دليل السائلين عن قضية مودة وحنين: تقرير بشأن الأحكام المشددة ضد صانعات المحتوى على الإنترنت بتهمة الاتجار بالبشر
بيان صحفي
مقدمة
في يوم ٢١ يونيو ٢٠٢١ أصدرت إحدى دوائر محكمة جنايات القاهرة حكمًا بالسجن عشر سنوات غيابيًا ضد حنين حسام، وست سنوات حضوريًا ضد مودة الأدهم، وهما اثنتان من مستخدمات تطبيقات التواصل الاجتماعي المؤثرات (Influencers)، وذلك بتهم الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال وتحريضهم على الانحراف. كما شمل الحكم السجن ٦ سنوات حضوريًا لثلاثة أشخاص آخرين، وغرامة ٢٠٠ ألف جنيه لكل من المتهمين الخمسة.
وفي نهاية يوليو ٢٠٢١، أصدرت المحكمة حيثيات حكمها، والتي جاءت لترسم صورة مفزعة لعصابة للاتجار بالبشر، تسعى عبرها شركات صينية، من خلال مجموعة من العاملين بها من المصريين كوسيط، وباستخدام مؤثرات مثل حنين ومودة، إلى اجتذاب الفتيات بما أسمته تحريات الأمن وحيثيات الحكم أدوات "تحوي في طياتها بطريقة مستترة دعوة للتحريض على الفسق والإغراء بالدعارة".
تلخصت "الأدلة" -التي يفترض بها إثبات استغلال القاصرين أو البالغين- في مجموعة من الفيديوهات التي نشرتها علنًا كل من حنين حسام ومودة الأدهم على حساباتهما على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي اطلع عليها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وتظهران فيها وهما ترقصان مع طفل أو طفلة بشكل لا يحتوي أي إشارات جنسية من أي نوع.
جاء حكم محكمة جنايات القاهرة كتطور صادم لمراقبي أوضاع حقوق النساء والحريات الشخصية والحريات المتعلقة باستخدام الإنترنت في مصر وخارجها. فتوجيه اتهامات الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال في غير محلها لمجرد نشر فيديوهات ترفيهية على أحد تطبيقات الإنترنت يظهر كانتقام مباشر من هؤلاء المؤثرات بعدما كانت محكمة أخرى قد برأت حنين وألغت حبس مودة في تهمة "التعدي على قيم الأسرة" فيما يخص نفس الأفعال التي حكمت محكمة الجنايات بسجنهما المشدد عليها.
ففي ١٢ يناير ٢٠٢١- أي قبل سنة أشهر فقط من صدور حكم الجنايات المشدد- كانت محكمة الجنح الاقتصادية المستأنفة قد حكمت ببراءة حنين حسام وإلغاء عقوبة الحبس على مودة الأدهم بشأن نفس الأفعال وبالاستناد إلى نفس التحريات وأغلب الأدلة المقدمة لاحقًا في محاكمة الاتجار. وانتهى حكم المحكمة الاقتصادية إلى عدم وجود أي دليل على استدراج أي نساء أو فتيات، سواء كن بالغات أو في سن الطفولة، للعمل بأي نشاط جنسي من أي نوع. بل ذكر الحكم بوضوح أن حنين حسام تحديدًا كانت تدعو لعمل شرعي كوكيلة لشركة بيجو المالكة لتطبيق لايكي.
غير أنه النيابة العامة - فور صدور أحكام البراءة والتخفيف في تهم "الاعتداء على قيام الأسرة"- أمرت بحبس نفس المتهمين جميعًا احتياطيًا باستخدام مواد اتهام متعددة من قانون مكافحة الاتجار بالبشر (القانون رقم ٦٤ لعام ٢٠١٠) وقانون الطفل (رقم ١٢ لعام ١٩٩٦ والمعدل برقم ١٢٦ لعام ٢٠٠٨)، وقانون العقوبات. ويوم ١١ مارس ٢٠٢١، أحالتهم جميعًا للمحاكمة أمام محكمة جنايات جنوب القاهرة ليخضعوا لمحاكمة جديدة بشأن نفس الأفعال وبموجب نفس التحريات والأدلة ولكن بتهم جديدة أمام محكمة مختلفة، وهي المحاكمة التي انتهت بأحكام السجن المشددة.
جاءت المحاكمة الجديدة بتهم الاتجار وأحكام الإدانة شديدة القسوة الصادرة عنها لتثير المخاوف مجددًا من خلو القضية بأي شكل من الأشكال من أي أدلة مادية ملموسة على ممارسة المخالفات التي يعاقب عليها قانون مكافحة الاتجار بالبشر؛ بل إن الحكم لا يبدو معنيًا بنصوص المواد القانونية محل الاتهام من الأساس. كما تثير حيثيات الحكم المخاوف من استخدام القضاء في فرض أحكام أخلاقية شخصية على النساء بسبب ملبسهن أو طريقة استخدامهن للإنترنت كمنصة للترفيه أو الربح، وهي أنشطة كلها مشروعة في حد ذاتها ويمارسها الكثير من "المؤثرين الاجتماعيين" داخل مصر وخارجها. إن استخدام اتهامات الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال في غير محلها من أجل "تأديب" النساء أدى إلى إثارة الرأي العام وتضليله وإخفاء طبيعة تلك المحاكمات والتي لا تعدو كونها محاكم تفتيش أخلاقية لهؤلاء النساء في التحليل الأخير.
غير أن لمحاكمة حنين ومودة أهمية خاصة تتجاوز تأثيرها على المتهمين فيها. فاستخدام اتهامات شديدة الجدية والخطورة مثل الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال في غير موضعها له تأثير شديد السلبية على التعامل المجتمعي مع مثل تلك الاتهامات، حيث يقلل من ثقل تلك الأفعال الخطرة في عين الرأي العام. وهو ما يتعارض بدوره مع جهود تبذلها الدولة بالتعاون من منظمات دولية ومحلية للتوعية بجرائم الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال ضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر. لقد جاءت القوانين الخاصة بالاتجار بالبشر وقانون الطفل بعقوبات شديدة الغلظة للتصدي لأفعال محددة تمثل خطرًا كبيرًا على ضحاياها، وليس ليتم استخدامها في غير موضعها لتفقد قدرتها على التصدي لأفعال بتلك الخطورة في مكانها الصحيح.
كما أن هذه القضية تأتي ضمن سياق أوسع من ملاحقة صانعات المحتوى على الإنترنت -وخاصة على تطبيق تيك توك- والتي بدأت بالقبض على حنين حسام في أبريل ٢٠٢٠، ومازالت مستمرة؛ وخلالها تم التحقيق أو توجيه الاتهامات لأكثر من ١٥ امرأة وفتاة على خلفية محتوى نشرنه على الإنترنت، وخاصة على تطبيق تيك توك، وتم توجيه اتهام "التعدي على قيم الأسرة" في كل القضايا التي أحيلت للمحاكمة عقب إلقاء القبض عليهن. قضية حنين ومودة الأولى والتي بدأت أحداثها في أبريل ٢٠٢٠ كانت بادئة نمط جديد لتوجه من النيابة العامة لتجريم أشكال من التعبير على الإنترنت بناءًا على معايير أخلاقية غير محددة من قبل النيابة ولا القانون، وكان النمط الواضح هو استهداف شابات من خلفيات اجتماعية فقيرة أو متوسطة يقدمن محتوى لا يختلف كثيرًا عن محتوى من نساء من طبقات أخرى على الإنترنت ويستمر حتى يومنا هذا بلا ذعر من النيابة. ولكن الذعر من محتوى هؤلاء النساء من تلك الطبقات واحتمالية تربحهن منه فتحا الباب أمام نمط جديد ترسم فيه النيابة لنفسها دورًا مستحدثًا لتنظيم الحياة الخاصة والملبس والتعبير على الإنترنت طبقًا لما تراه النيابة قيمًا وأخلاقًا، يرتكز بصورة أساسية على فرض أنماط محددة من السلوك والملبس على النساء والفتيات بشكل خاص، وبانحياز طبقى واضح يمنع الفقيرات منهن مما يسمح به لمن ينتمين لطبقات أكثر رفاهية، وخاصة على الإنترنت. وبذلك فتحت النيابة لنفسها مساحة جديدة لضبط ما اسمته "الأمن القومي الاجتماعي" والذي تبدو بشائره في قضايا نساء تيك توك منذ العام الماضي وحتى الآن.
