محكمة النقض تؤيد الحكم بإعدام راهب وتخفيف العقوبة عن الثاني في تهمة قتل الأنبا إبيفانيوس.. والمبادرة المصرية تجدد مطلبها بتعليق عقوبة الإعدام
بيان صحفي
أيدت محكمة النقض، أمس الأربعاء الموافق 1 يوليو 2020، حكم الإعدام على وائل سعد تاوضروس الراهب السابق المسمى باسم أشعياء المقاري وتخفيف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد على الراهب فلتاؤس المقاري، واسمه بالميلاد ريمون رسمي، لاتهامهما بارتكاب جريمة قتل الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار بوادي النطرون. كانت محكمة جنايات دمنهور قد قضت في 24 إبريل 2019 بالحكم بالإعدام شنقًا على الراهبين، وذلك في القضية المقيدة برقم 3067 لسنة 2018 جنايات وادي النطرون.
هذا، ووفقًا لإفادة من إيهاب سدره، محامي المتهم الأول، للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية فإن حكم محكمة النقض صدر في الجلسة الأولى، وبدون منح هيئة الدفاع الوقت اللازم للحديث عن دفوعها، وبدون النظر فيها، وهو ما يُخلُّ بحق المتهم في محاكمة عادلة. وأضاف أنه في انتظار صدور حيثيات الحكم لتقديم التماس إعادة نظر و"طلب عدول".
تعود القضية إلى يوم 29 يوليو 2018، حيث تم العثور على جثمان الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار بمنطقة وادي النطرون بمحافظة البحيرة، مهشم الرأس في الممر ما بين قلايته (مكان سكنه) وكنيسة الدير، وأعلنت الكنيسة الأرثوذكسية وفاة الأنبا إبيفانيوس، كما أعلنت لاحقًا وجود شبهة جنائية. وفي 18 أغسطس 2018، أحال النائب العام أوراق القضية إلى محكمة الجنايات بالإسكندرية لتحديد جلسة لمحاكمة كل من وائل سعد تاوضروس الراهب السابق المسمى باسم أشعياء المقاري والراهب فلتاؤس المقاري وبالميلاد ريمون رسمي بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد للأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار بوادي النطرون، وذلك عقب انتهاء نيابة الإسكندرية من تحقيقاتها التي كشفت قيام المتهمَينِ بقتل الضحية على إثر خلافاتهما معه.
وتعرب المبادرة المصرية عن قلقها الشديد من وجود اتجاه متزايد لاستخدام عقوبة الإعدام، وتأييد العقوبة في محكمة النقض والذي ارتفع بشكل مطرد منذ نهاية العام 2017. فمنظومة العدالة الجنائية تتخلى عن حذرها التاريخي في التعامل مع العقوبة التي لا رجعة في تنفيذها، والمؤشرات التي رصدتها توحي بأن هذا التعامل غير الحذر مع الإعدام قد طال كل أركان منظومة العدالة الجنائية. وتطالب المبادرة المصرية السلطات القضائية بعدم الاعتماد فى حكمها على أقوال التحريات إلا إذا كانت مشفوعة بالأدلة والبراهين التي لا تحتمل شكًّا وألا تعتمد على مجرد تحريات مكتبية، وأن تلتزم جهات التحقيق بعرض المتهمين على الطب الشرعي فور تصريحهم بتعرضهم للتعذيب أو تَبيُّن وجود أي إصابات بهم عند مناظرتهم، وفتح تحقيق جدي وسريع مع القائمين على ذلك.
هذا، وقد تبنت المبادرة المصرية عدة فعاليات لتعليق عقوبة الإعدام، وأصدرت تقارير تقدم عرضًا وتوثيقًا لأحكام الإعدام الصادرة في مصر، بالإضافة إلى محاولة تحليل أنماط استخدام عقوبة الإعدام في المحاكم المصرية والعيوب والقصور الإجرائي في كثير من المحاكمات الجنائية التي أصدرت أحكامًا بالإعدام في السنوات الثلاث الماضية، وأخيرًا التغيرات الكمية والكيفية في اللجوء إلى العقوبة القصوى في القانون الجنائي وهي العقوبة الوحيدة التي لا يمكن التراجع عنها بعد تنفيذها.
