هل مصر الآن بحاجة إلى توليد الكهرباء من النووى؟
في 19 من نوفمبر 2015 وقعت الحكومة المصرية اتفاقية مع شركة روس آتوم الروسية الحكومية لبناء محطة نووية في منطقة الضبعة، كما وقعت اتفاقية بقرض بقيمة 25 مليار دولار يستخدم في بناء المحطة.تم هذا الاتفاق فى سياق أزمة شديدة فى الطاقة والكهرباء فى مصر، عندما بلغ العجز فى إمدادات الكهرباء نحو 5 آلاف ميجاوات (ما يعادل نحو 20%)، وعندما كان هناك نقص شديد فى إمدادات الوقود خصوصا الغاز الطبيعى، وحيث تدهورت قدرات وكفاءة محطات التوليد وشبكات النقل والتوزيع.
لكن الوضع تغير كثيرا الآن. حيث نجحت جهود الحكومة بالفعل فى تخطى عجز الكهرباء وفى تحقيق فائض، بلغ هذا العام نحو أربعة آلاف ميجاوات، كما نجحت فى التغلب على نقص الغاز الطبيعى بل وتحقيق فائض فى الإنتاج، كما نجحت فى تحسين كفاءة المحطات وتقليل الأعطال وفى رفع كفاءة شبكات التوزيع والنقل.
كانت الأزمة الطاحنة عام 2014 هى الدافع وراء قرار إدخال مصادر أخرى لتوليد الكهرباء، كان منها الطاقة النووية، بهدف تنويع المصادر التى تعتمد على الغاز بشكل كبير (90%). وعلى الرغم من أن مبدأ تنويع مصادر الكهرباء فى حد ذاته هو مبدأ جيد، فإن جدواه تعتمد على مدى ملاءمة مصادر الطاقة لكل بلد.
فهل الطاقة النووية ملائمة لمصر الآن اقتصاديا واستراتيجيا؟
من الناحية الاقتصادية، تبلغ تكلفة بناء المحطة النووية نحو 30 مليار دولار، وهو مبلغ كبير للغاية، خصوصا بمقارنته بتكلفة بناء المصادر الأخرى، حيث يقارب 12 ضعف تكلفة محطة غازية مركبة، و6 أضعاف تكلفة محطة رياح، و3 أضعاف محطة شمسية فوتوفولتيك، بنفس القدرات.
وأما القول بأن الطاقة النووية عالية التكلفة عند البناء، لكنها تولد أرخص الكهرباء بسبب رخص الوقود، فهو قول ثبت خطؤه، الواقع أن الطاقة النووية أغلى أنواع الكهرباء كما توضح مقارنات السعر المعدل لتوليد الكهرباء (LCOE) والذى يضع فى الاعتبار تكلفة البناء والتشغيل وأسعار الوقود والعمر الافتراضى للمحطات.
فوفقا لتقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لعام 2017 (eia) بلغ السعر المعدل لكل ميجاوات/ساعة من الطاقة النووية (90.1 $) وهو ما يقارب ضعف سعر كل من دورة الغاز المركبة (48.3 $) والفوتوفولتية (46.5 $) وما يقرب من ثلاثة أضعاف طاقة الرياح (37.1 $ ).
وبسبب ارتفاع أسعارها لم تعد الطاقة النووية قادرة على المنافسة فى الأسواق عالميا، وتسجل شركات توليد الطاقة النووية بالفعل خسائر ضخمة، ففى عام 2017 أعلنت شركة ويستنجهاوس ــ أكبر شركة بناء للطاقة النووية فى التاريخ ــ إفلاسها بعد الخسائر الهائلة التى تكبدتها، وأما شركة أريفا التى تملكها الحكومة الفرنسية فقد تراكمت عليها خسائر بقيمة 12.3 مليار دولار أمريكى على مدى السنوات الست الماضية. ووفقا لتحليل بلومبرج فإن من بين 61 محطة طاقة نووية عاملة فى الولايات المتحدة، يسجل أكثر من نصفهم (34 شركة) خسائر تقدر بنحو 2.9 مليار دولار سنويا.
وانعكس هذا فى تراجع معدلات الاستثمارات فى الطاقة النووية، ففى عام 2017 بلغ إجمالى الاستثمارات المعروفة لبناء المشاريع النووية نحو 16 مليار دولار أمريكى مقابل أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمارات فى طاقة الرياح و160 مليار دولار فى الفوتوفولتيك.
من الناحية الاستراتيجية، لا تمتلك مصر أى يورانيوم، كما لا تمتلك المعرفة اللازمة لتجهيزه كوقود ولتشغيل المفاعلات وستعتمد على الشريك الأجنبى بترتيبات طويلة الأمد، بينما لديها موارد أفضل لتلبية احتياجات الكهرباء إلى جانب الغاز الطبيعى وهى مصادر الطاقة المستدامة الأرخص والأكثر أمانا.
تعد مصر من المناطق الأكثر ملاءمة لاستغلال الطاقة الشمسية من الخلايا الفوتوفولتية وأيضا من المركزات الشمسية فى العالم، كما تتمتع بموارد وفيرة من طاقة الرياح، خاصة فى منطقة خليج السويس بسبب سرعات الرياح العالية المستقرة.
ووفقا لتحليل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إيرينا (IRENA) الذى تم إجراؤه فى عام 2018 بالتعاون مع وزارة الكهرباء المصرية، فبإمكان مصر توفير 53٪ من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، مقارنة بـ 9٪ فى عام 2014. وأن ذلك سيؤدى إلى انخفاض فى إجمالى تكاليف الطاقة بقيمة 900 مليون دولار أمريكى سنويا، ما يعادل خفض التكلفة بمقدار 7 دولارات أمريكية لكل ميجاوات ساعة.
يشير تقرير إيرينا إلى أن هذا سيقلل أيضا من الحاجة إلى الفحم والواردات المتعلقة بالطاقة النووية ما سيعزز أمن الطاقة فى البلاد. خصوصا أن تكلفة بطاريات تخزين الطاقة المتجددة تتناقص بسرعة مذهلة، ما يعزز من قدرة الطاقات المتجددة على منافسة البدائل الأخرى لتوليد الكهرباء.
لقد نجحت الحكومة فى تخطى أزمة الكهرباء على المدى القصير، لكن الحل الأمثل على المدى الطويل ربما يتطلب من الحكومة مراجعة استراتيجيتها لتعكس التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية السريعة التى تحدث على المستويين الوطنى والإقليمى كما أشار تقرير إيرينا.
فهل تراجع الحكومة موقفها من الطاقة النووية؟
نشر هذا المقال في موقع الشروق في تاريخ 24 نوفمبر 2018