يستعرض هذا التقرير وقائع التحقيق مع كل من حنين حسام ومودة الأدهم وثلاثة متهمين آخرين ومحاكمتهم في القضية رقم ٤٩١٧ لسنة ٢٠٢٠ محكمة جنايات الساحل والمقيدة برقم 2106 لسنة 2020 كلي شمال القاهرة. ويستند التقرير لملف القضية من تحريات وتحقيقات، فضلًا عن حضور جلسات المحاكمة، ومراجعة الفيديوهات والأدلة المقدمة في القضية؛ بالإضافة إلى حيثيات كل من حكم محكمة جنايات القاهرة في قضية الاتجار بالبشر، وحكم المحكمة الاقتصادية، والجنح الاقتصادية المستأنفة في قضية "التعدي على قيم الأسرة المصرية"، وبيانات النيابة العامة فيما يخص القضيتين، والمتابعة الإعلامية لتغطية الإعلام للقضيتين.
من تحريك الشفاه إلى قفص المحاكمة: تسلسل الأحداث
حنين حسام ومودة الأدهم شابتان من مستخدمات الإنترنت المؤثرات (influencers) اشتهرتا بتقديم فيديوهات قصيرة على منصة تيك توك منذ عام ٢٠١٨. والتيك توك هو منصة تواصل اجتماعي لمشاركة الفيديوهات القصيرة جدًا، ويشبه تطبيق انستجرام الأقدم، وهو مملوك لشركة بايتدانس الصينية. وبعد انتشاره بقوة في الصين، تم إتاحة التطبيق لبقية الدول في عام ٢٠١٧. وفي عام ٢٠١٨ استحوذت شركة بايتدانس المالكة لتيك توك على تطبيق ميوزكلي، المنافس الرئيسي لتيك توك في حينها، وضمت التطبيقين بمستخدميهما تحت اسم تيك توك.
كانت كل من حنين ومودة تستخدمان التطبيق بصورة أساسية في نشر فيديوهات ما يعرف بتحريك الشفاه lip syncing وهي فيديوهات يحرك فيها المستخدم شفاهه مرددًا كلمات وألحانًا لأغاني متاحة على التطبيق أو مؤديًا مشاهد تمثيلية من أفلام ومسلسلات معروفة. وبخلاف ذلك كانت حنين ومودة تنشران بعض الفيديوهات الطريفة من واقع حياتهما اليومية. تظهر حنين ومودة منفردتين في أغلب هذه الفيديوهات، ولكن في فيديوهات قليلة شاركهما من يبدون كأصدقاء لهما، أو بعض الأطفال. اجتذبت كل من حنين ومودة بشكل مستقل عددًا كبيرًا من المتابعين على التطبيق، بلغ ما يقرب المليون متابع في حالة حنين، وثلاثة ملايين متابع في حالة مودة.
وبداية من نهاية عام ٢٠١٩ على وجه التقريب، بدأ بعض مستخدمي منصات فسبوك ويوتيوب في مشاركة فيديوهات حنين ومودة على تلك المنصات، معبرين عن سخريتهم أو غضبهم من المحتوى في كثير من الأحيان. وفي الربع الثاني من ٢٠٢٠، زاد عدد مستخدمي تطبيق تيك توك بشكل كبير بسبب إجراءات كوفيد-١٩ الوقائية والتي انتهت بقضاء عدد كبير من المواطنين وقتًا أكبر بمنازلهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بالتبعية. كما تغيرت تركيبة مستخدمي التيك توك، فبدأ في استخدامه بعض من مشاهير الصف الأول في مجالات السينما والغناء. وبدأت فيديوهات قدامى مشاهير التيك توك في الانتشار على المنصات الأخرى، بالأساس كمادة للسخرية من صانعيها وخلفياتهم الطبقية والتعليمية، مع التهكم على صغر أعمار مستخدمي تيك توك مقارنة بالمنصات الأخرى. وانتشر بشكل خاص فيديو لحنين حسام تستخدم فيه اللغة الإنجليزية بشكل خاطئ وأصبحت حنين هدفًا دائمًا للسخرية على تلك المواقع.
بعدها بأسابيع انتشر فيديو جديد لحنين، تدعو فيها المستخدمين، فوق سن ١٨ عامًا، لتحميل تطبيق غير مشهور اسمه لايكي، والانضمام لما أسمته وكالتها لتقديم المحتوى عبر هذا التطبيق. وصفت حنين تلك الفرصة بالمخرج من تردي أوضاع العمل في ظل الجائحة وفقدان الدخل، ودعت من لديهم أي موهبة إلى المشاركة في تلك الوكالة وشرحت خطوات الانضمام. أثار هذا الفيديو ردود أفعال واسعة، فشاركه الكثيرون معلقين بأنهم لا يرون حنين حسام مثالًا يحتذى به للشابات مع التشكيك في نواياها من وراء تأسيس تلك "الوكالة". وجاء الفيديو كفرصة مواتية لزيادة فيديوهات التحريض ضد حنين من بعض مستخدمي اليوتيوب من الرجال الذين دأبوا على التعريض بملبس أو سلوك النساء عمومًا، وخاصة مستخدمات التيك توك، في الشهور السابقة لهذا الفيديو.
ويوم ٢ أبريل ٢٠٢٠ قرر محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، تحويل حنين حسام، الطالبة بالجامعة بكلية الآثار، للتحقيق. ومستبقًا لنتيجة التحقيق، صرح الخشت بأن الجامعة ستتخذ أقصى العقوبات ضد حنين والتي قد تصل للفصل النهائي من الجامعة بدعوى أن الفيديو الذي نشرته بصفتها الشخصية -والذي لم تذكر فيه ارتباطها بالجامعة- لا يليق بمكانة طالبة بجامعة القاهرة ويتنافى مع القيم والتقاليد الجامعية. وبرر لاحقًا أحمد رجب، عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة، التحقيق مع حنين بأن الجامعة لا تقدم التعليم فقط، إنما "تقدم العلم والأدب".
يوم ٢١ أبريل ٢٠٢٠ أعلنت صفحة النيابة العامة المصرية على فيسبوك أن النائب العام أمر بالتحقيق مع حنين حسام بدون تحديد الاتهامات أو موضوع التحقيق. وكشفت محاضر التحقيقات لاحقًا -والتي اطلع عليها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- أن "إدارة البيان والتوجيه والتواصل الاجتماعي" بمكتب النائب العام كانت قد أحالت في ١٩ أبريل ٢٠٢٠ تقريرًا بعنوان "شكوى تداولت بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي" إلى نيابة استئناف القاهرة تطلب منها اتخاذ اللازم قانونًا نحو تحقيق الواقعة، بناءً على ما اسماه التقرير "ردود أفعال المشاركين بالمواقع [وسائل التواصل] حول ما دعت له الفتاة والذين طالبوا النائب العام بالتحقيق معها".