وفي هذا السياق، تجدد المبادرة المصرية مطالبتها بتعليق العمل فورًا بعقوبة الإعدام، ولو بصورة مؤقتة، إلى حين فتح نقاش مجتمعي حول إلغاء العقوبة بشكل كامل، والتوقيع والتصديق على البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام (البروتوكول الاختياري الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام).
بيان تطور الأحداث منذ واقعة مقتل الأنبا إبيفانيوس
- في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد 29 يوليو 2018 تم العثور على جثمان الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار بمنطقة وادي النطرون بمحافظة البحيرة، مهشم الرأس في الممر ما بين قلايته (مكان سكنه) وكنيسة الدير، وأعلنت الكنيسة الأرثوذكسية في بيان على صفحة المتحدث الرسمي باسم الكنيسة، وفاة الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار في وادي النطرون، وبعد 6 ساعات نشرت الكنيسة بيانًا مقتضبًا آخر أعلنت فيه وجود شبهة جنائية في حادث الوفاة.
توجهت النيابة العامة بوادي النطرون إلى الدير، وقامت بإغلاقه للتحقيق مع الرهبان والعاملين في الدير، وتم نقل جثمان الأنبا إبيفانيوس من دير أبو مقار إلى مستشفى وادي النطرون، لإجراء عملية التشريح اللازمة لكشف ملابسات مقتله، وتم العدول عن تشريح الجثمان بمستشفى وادي النطرون بعد الإعلان عن ذلك، ونقل الجثمان إلى مستشفى دمنهور العام بمحافظة البحيرة لتوافر الإمكانات وسرعة إنهاء الإجراءات.
- وفي 31 يوليو 2018، أجريت مراسم الصلوات الدينية بمشاركة أعضاء المجمع المقدس والرهبان والكهنة وأعضاء المجلس الملي وأسرة الأنبا إبيفانيوس، وترأس البابا تواضروس صلاة الجنازة، حيث نقل الجثمان من مشرحة المستشفى العام بمدينة دمنهور إلى مقر دير أبو مقار، باستخدام سيارة إسعاف وتحت حراسة مشددة.
لم يكن البابا قد أدلى بتصريحات بخصوص مقتل رئيس الدير، إلا أنه خلال عظته في صلاة الجنازة، بدا عليه الغضب ووجه عدة رسائل ومطالب إلى رهبان الدير أبرزها:
- عدم السماح ﻷي راهب بالحديث أو الظهور الإعلامي.
- تذكيرهم بأنهم ينتمون إلى القديس الأنبا مقار الكبير، وليس إلى أي تيار أو شخص آخر، وقال لهم: "أخرجوا من بينكم أي انحراف بعيدًا عن الرهبنة".
- عدم الانسياق وراء الشائعات وبخاصة عند عدم وجود اتهامات واضحة وأن الكنيسة تنتظر نتائج التحقيقات.
- وفي الأول من أغسطس 2018، أعلنت لجنة الرهبنة وشؤون الأديرة عقب اجتماعها مع البابا تواضروس الثاني عدة قرارات لإعادة الانضباط إلى الحياة الرهبانية كما جاء في بيان الكنيسة، وجاءت القرارات كالتالي:
1- وقف رهبنة أو قبول رهبان جدد في جميع الأديرة القبطية الأرثوذكسية داخل مصر لمدة عام يبدأ من أغسطس 2018.
2- بخصوص الأماكن التي لم توافق البطريركية على إنشائها كأديرة، سيتم تجريد من قام بهذا العمل من الرهبنة والكهنوت والإعلان عن ذلك، مع عدم السماح بأي أديرة جديدة إلا التي تقوم على إعادة إحياء أديرة قديمة، ويتم ذلك من خلال رعاية دير معترف به.
3- تحديد عدد الرهبان في كل دير بحسب ظروفه وإمكانياته وعدم تجاوز هذا العدد لضبط الحياة الرهبانية وتجويد العمل الرهباني.
4- وقف سيامة الرهبان في الدرجات الكهنوتية "القسيسية والقمصية" لمدة ثلاث سنوات.
5- الالتزام بعدم حضور علمانيين على الإطلاق في الرسامات الرهبانية لحفظ الوقار والأصول الرهبانية الأصيلة.
