الحد الأقصى بصورة تصب في مصلحة الوطن أولاً، والفقراء ثانياً. وجال بخاطري أن هذه الثورة التي مضت كانت كفيلة بتغيير حال هؤلاء، بل حال الشعب كله، حال نجاحها، ولو إلى درجة أولية أعلى. وتطور التفكير برأسي لو نجحت الثورة بتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية، وهو ما يعني أن يتساوى هذا الموظف وأمثاله مع قرنائه في الوظائف الأخرى ذات مستوى الدخل الأعلى مثل البترول والمالية والتليفزيون والبنوك، فلو تم تفعيل ذلك سيصبح دخل هؤلاء الفقراء يقارب ألف دولار أسوة بمن هم في مثل موقفه في الوظائف ذات الحظ الأعلى، ويصبح بإمكانه أن يشتري ملابس جديدة أو يخرج في نزهة عائلية هو وأسرته لتناول السحور تذكاراً على شاطئ النيل، كما أن هناك فرصة هائلة للمرض ووجود ما يكفي للعلاج.
إلا أن أمرا خياليا لم يدم كثيراً ورجعت إلى واقع الأمر في مصر وواقع حال الثورة وواقع حال الموظفين والعمال، وما وصلت إليه الأسعار من حالة غليان وفقدان للاتزان تماشيا مع انهيار قيمة العملة المصرية، وكيف أن عموم الشعب المصري قد فرح لمجرد أن أعلن وزير التموين المصري أنه تمت زيادة المخصصات التموينية له بمبلغ أربعة عشر جنيها بمناسبة شهر رمضان وصارت أمنيتي أن تكون هناك فعلاً شنطة رمضان مقدمة مجاناً من الجيش المصري، وتراجع هتافي كثيرا كثيرا متناسيا ما كان من شعارات يناير (عيش – حرية – عدالة اجتماعية) إلى (الشعب يريد شنطة رمضان).
تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 13 مايو 2017