وفي يوم ٢١ أبريل ٢٠٢٠، نشرت الصفحة الرسمية للنيابة العامة على فيسبوك خبرًا بأمرها بالتحقيق مع حنين حسام، بعد أن ألقي القبض عليها في صباح نفس اليوم في تمام الساعة السابعة صباحًا.
وفي يوم ٢٢ أبريل ٢٠٢٠ أصدر تطبيق تيك توك بيانًا رسميًا تم تداوله إعلاميًا، ينفي فيه مسؤوليته عن أي محتوى منشور عليه، مؤكدًا على أن إرشادات مجتمع تيك توك"تعكس [..] مبادئنا ومبادئ المجتمع وتحدد قواعد السلوك المقبولة على المنصة، التي ترحب وتسمح فقط بالسلوكيات المقبولة اجتماعيًا".
في يوم ٢٣ أبريل ٢٠٢٠ أصدرت النيابة العامة بيانها الأول (من ١٣ صفحة) عن حنين حسام. برر البيان القبض على حنين بما أسماه "الحفاظ على الأمن القومي الاجتماعي بكل صوره"، ثم حدد الاتهامات الموجهة لحنين كالتالي: الاعتداء على مبادئ وقيم الأسرة المصرية، وإنشاء وإدارة حساب على الإنترنت بهدف ارتكاب الجريمة السابقة، وارتكاب جريمة الاتجار بالبشر باستخدام فتيات في أعمال منافية لمبادئ وقيم المجتمع للحصول على منفعة مادية بالتعاون مع آخرين في "جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر". ثم اتهم البيان حنين حسام بـ"الدعوة المباشرة من المتهمة للفتيات بارتكاب أعمال مخالفة للآداب العامة" بدعوى أن المحادثات بين النساء والرجال التي تحدث على المنصات ستؤدي إلى "أحاديث غير سوية بين الفتيات والرجال وعقد وترتيب لقاءات جنسية مؤثمة بينهم في غرف مغلقة للتحاور تنتهي إلى تحريض على الفسق". واعتبرت النيابة أن الأدلة على أفعال حنين هي مقاطع وصور "قامت فيها بالرقص والغناء بطريقة مثيرة تلفت الأنظار إليها من أجل تسجيل نسب مرتفعة للإعجاب بها والمتابعة لما تنشره". وادّعى البيان أن حنين كان تدعو "الفتيات -البالغات والقصر" للمشاركة، رغم أن البيان يذكر بوضوح -وهو ما يتوافق مع المقطع المشار إليه- أن حنين "دعت المستخدمين فوق ١٨ عامًا فقط للانضمام لمجموعتها واشترطت تقديم الرقم القومي الشخصي، وفي حالة مشاركة الأطفال وجب موافقة ذويهم". وأعلنت النيابة في البيان قرارها باستمرار حبس حنين حسام مع استمرار التحقيقات، وإخطار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لاتخاذ خطوات لحجب حساب حنين طبقًا للمادة ١٩ من قانون ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ لتنظيم الصحافة.
وفي يوم ٢٧ أبريل وصفت تحريات إدارة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر عشرة أفراد -بخلاف حنين حسام- بكونهم أفرادًا بجماعة إجرامية للاتجار في البشر. وكان قد تم إلقاء القبض على أربعة أفراد آخرين -بخلاف حنين حسام- في الأيام السابقة، وأمرت النيابة، بحبس فردين منهم (مصريين) وإخلاء سبيل اثنين آخرين (صينيين) تصفهما التحريات بكونهما زعماء "الجماعة الإجرامية" بكفالة ٢٠ ألف جنيه. كما أمرت بضبط وإحضار مودة الأدهم. ولا يوجد رابط واضح لعلاقة التحقيق مع حنين حسام، بضبط وإحضار مودة الأدهم لعدم مشاركة مودة في الفيديو محل التحقيق، ولكن بمطالعة ردود الأفعال من المعلقين على بيان النيابة العامة على صفحتها الرسمية على فيسبوك، يتضح تكرار اسم مودة الأدهم من المعلقين بصفتها من مستخدمات تيك توك الشهيرات، مشجعين النيابة على الأمر بإلقاء القبض عليها بدون توضيح لأية اتهامات محددة أو أية جريمة قد تكون ارتكبتها.
نموذجين من التعليقات المتكررة على بيان النيابة العامة يوم ٢٣ أبريل ٢٠٢٠ بخصوص حنين حسام على صفحة النيابة الرسمية على فيسبوك
وفي ١٥ مايو تم القبض على مودة الأدهم، وأعلنت النيابة أمرها بحبسها على ذمة التحقيقات في نفس القضية التي تحقق فيها النيابة مع حنين حسام. واتهمت النيابة في بيانها مودة بتهمتي التعدي على "قيم الأسرة المصرية"، واستخدام حساب إلكتروني لارتكاب الجريمة.
في يوم ١٠ يونيو، أحالت النيابة خمسة متهمين للمحكمة الاقتصادية: حنين حسام ومودة الأدهم وثلاثة آخرين هم محمد زكي وأحمد صلاح الموظفين بشركة بيجو، ومحمد علاء وهو مدير حسابات مودة الأدهم. واتهم الرجال الثلاثة بالاشتراك والمساعدة لحنين حسام ومودة الأدهم في ما اتركبتاه من "جرائم". اتهمت النيابة حنين حسام بالتعدي على "قيم الأسرة المصرية" بنشرها صورًا ومقاطع مخلة وخادشة للحياء العام على حساباتها الشخصية على شبكة المعلومات، "حيث قامت بالإعلان عن طريق حساباتها لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات -البالغات والقاصرات على حد سواء- ليلتقوا فيها بالشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة مقابل حصولهن على أجر يتحدد بمدى اتساع المتابعين لتلك المحادثات التي تذاع للكافة بدون تمييز". كما اتهمتها كذلك "بإنشاء وإدارة حسابات خاصة على شبكة المعلومات تهدف إلى ارتكاب جريمة". وبالمثل اتهمت مودة الأدهم "بالتعدي على قيم الأسرة المصرية بنشرها صورًا ومقاطع مخلة وخادشة للحياء العام على حساباتها الشخصية على شبكة المعلومات، وإنشاء وإدارة حسابات خاصة على شبكة المعلومات تهدف إلى ارتكاب جريمة".
أما المتهمون من الرجال فقد وجهت النيابة لاثنين منهم اتهامات "الاشتراك عن طريق المساعدة مع مودة الأدهم في الاتهامين الموجهين إليها". ووجهت للمتهم الثالث اتهامات "إدارة حساب مودة الأدهم بهدف تسهيل التعدي على قيم الأسرة المصرية وحيازة برامج مصممة بدون تصريح من جهاز تنظيم الاتصالات، والاشتراك عن طريق المساعدة مع مودة الأدهم في التعدي على قيم الأسرة المصرية، وإعانة مودة الأدهم على الفرار، ونشر أمور من شأنها التأثير على الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى" والمقصود بها النشر على حساب مودة الأدهم بعد إلقاء القبض عليها للإيحاء بأنه لم يتم القبض عليها بعد.
وبتاريخ 18 أغسطس 2020 حكمت الدائرة (27) شمال بمحكمة جنايات القاهرة بتأييد قرار بمنع كل من حنين ومودة من التصرف في أموالهما.
كان من الملفت أن تحريات وزارة الداخلية أشارت لقيام 11 شخصًا بتكوين "جماعة إجرامية منظمة تعمل في العديد من الدول"، تشمل كلًا من حنين ومودة، تخصصت في استقطاب واستغلال الفتيات والاتجار بالبشر. وبينما حققت النيابة مع العشرة المذكورين، فإنها لم توجه الاتهام إلا لخمسة منهم، واستبعدت ستة آخرين، هم أربعة من غير المصريين من إدارة شركة bigo limited ومقرها الصين وفرعها المباشر بسنغافورة وهي الشركة المالكة لتطبيق likee ، بالإضافة لمصري واحد هو مدير إدارة التشغيل بالتطبيق وشخص آخر كان يساعد في إعداد الفيديوهات لتطبيق لايكي. وفي المجمل لم تحل النيابة أيًا من المديرين بشركة بيجو المحدودة للمحاكمة.