6- تستقبل الأديرة الزيارات والرحلات طوال العام باستثناء فترة صوم الميلاد والصوم الكبير فتكون أيام (الجمعة والسبت والأحد) فقط من كل أسبوع والتحذير من زيارة الأماكن غير المعترف بها وهي مسؤولية الإيبارشيات والكنائس.
7- الاهتمام والتدقيق في حياة الراهب والتزامه الرهباني داخل الدير واهتمامه بأبديته التي خرج من أجلها ودون الحياد عنها.
8- كل راهب يأتي بالأفعال التالية يعرض نفسه للمساءلة والتجريد من الرهبنة والكهنوت وإعلان ذلك رسميًّا:
أ- الظهور الإعلامي بأي صورة ولأي سبب وبأي وسيلة.
ب- التورط في أي تعاملات مالية أو مشروعات لم يكلفه بها ديره.
ج- التواجد خارج الدير بدون مبرر والخروج والزيارات بدون إذن مسبق من رئيس الدير.
9- لا يجوز حضور الأكاليل والجنازات للرهبان إلا بتكليف وإذن رئيس الدير بحد أقصى راهبان.
10- إعطاء الرهبان فرصة لمدة شهر لغلق أي صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي والتخلي الطوعي عن هذه السلوكيات والتصرفات التي لا تليق بالحياة الرهبانية وقبل اتخاذ الإجراءات الكنسية معهم.
11- مناشدة جموع الأقباط بعدم الدخول في أي معاملات مادية أو مشروعات مع الرهبان أو الراهبات وعدم تقديم أي تبرعات عينية أو مادية إلا من خلال رئاسة الدير أو من ينوب عنها.
12- تفعيل دليل الرهبنة وإدارة الحياة الديرية الذي صدر عن المجمع المقدس في يونيو 2013 وهي مسؤولية رئيس الدير ومساعديه.
- وفي 5 أغسطس 2018، قامت الصفحة الرسمية للمتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية بنشر بيان تُعلن فيه تجريد الراهب أشعياء المقاري، وقالت فيه: "بخصوص الراهب أشعياء المقاري الذي تم تجريده اليوم ننوه إلى أن قرار التجريد تم لأسباب رهبانية بحتة، ولا علاقة للقرار بالتحقيقات التي تجري الآن، والخاصة بموضوع استشهاد نيافة الأنبا إبيفانيوس، ونود أن نوضح أن الراهب المجرد قد سبق وأن تم التحقيق معه من قبل لجنة شؤون الرهبنة والأديرة بداية العام الحالي 2018، وصدر قرار بإبعاده عن الدير لمدة 3 سنوات، وأشارت لجنة التحقيق وقتها إلى عدم التزام الراهب بقانونين من قوانين الرهبنة، هما الطاعة والتجرد ويرفض أن يتولى أي مسؤولية ( داخل الدير) رغم صغر سنه".
- وفي 6 أغسطس 2018، أصدرت نيابة وادي النطرون بيانًا جاء فيه أن الراهب فلتاؤس المقاري أحد رهبان الدير حاول الانتحار بقطع شرايينه وبعد إنقاذ الرهبان له، حاول الانتحار مرة أخرى بإلقاء نفسه من نافذة العيادة الطبية بالدير.
كما تم تسريب أخبار بخصوص محاولة وائل سعد تواضروس (الراهب أشعياء المقاري سابقًا) الانتحار بتناول مبيد حشري. وفي 8 أغسطس، أعلنت مصادر طبية بمستشفى الأنجلو أمريكان إجراء الراهب فلتاؤس المقاري عمليات بالعمود الفِقري والحوض، وتحسن صحته تدريجيًّا، الأمر الذي قد يسمح بالتحقيق معه خلال أيام.
- وفي 9 أغسطس 2018، أعلنت النيابة العامة التحقيق مع 145 راهبًا وأسقفًا بدير الأنبا أبو مقار بوادي النطرون، وأن وائل سعد تواضروس (الراهب أشعياء سابقًا) اعترف بقتل الأنبا إبيفانيوس، واصطحبته النيابة إلى الدير لتمثيل مشهد الجريمة مرة أخرى، وأرشد عن أداة الجريمة، وهي عبارة عن قطعة حديدية، تم العثور عليها في مخزن للخردة بالدير.