وفي ٣٠ أغسطس ٢٠٢٠، التقى النائب العام بسفير الصين بالقاهرة وتضمن النقاش الحديث عن قضية حنين حسام، وأكد السفير الصيني في اللقاء "تفهم شركة بيجو الصينية للجرم المرتكب منها واحترامَ أحكامِ القضاء الصادرة ضدَّها، كما أكد أن الشركة الصينية تلتزم بكافة الإجراءات القانونية المصرية وعادات وتقاليد المجتمع المصري، وأن كل دورها توفير منصة للتواصل الاجتماعي، وأنها علمت من خلال التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة الأفعالَ التي قد تُشكل جُرمًا في القانون المصري، وأنها ستراجع مستقبلًا ما يُنشر على مِنصتها."
في ٢٧ يوليو ٢٠٢٠ صدر الحكم في الدعوى رقم ٤٧٩ لسنة ٢٠٢٠ جنح المحكمة الاقتصادية بحبس المتهمين الخمسة سنتين لكل منهم وتغريم كل منهم ٣٠٠ ألف جنيه مصري، وذلك طبقًا للمادة ٢٧ من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لكل من حنين حسام ومودة الأدهم ومتهمين آخرين، وطبقًا للمادة ٢٢ من نفس القانون للمتهم الخامس.
وفي ١٢ يناير ٢٠٢١ صدر حكم الاستئناف في القضية بقبول الاستئناف لكل المتهمين، وبراءة حنين حسام من التهم الموجهة إليها، وكذلك براءة متهمين آخرين، وإلغاء حكم الحبس ضد مودة الأدهم ومتهم آخر والإبقاء على الغرامة لهما فقط. وجاء في نص الحكم استناده لعدم اقتناع المحكمة بما قدمته النيابة من أدلة وتحريات بخصوص دعوة حنين حسام لآخرين لارتكاب أفعال منافية للآداب العامة.
في اليوم التالي لصدور حكم الاستئناف، أحالت النيابة المتهمين الخمسة أنفسهم للمحاكمة باتهامات جديدة هي الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال، في القضية رقم ٤٩١٧ لسنة ٢٠٢٠ محكمة جنايات الساحل والمقيدة برقم 2106 لسنة 2020 كلي شمال القاهرة. وجاءت مواد الاتهام كالتالي:
من قانون العقوبات: مواد وصف الاشتراك في الجريمة: مادة ٤٠ (ثانيًا وثالثًا). مادة ٤١ (١)، والمادة الخاصة بحماية الأطفال من الاستغلال مادة ٢٩١ (١،٢،٣)
ومن قانون مكافحة الاتجار بالبشر ٦٤ لعام ٢٠١٠: مواد التعريفات الخاص بالاتجار بالبشر: مواد ١،٢،٣،٤. ومواد تحديد العقوبات الخاصة بكل فعل: ٥، ٦/٦، والمادة الخاصة بعقوبة المصادرة للأموال مادة (١٣).
من قانون الطفل رقم ١٢ لعام ١٩٩٦ المعدل في عام ٢٠٠٨: مادة ٢ جزء ١ الخاص بتعريف الطفل. والمادة ٨٩ الخاصة بحظر نشر مواد تحرض الطفل على الانحراف، وتعريف أشكال الخطر التي قد يتعرض لها الطفل في المادة ٩٦ (١،٦،١٠)، ومادة ١١٦ تغليظ العقوبة في حالة وقوع الجريمة من بالغ على طفل، والمادة التي تعاقب على بث أعمال إباحية يشارك فيها أطفال ونشر مواد بصرية تحرض الأطفال على الانحراف ١١٦ أ (١،٢ ب).
وفي يوم ٢١ يونيو ٢٠٢١، حكمت الدائرة 15 جنوب بمحكمة جنايات القاهرة بمعاقبة حنين حسام غيابيًا بالسجن المشدد عشر سنوات، ومودة الأدهم والمتهمين الثلاثة الآخرين حضوريًا بالسجن المشدد ست سنوات، وغرامة ٢٠٠ ألف جنيه لكل من المتهمين الخمسة.
وبعد صدور الحكم الغيابي ضدها، تم إلقاء القبض على حنين حسام يوم ٢٢ يونيو ٢٠٢١، وحتى اليوم لم يحدد بعد ميعاد جلسة إعادة إجراءات محاكمتها حضوريًا.
سؤال وجواب: قراءة في ملف قضية الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال
هل احتوت أوراق القضية على أي شبهة لوجود عمل في الجنس أو تشجيع الآخرين على العمل في الجنس ؟
لا يوجد في أي من أوراق القضية أو في شهادات الشهود ما يثبت أو حتى يوحي بأن هناك أي عمل في الجنس قد جرى أو تم الاتفاق عليه أو حتى تم النقاش حوله.
وكما جاء في حكم المحكمة الاقتصادية بدرجة الاستئناف والمذكور سابقًا، فدعوة حنين حسام للعمل في تطبيق لايكي كانت بناءًا على اتفاق مسبق مع العاملين في التطبيق بشهادة مديري الشركة الصينيين والذين أقروا بأن حنين كانت تنهي إجراءات التعاقد معهم، وأن نص إعلانها للتعاقد في الفيديو المنتشر تم الاتفاق عليه مع إدارة التطبيق طبقًا للمحادثات. وبين دعوتها العلنية للعمل في التطبيق، والنقاشات في جروب واتساب الذي كان يتم التواصل من خلاله مع المهتمين بالعمل، لا يوجد أثر لأي اتفاق مخالف لما جاء في صريح عبارة الدعوة للعمل "كمذيعات بالتطبيق" الواردة في الفيديو، والتي وصفتها حيثيات حكم المحكمة الاقتصادية بأنها كانت "تدعو للعمل فقط".
أما في شهادات الشهود كما وردت في أوراق القضية وكما رواها الشهود أثناء جلسات المحاكمة العلنية، فجاءت شهادة الطفل الأصغر سنًا الذي ظهر مع مودة الأدهم في بعض الفيديوهات -والذي طلبته المحكمة للاستدلال- بأنه كان يذهب لزيارة مودة الأدهم لأنها جارته فقط.
وفيما يخص حنين حسام، تستند الاتهامات الموجهة ضدها في التحقيقات إلى وجود ثلاثة من المجني عليهن -أي من المفترض أنه قد تم الاتجار بهن- ولكن تحقيقات النيابة مع اثنتين منهن تشير بوضوح إلى أنهما لم تقوما بإنشاء حسابيهما على تطبيق لايكي بناءً على طلب أو نصيحة أي من المتهمتين، وتوضح أنهما عملتا بالتطبيق لمدة شهر واحد فقط نشرتا فيه عدة فيديوهات تحتوي على غناء ورقص، وأنهما كانتا تفعلان ذلك بغرض التسلية بشكل أساسي مثل استخدامهما لأي تطبيق آخر من تطبيقات التواصل الاجتماعي، وأنهما لم تتعرضا للاستغلال بأي شكل. أما "المجني عليها" الثالثة المفترضة -وهي تحت سن ١٨- فقد جاء في قرار الإحالة أن أقوالها لا تختلف تقريبًا عن أقوال الأخريين باستثناء أنها فقط راسلت جروب الواتساب ولكنها لم تعمل بتطبيق لايكي في أي وقت.
وبالاطلاع على الأسئلة الموجهة للشهود في تحقيقات النيابة وإجاباتهم عليها -وهم الذين يفترض كونهم شهود إثبات على اتهامات الاتجار بالبشر- نجد أن جميعهم أنكروا وجود أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي. والاستثناء الوحيد لهذا الجواب كان من والد إحدى الفتيات الذي ذكر أنه منع ابنته من استخدام لايكي رغم معرفة والدتها باستخدامها للتطبيق.
وبعكس الكثير من الأخبار الملفقة والتي نشرتها بعض وسائل الإعلام، فقد خلت المحاكمة من سماع أي شهود من "المجني عليهم" سوى سماع المحكمة لشهادة طفل في السابعة من عمره على سبيل الاستدلال. وهي الشهادة التي اقتصرت على قول الطفل إن مودة الأدهم هي جارته ولذلك كان يظهر في فيديوهات معها. وكان والده قد أوضح في التحقيقات أن مودة صديقة للأسرة وأن الأسرة هي من طلبت من مودة ظهور الطفل معها لمساعدته على تجاوز خجله وأنه لم يتم استغلال الطفل بأي شكل.
هل توجد في أوراق القضية أي شبهة استغلال جنسي لأطفال؟
لا يوجد ما يمكن وصفه باستغلال جنسي للأطفال في ملف القضية. ولو اعتبرت المحكمة والنيابة العامة أن مجرد التكسب من وراء مشاركة فيديوهات عادية لأطفال على منصة من منصات التواصل الاجتماعي هو فعل غير قانوني، فما هذا إلا مغالاة في التفسير لنص المادة المستخدمة من قانون الطفل. وإذا تم التوسع في استخدام ذلك التفسير فسيترتب عليه تجريم الكثير من النشاطات التي يقوم بها الكثيرون من مستخدمي تطبيقات التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة وانتشارًا، بل والكثير من الأعمال الفنية والإعلانية..
هل ظهور الأطفال في فيديوهات غير ذات محتوى جنسي دعوة للانحراف؟
تفتقر أي من الأدلة أو الشهادات المقدمة في المحكمة لأي دليل على أي شيء يمكن وصفه بأي حال كاستغلال جنسي للأطفال. ويستند اتهام النيابة إلى الفقرة ب من المادة ١١٦ مكرر أ والتي تجرم "استخدام الحاسب الآلي أو الانترنت أو شبكات المعلومات أو الرسوم المتحركة لتحريض الأطفال علـي الانحراف أو لتسـخيرهم فـي ارتكـاب جريمـة أو علـى القيـام بأنشطة أو أعمال غير مشروعة أو منافية للآداب ، ولو لم تقع الجريمة فعلاً." نستخلص إذًا من هذا الاتهام أن النيابة تدعي أن الفيديوهات المنشورة تمثل استغلالًا للأطفال بمعنى تحريضهم على الانحراف أو القيام بأعمال منافية للآداب العامة. ولكن بمطالعة الفيديوهات كما كانت متاحة على الإنترنت وكما عرضت في قاعة المحكمة، وجدنا أنها لا تنطوي على أية مخالفات للآداب العامة حتى بأكثر تعريفات "الآداب العامة" اتساعًا، وهي لا تختلف في محتواها عن الكثير من المحتوى المتاح أيضًا على الانترنت عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة والتي يقوم برفعها مستخدمون من داخل مصر سواء على سبيل التسلية أو في سياق أعمال دعائية وفنية مختلفة.
هل تعرض أي أطفال للخطر؟
جاء تقرير المجلس القومي للطفولة والأمومة ليشير لأن مشاركة الأطفال مع مودة الأدهم في فيديوهات هي خطر عليهم لأنها تبعدهم عن الأنشطة الهادفة وتشجعهم على الأنشطة غير الهادفة. كما أشار التقرير لفيديو لمودة الأدهم مع فتاة في الثالثة عشر تضحكان فيه لأن الفتاة تقول إنها في علاقة عاطفية مع فتى وتوجه مودة رسالة مازحة للجمهور بأن من هم تحت السن القانونية ارتبطوا في علاقات عاطفية بينما الراشدون مازالوا وحدهم. إن اعتبار الرقص - والذي لا يحتوي على أي إيحاء جنسي ويشابه رقص الأطفال في أي حفلة عائلية أو اجتماعية - تحريضًا على الانحراف أو أفعالًا منافية للآداب يعبر عن نظرة شديدة الانغلاق من النيابة والمحكمة، فهي نظرة لا تأخذ في الاعتبار حتى حقائق الحياة اليومية للمصريين، وشيوع الرقص فيها كشكل من أشكال الترفيه والاحتفال، فضلًا عن شيوع فيديوهات تحتوي على رقص وغناء لمستخدمين من فوق ومن تحت سن الطفولة (18 عامًا) على كافة منصات التواصل الاجتماعي، فهو نشاط طبيعي لا يمكن اعتباره في حد ذاته عملًا منحرفًا. وبالتالي فافتراض أن إظهار فتاة في سن الثالثة عشر تتحدث بشكل ساخر عن علاقة عاطفية أو أطفال في فيديو راقص هو تحريض على الانحراف أو أفعال منافية للآداب يعتبر إدعاءً بلا أي دليل يدعمه، وفي جوهره هو محاولة لتلبيس حكم أخلاقي مجرد ثوب رفيع جدًا من القانون.
وقد تكرر في شهادات الأطفال وأولياء أمورهم أنهم هم من سعوا للتصوير مع كل من حنين حسام ومودة الأدهم ولم تبادر المتهمتان بذلك. ففي إحدى الحالات كان الطلب من طرف الطفلة وكانت هي من نشرت الفيديو على حسابها الشخصي. وفي حالة الطفل الأصغر سنًا (٧ سنوات)، جاء في أقوال ولي أمره أن الفيديو تم تصويره بطلب من الأسرة التي تعرف مودة بشكل شخصي بحكم الجيرة، وأن مودة لم تسع لتصوير هذه الفيديوهات بل صورتها بناء على طلب الأسرة بصفتها جارة وصديقة للأسرة. وأكد ولي الأمر أن مودة لم تستغل الطفل بأي شكل. ومن الملفت أيضًا أن المحكمة رفضت سماع شهادة الأم في المحاكمة رغم طلب محامي الدفاع لذلك، وبالرغم من أن المحكمة استمعت لشهادة الطفل -ذو السبعة أعوام- من باب الاستدلال!
هل التكسب من فيديوهات يظهر فيها أطفال يعد استغلالًا ماديًا؟
دفعت النيابة بأن مودة وحنين قد تكسبتا من تلك الفيديوهات التي يظهر بها الأطفال وبأن ذلك يمثل استغلالًا ماديًا للأطفال، رغم ما ذكرناه من موافقة أسرهم في أحيان على هذا الظهور وعدم احتواء المنتج النهائي على أي فعل لا يتناسب مع أعمارهم. بل وأن بعض تلك الفيديوهات منشورة من حسابات الأطفال الشخصية وليس حسابات حنين أو مودة. لو التزمت المحاكم بادعاء النيابة بأن ما جاء في المحتوى المنشور على حسابات المتهمتين يعد شكلًا من الاستغلال، فسيترتب على ذلك -عمليًا- تجريم كل عمل فني يظهر فيه طفل. ولن يتوقف الأمر على الأعمال الدعائية المنشورة على منصات التواصل أو التطبيقات الشبيهة بتيك توك ولايكي، ولكنه سيشمل أي عمل به محتوى مشابه مثل المسلسلات التلفزيونية أو الإعلانات أو أي فيديو على الانترنت.