ووفقًا لبيان النيابة، تبين محاولة وائل سعد تواضروس الانتحار بتناول مبيد حشري عقب إعلان تجريده من الرهبنة، وقبل عرضه على الطب الشرعي، إلا أنه استخدم أيضًا سكينًا وأحدث إصابة بالعنق من الخلف، الأمر الذي قررت بشأنه النيابة إحالته إلى الطب الشرعي لبيان ما به من إصابات، حيث تبين وجود جروح قطعية وسحجات باليد اليسرى لبيان سببها.
كما جرى التحفظ على الكاميرات بالدير، وفحصها بمعرفة لجنة فنية متخصصة لتفريغ محتوياتها ومعرفة أسباب تعطل بعض الكاميرات داخل الدير، كما استمعت النيابة إلى أقوال الراهب فلتاؤس المقاري في مستشفى الأنجلو أمريكان حيث يرقد بعد محاولة الانتحار.
- وفي 11 أغسطس، قررت النيابة حبس وائل سعد تواضروس 4 أيام على ذمة التحقيق واتهامه بقتل الأنبا إبيفانيوس. وفي اليوم التالي، أمرت النيابة بحبس الراهب فلتاؤس، ونقله من مستشفى الأنجلو أمريكان إلى مستشفى قصر العيني وإبقائه تحت حراسة مشددة.
وأوضحت النيابة أن المتهم أقر بمحاولات سابقه قتل الأنبا إبيفانيوس، حيث حاول مرتين وفشل في المحاولة الأولى، حيث وجد رئيس الدير يصلي، والمحاولة الثانية نام واستيقظ متأخرًا فلم يتمكن من تنفيذ جريمته لأن رئيس الدير كان قد وصل إلى الكنيسة.
وأوضح المتهم أنه في المحاولة الأخيرة كان حريصًا على الاستيقاظ مبكرًا لتنفيذ جريمته في الفترة الزمنية من الساعة الثالثة قبل الفجر وكذا خلال المسافة التي يسير منها رئيس الدير إلى الكنيسة.
وكانت محكمة وادي النطرون قد أمرت بتجديد حبس الراهب المشلوح أشعياء المقاري، 15 يومًا على ذمة التحقيقات. كما واصلت النيابة استكمال التحقيقات وسماع الشهود بعد تفريغ الكاميرات واستدعاء السائق الذي يعمل معه للاستماع إلى شهادته.
- وفي 18 أغسطس 2018، أحال المستشار نبيل صادق النائب العام أوراق القضية التي قيدت برقم 3067 لسنة 2018 جنايات وادي النطرون إلى محكمة الجنايات بالإسكندرية لتحديد جلسة عاجلة لمحاكمة كل من وائل سعد تاوضروس الراهب السابق باسم أشعياء المقاري والراهب فلتاؤس المقاري وبالميلاد ريمون رسمي بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد للأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار بوادي النطرون، وذلك عقب انتهاء نيابة الإسكندرية من تحقيقاتها التي كشفت عن قيام المتهمينِ بقتل الضحية على إثر خلافاتهما معه.
- وفي 24 إبريل 2019، قضت محكمة جنايات دمنهور برئاسة المستشار جمال طوسون وعضوية المستشارين شريف عبد الوارث فارس ومحمد المر، وسكرتارية حسنى محمد عبد الحليم، بالحكم بالإعدام شنقًا على الراهبين، وجاءت جلسة الحكم بعد إحالة هيئة المحكمة المتهمينِ إلى فضيلة مفتى الجمهورية فى شهر فبراير 2019.
قدمت هيئة الدفاع عن الراهبين مذكرة للطعن على الحكم إلى محكمة النقض، ووضعت هيئة الدفاع أسباب النقض على الحكم، ومن أهمها عدم قبول المحكمة الطلبات التي تقدمت بها هيئة الدفاع، وتناقض تقرير الطب الشرعي في واقعة القتل، والإخلال بحق الدفاع، والفساد في الاستدلال، والقصور فى التسبيب، والخطأ فى الإسناد بالنسبة إلى أقوال الشهود. وفي جلسة أمس الأربعاء أيدت محكمة النقض الحكم بالإعدام على المتهم الأول وائل سعد تاوضروس الراهب السابق المسمى باسم أشعياء المقاري وتخفيف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد على الراهب فلتاؤس المقاري، واسمه بالميلاد ريمون رسمي، لاتهامهما بارتكاب جريمة قتل الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار بوادي النطرون.