إن هذا النوع من الممارسات القضائية يفرغ مواد قانون الطفل من معناها، فبدلًا من أن يجرم القانون استغلال الأطفال بأشكال مضرة لهم، يصبح في تفسير النيابة واستخدامها له قانونًا مجرمًا لمشاركة أي طفل في أي فعل قد يترتب عليه منفعة مادية لأي طرف، وبذلك قد يجرم كل برنامج يظهر فيه أطفال، أو إعلان به طفل، وهو ما لا يعقل وما سيعني -عمليًا- أن هذا التفسير المغالي لمواد قانون الطفل سيستخدم بشكل تمييزي لمعاقبة أشخاص بعينهم لأسباب لا تتعلق باستغلال الأطفال، في حين يسمح للسواد الأعظم من صناع المحتوى والقائمين على صناعات الإعلام والترفيه بالاستمرار في تقديم نفس المحتوى الذي لم يكن يومًا مجرمًا والذي ﻻ ينبغي أبداً أن يكون مجرمًا.
هل توجد أدلة على إبرام اتفاقات على أفعال غير قانونية بجروب الواتس اب الخاص بوكالة لايكي، أو أية أدلة على فعل "التحريض"؟
أولًا، لا تحتوي الاتهامات في هذه القضية على أي مواد من قانون مكافحة الدعارة رقم ١٠ لعام ١٩٦١. ثانيًا، بخصوص الأدلة، يمكن العثور على إجابة واضحة وقاطعة عن هذا السؤال من نص حكم محكمة الاستئناف الاقتصادية:
"وعليه من مضمون تلك الرسائل جميعًا والسابقة على تاريخ واقعة ضبط المتهمة، فلم يتطرق حديث الأخيرة والمتحدث معهم عن عقد لقاءات مخلة بالآداب للفتيات وأن فكرة عمل المتهمة لدى شركة لايكي موجودة بالفعل من واقع سؤالها عن شروط ومتطلبات ورواتب العمل والمطلوب من الفتيات التي قامت بدعوتهن بالفيديو محل الاتهام. وكذلك من واقع أقوال المسؤولين بتلك الشركة بتحقيقات النيابة العامة...ويحمل كلا منهما الجنسية الصينية وقد جاء مضمون شهادتهما والتي تطمئن إليها المحكمة، بأن المتهمة كانت في سبيلها للتعاقد مع الشركة لإبرام وكالة وذلك عقب قيامها بالمطلوب منها وهو تجهيز شباب للعمل بتلك الشركة كمذيعين، وتجهيز أوراق بنكية. ولا ينال من ذلك ما جاء بتحريات جهة البحث بالإدارة العامة لحماية الآداب وتحريات إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر...من أن المتهمة تدعو الفتيات لتكوين صداقات مع الرجال وتمارس أعمال التحريض على الفسق والفجور لكون تلك التحريات قد جاءت بدون دليل بالأوراق ومخالفة لعبارات المتهمة الواضحة بالفيديو وإرادتها الصريحة التي تدعو للعمل فقط. ولم يقدم بالأوراق أدلة قاطعة وجازمة تفيد عكس ما قررته المتهمة بالفيديو أو بمضمون أحاديثها مع موظفي شركة لايكي...ومن ثم لا تطمئن المحكمة لتلك التحريات وشهادة من قاموا بإجرائها بشأن ما تقدم".
استخدام صور مسربة كجزء من "الأدلة" ضد مودة الأدهم
رغم عدم وجود أي محتوى جنسي في الفيديوهات المنسوبة لحنين أو مودة، فقد جاءت بين الأدلة المقدمة من النيابة العامة -مرتين أمام محكمتين مختلفتين وباتهامات مختلفة- صور شخصية لمودة الأدهم كانت قد سُربت على الإنترنت منذ سنوات وتم استخدامها للتشهير بها. وجاء في التحقيقات مع مودة أن تلك الصور قد سربت من تليفونها الشخصي بعد سرقته منذ سنوات وهو ما قامت بالإبلاغ عنه حينها ببلاغ رسمي موثق، وأنها عانت لسنوات من استخدامها للتشهير بها. وبالرغم من ذلك، وعلى الرغم من أن مودة لم تقم بنشر أي من تلك الصور المسروقة على أي من حساباتها الشخصية في أي وقت، فقد قدمتها النيابة كأدلة اتهام ضدها! واستخدمتها المحكمة الاقتصادية في الدرجة الأولى كدليل إدانة قبل إلغاء الحكم في درجة الاستئناف. وهو ما أثار جدلًا كبيرًا حول استخدام مادة -هي في حقيقة الأمر مادة مسربة تم الحصول عليها أو تسريبها بشكل يعاقب عليه القانون وبهدف ابتزاز النساء وهي ممارسة إجرامية متكررة في مصر- كدليل من قبل النيابة ضد السيدة نفسها التي ارتكب الجرم في حقها! وهذا بدلًا من إحالة الموضوع للتحقيق فيه لكون مودة مجنيًا عليها في الأصل. وقد جاءت حيثيات حكم محكمة الاستئناف السابق على حكم الجنايات لترفض الأخذ بتلك الصور ضمن الأدلة ضد مودة الأدهم، لأن النيابة لم تقدم دليل فحص فني يفيد بمسؤولية مودة الأدهم عن نشر أي من تلك الصور.
هل تحتوي أوراق القضية على أي فعل يمكن تعريفه بالاتجار بالبشر؟
لا تتحقق الشروط الثلاثة اللازمة لجريمة الاتجار بالبشر كما جاء في أوراق القضية. فما رأت المحكمة الاقتصادية في حكمها المذكور أنه لا يرتقي لأن يكون تعديًا على قيم الأسرة، أو ارتأت أنه لا يستحق الحبس، لا يعقل أن يرقى للاتجار في البشر وهي الجريمة شديدة التحديد والوضوح في القانون المصري.
ما هو الاتجار بالبشر؟
قانون الاتجار بالبشر رقم ٦٤ لعام 2010 جاء ليتصدى لأشكال مختلفة من الجريمة المنظمة للاتجار في البشر بغرض الاستغلال الجنسي أو العمل المنزلي وتجارة التزويج المؤقت لمصريات -من القاصرات في أحيان كثيرة - لأثرياء من الخليج بالبيع. وقد كانت مصر قد بدأت في التحول لمحطة مهمة في المنطقة للاتجار بالبشر في فترة إعداد وإقرار القانون. تُعرف المادة الثانية من القانون فعل الاتجار بالبشر بثلاثة شروط/عناصر: فعل الاتجار، واللجوء لوسائل معينة معرفة بدقة في القانون من أجل إتمام فعل الإتجار، وأن يكون كل ذلك بقصد الاستغلال والذي يعرف القانون أشكاله بدقة والذي بدونه لا تكتمل أركان جريمة الاتجار بالبشر.
أما عن فعل الاتجار فتعريفه هو البيع أو العرض للبيع أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء داخل البلاد أو عبر حدودها -والمقصود هنا هو القيام بهذه الأفعال تجاه بشر. وأما عن الوسائل المستخدمة لتحقيق فعل الإتجار حسب تعريف القانون فتشمل استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الاحتيال أو الاختطاف، ويقصد بالاستغلال -الركن الثالث في الجريمة- الاستغلال الجنسي أو الاستخدام في مواد إباحية أو السخرة أو الاسترقاق، أو التسول أو استئصال الأعضاء البشرية. وفي حال كان المجني عليه/ا طفلًا/ة لا يعتد بموافقتهم (أي أن أركان الجريمة لا تزال قائمة بغض النظر عن موافقة الطفل من عدمها). ويمكن مطالعة التعريفات كاملة في نص المادة 2 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010.
هل تتوافر شروط تحقق فعل الاتجار بهذه القضية؟
كما أوضحنا أعلاه، بنص قانون الإتجار ينبغي توافر العناصر الثلاثة المفصلة في المادة الثانية لوقوع الجريمة، ولذلك تأتي العقوبات في هذا القانون أشد كثيرًا من غيرها من المواد القانونية التي تجرم نفس الأفعال لو لم تتوافر فيها العناصر الثلاثة.
ولكن هذه القضية في حقيقة الأمر لا يتوافر فيها أي من شروط وقوع الجريمة. وبسبب كون المجني عليهم المفترضين من الأطفال، لا يحتاج الاتهام إلى توافر العنصر الثاني المتعلق بالوسيلة لعدم اعتداد القانون بموافقة الطفل تحت أي ظرف، وبذلك يظل لدينا شرطان ضروريان لتحقق جريمة الاتجار: الشرط الأول هو فعل الاتجار نفسه، وهو يفترض وجود شخص عارض للبشر محل الاتجار، وفعل العرض نفسه، ومتلقٍ أو مشترٍ أو متعامل بالبشر، وهو ما لا يتحقق بأي شكل في الأفعال الموصوفة من النيابة نفسها في صحيفة الاتهام. وبالنسبة للشرط الثالث، فلا يتحقق فعل الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الاسترقاق أو التسول أو سرقة الأعضاء البشرية أو الاستخدام في مواد إباحية.
وجاءت حيثيات حكم الإدانة لتغالي في توصيف ما يمكن أن يعتبر طبيعة إباحية للمحتوى، فلا يرجع الحكم لأي تعريف قانوني مستقر لماهية تلك الإباحية، بل يصف رقص فتيات أو فتيان بكونه إباحيًا فقط لكونه لا يتفق مع ذائقة المحكمة. فالتعريف الوحيد المتفق عليه قانونًا للإباحية في السياق المصري، ولخلو التشريعات المحلية من أي تعريف لها فيما يخص قانون الاتجار بالبشر، أو قانون الطفل، هو الذي يأتي يأتي في "البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء" -والذي وقعت مصر عليه في عام ٢٠٠٢ وطبقًا للمادة ٩٣ من الدستور أصبحت له قوة القانون متى تم التصديق عليه ونشره- ويعرف الإباحية بوضوح تام في المادة الثانية منه : "(ج) يُقصد باستغلال الأطفال في المواد الإباحية تصوير أي طفل، بأي وسيلة كانت، يمارس ممارسة حقيقية أو بالمحاكاة أنشطة جنسية صريحة أو أي تصوير للأعضاء الجنسية للطفل لإشباع الرغبة الجنسية أساسا."
هذا التعريف لا يتفق بأي حال من الأحوال، وحتى بأي تساهل في فهمه، مع أي من الفيديوهات محل الاتهام لكل من حنين حسام أو مودة الأدهم والثلاث المتهمين بالتعاون معهم بالاتجار بالبشر واستغلال الأطفال. مما يعني أن الحكم يناقض النص التعريفي الواضح، بدون الاستناد على أي نص أو تعريف أو حكم سابق من محكمة النقض كمثال، بل يستند بكل بساطة لموقف أخلاقي من هذا المحتوى حتى لو كانت لا توجد به أي شبهة استغلال أو اتجار بالبشر.
بالنظر إلى وقائع القضية فلا محل على الإطلاق لاستدعاء قانون مكافحة الاتجار بالبشر. بل يبدو أن النيابة رأت في قانون الاتجار بالبشر فرصة لإثارة الذعر في المجتمع وكسب التأييد لملاحقة هؤلاء المؤثرات لأسباب أخرى. كما يبدو أن النيابة ارتأت أن ذكر حنين حسام لعبارة "احتياج الشباب للعمل أثناء أوائل أزمة كورونا" كمدخل لدعوتهم للعمل في لايكي يمكن اعتباره استغلالًا للحاجة والضعف والوعد بالأموال، وهو ما يعتبر ليًا لعنق المادة القانونية من أجل تلبيس الفعل رداء الجريمة. فلا يمكن أن نعتبر كل من يتحدث عن الاحتياج للعمل مستغلاٌ للحاجة أو للضعف! ولم يتم سن هذا القانون والقوانين المماثلة في باقي دول العالم من أجل التعامل مع أفعال كتلك التي قررت النيابة معاقبتها في هذه القضية.
لو افترضنا جدلًا وجود استغلال جنسي، هل تعتبر حنين ومودة من المتهمات أم الضحايا؟
لو افترضنا جدلًا أن ظهور الأفراد في فيديوهات ذات محتوى ترفيهي هو شكل من أشكال الاستغلال الجنسي، ولو فرضنا جدلًا أن التعامل بالبشر يحدث بدون حدوث عملية العرض و الشراء وما شابهها وبدون توافر باقي أركان الجريمة كما فصلها القانون المصري، ففي تلك الحالة سينطبق على كل من حنين ومودة نفس الظروف التي تدعي النيابة أنها تنطبق على المجني عليهن/م في القضية، وكان أجدر بالنيابة القيام بدورها المنوط بها طبقًا للائحة التنفيذية لقانون الاتجار بالبشر بالتعرف عليهما كمجني عليهما والتأكيد على عدم مسؤوليتهما القانونية عن أي أفعال مجرمة تدعي النيابة أنها صدرت منهما، وحمايتهما وتقديم الدعم المادي والنفسي والسكني لهما في حالة الحاجة.
وحتى في حالة المجني عليهم/ن الذين حددتهم النيابة، فقد فشلت كل من النيابة العامة والمحكمة في تطبيق قواعد الإبعاد كما تنص عليها اللائحة التنفيذية للقانون، فما كان يجب أن تنعقد شهادات في جلسات علنية للمجني عليهم/ن في وجود الجمهور والإعلام، وخاصة في وجود المتهمين بالاتجار بهم، حفاظًا على خصوصية هوياتهم وسلامتهم النفسية والجسدية. ومن مدى الاستهانة بإجراءات حماية الشهود والمجني عليهم في القضية يتأكد أن النيابة والمحكمة لا تأخذ بجدية تلك الاتهامات نفسها، فلم تستشعر أهمية مبادئ الحماية والإبعاد وفشلت في تقديم حزمة الدعم للمجني عليهم في تلك الحالة كما تنص عليها اللائحة التنفيذية لقانون الاتجار بالبشر و أسست من أجله صندوقاً خاصًا لدعم ضحايا الاتجار.
ما مدى مسؤولية الشركة المالكة لتطبيق لايكي وما علاقتها بالقضية؟
ترسم تحريات الشرطة من اللحظة الأولى صورة لعصابة اتجار بالبشر متهموها الأوائل هم مدراء شركة بيجو المالكة لتطبيق لايكي. وتصف حيثيات حكم محكمة الجنايات صورة مخيفة لشركات أجنبية تستهدف المجتمع المصري -وبالأخص شبابه- بالاستثمار
"لهدم لأخلاقياتهم مستغلين أهم فئات هذه المجتمعات شبابها وهم وقود وقوة أي تقدم بإضاعة أوقاتهم فيما لا طائل منه وإصابتهم بالوهن وإضعاف قدراتهم على الابتكار والإبداع والتفوق كي تسيطر تلك الشركات ومن ورائها دولها على مقدرات الدول التي تنتشر فيها ومن بينها مصر. فهذا الاستثمار ضره أكبر من نفعه طالما يعمل دون خضوع لقيم وأخلاق مجتمعنا وقواعد النظام العام فيه. فكان أن قامت وكالة لايكي للبث المباشر كتطبيق الكتروني للتواصل الاجتماعي ومقرها دولة الصين بإنشاء وكاله لها بمصر -شركة بيجو ليتمد للخدمات والتطبيقات الإلكترونية- واستعانت بمن ينفذ سياستها المحققة لغايتها آنفة البيان من المصريين ممن تضعهم تحت اختبارات محددة قواعدها كما تطمئن إليهم".
تلك الصورة المخيفة التي ترسمها الحيثيات، لا تتوافق بأي شكل مع مسار القضية، فلو ارتأت المحكمة أن هناك عصابة للاتجار بالبشر حقًا -وهو ما ليس عليه أدلة- بقيادة شركة أجنبية ومديرينها فكان الواجب على المحكمة أن تقيم الدعوى على كل من الشركة ومديريها صينيي الجنسية وتحيلها للنيابة العامة للتحقيق بهذه الاتهامات والتصرف بها، أو تنتدب أحد أعضائها للقيام بالتحقيق وتحيلها للمحاكمة أمام محكمة أخرى، بما يتفق مع حق المحكمة طبقًا للمادة ١١ من قانون الإجراءات الجنائية. فلو صحت الصورة التي ترسمها المحكمة، فالجناة الأساسيون في الجريمة مطلقو السراح وغير متهمين، والشركة مازالت مرخصة وتعمل بشكل قانوني وشرعي بمصر، وبذلك تكون المحكمة أخلت بدورها في ضمان تقديم الجناة إلى العدالة لو صدقت في قناعتها بأننا أمام جريمة للاتجار بالبشر تقودها شركة دولية.
كانت النيابة قد حققت مع أربعة من مديري شركة لايكي صيني الجنسية في بداية التحقيقات، وأخلت سبيلهم جميعًا ولم تقدم أيًا منهم للمحاكمة. واختفى فجأة أي ذكر للشركة ومديريها كأعضاء في "العصابة". ولم يتبق في القضية إلا مصريون يعملون بالشركة ويتم التعامل معهم في القضية بصفتهم الشخصية، رغم أن مدراء الشركة الصينيين أوضحوا في التحقيقات في النيابة كيفية عمل التطبيق، وصحة المبالغ التي أرسلت لحنين حسام مقابل المحتوى الذي قدمته على تطبيق لايكي أسوة بأي مستخدم ذي متابعة عالية أخرى بالشركة في أي مكان في العالم. كما أوضح المديرون بمواجهتهم بفيديوهات المؤثرات أنها لا تخالف معايير التطبيق لأنها غير إباحية وتشابه ما يلبسه النساء في مصر وحول أنحاء العالم وأقروا أنه في حالة وجود تعريف محدد لمخالفة الآداب العامة في مصر يوضح الملبس الممنوع فسيتم التجاوب من ناحية التطبيق مع هذه المعايير ولكنها غير موجودة. كما وضح المديرون المتهمين حينها أن التطبيق مصمم بنظام مراجعة ورقابة من الذكاء الاصطناعي لحذف أي محتوى جنسي بشكل مباشر فلا يسمح له بالنشر من الأصل.
وفي ٣٠ أغسطس ٢٠٢٠، جرى لقاء بين السفير الصيني بالقاهرة والنائب العام المستشار حمادة الصاوي، أكد فيه السفير على التزام شركة بيجو المالكة للايكي بمعايير استخدام المنصات في مصر من خلال التحقيق مع مدرائها في أول القضية، وأكد فيه النائب العام أن النيابة لم تتخذ أية إجراءات تحفظية ضد الشركة.
وحتى اليوم، مازالت الشركة مرخصة بمصر وتعمل من مقرها في القاهرة، ومازال التطبيق مسموحًا باستخدامه بنفس المعايير منذ اليوم الأول لدخوله مصر، بإقرار المستخدمين أن سنهم فوق الـ١٨. ولم توجه أية اتهامات في أي قضايا لمديري الشركة الصينيين.
كيف تكسب كل من حنين ومودة من الإنترنت؟ وهل يعتبر هذا المكسب جريمة؟
تكسب حنين ومودة وغيرهما من الشابات والشباب من خلال الإنترنت عبر عدة وسائل منها الإعلان عن منتجات من خلال فيديوهات أو صور مع الحصول على مقابل من الشركة المنتجة، وهو ما يعرف أحيانا "بموضعة المنتج" أو (product placement) وهي ممارسة منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي بتكسب منها الكثيرون من مشاهير صناعة الترفيه والإعلام بالإضافة إلى صناع المحتوى المقصور على الانترنت. والوسيلة الأخرى للربح هي التكسب من المشاهدات والهدايا التي يقدمها المتابعون ويتم تحويلها بشكل دوري لصاحب الحساب، أو بالتعاقد مع منتجين أو تطبيقات أخرى للترويج لها لدى متابعيهم وهو ما يعتبر من أعمال الدعاية والإعلان. وهذه جميعًا وسائل معتادة للتكسب من الإنترنت ويمارسها جميع أنواع المؤثرين على وسائل التواصل باختلافها وما زالت قائمة في مصر التي تعتبر سوقًا كبيرًا لهذا النوع من العمل الدعائي والإعلاني.
لماذا يدفع المتابعون أو التطبيق نفسه أموالًا للمؤثرين إن لم يكن المحتوى ذا طابع جنسي؟
يأتي هذا النمط من المكافأة المادية لناشري المحتوى ضمن توجه واسع وسط أغلب وسائل التواصل الاجتماعي المؤثرة لمكافأة منتجي المحتوى ذوي المتابعة الواسعة على محتواهم. وهو التطور الذي بدأ منذ سنوات طويلة في طبيعة نشر المحتوى الإعلامي والترفيهي على الانترنت بتعدد الوسائل. فبعض المنصات تضيف إعلانات للمحتوى ويحصل الناشر على مقابل لذلك (مثل يوتيوب وانستجرام وتيك توك). بينما تسمح منصات أخرى بتبادل مباشر للهدايا بين المستخدم وصاحب المحتوى، مثل لايكي وكلاب هاوس وهو ما تقوم المنصتان الأكبر على الإطلاق للتواصل الاجتماعي --فيسبوك وتويتر-- بتجربته في الأعوام الأخيرة.
ويجيء هذا التوجه من المنصات للتجاوب مع واقع متغير في مجال الإعلام والنشر، فعلى مدار سنوات طور صانعو المحتوى حول العالم محتوى متميزًا وأصبح تطوير المحتوى مصدر الدخل الأساسي للبعض وحل محل الوظيفة خاصة في صناعتي الترفيه والإعلام. فكان مطورو المحتوى يبحثون عن طرق أكثر مناسبة لتحويل جماهيريتهم تلك لمصدر للدخل بدون الاعتماد على الإعلانات بشكل أساسي. وللحفاظ على هؤلاء المستخدمين المميزين وجمهورهم، سعت المنصات المختلفة لخلق طرق مختلفة لمكافأة مقدمي المحتوى الناجح جماهيريًا، وتحديدًا لإيجاد طرق مغايرة لإدماج الإعلانات في المحتوى المنشور. ويتوقع الكثير من الخبراء أن مستقبل المنصات مرتبط بمدى قدرتها على مكافأة المحتوى المتميز وبالتالي الحفاظ على الجمهور بشكل مستديم.
هل يعني هذا "التربح" بالضرورة أنه مقابل لمحتوى جنسي؟
في حقيقة الأمر خلقت حالة ضعف المعرفة باقتصاديات الإنترنت فزعًا بأن أي مقابل مادي هو بالتأكيد مقابل لنشاط جنسي تجاري ما. وهذا ليس صحيحًا؛ ففي مصر، مثل أغلب بلاد العالم، يدفع مستخدمو تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي مساهمات وهدايا ضئيلة لدعم المحتوى الذي يفضلونه. قد يكون هذا المحتوى فيديوهات ترفيهية أو تعليمية، وصفات طبخ، أو مجرد صور وفيديوهات من يوميات شخصية، أو بودكاست (برامج راديو عبر الإنترنت) في مواضيع مختلفة. يتنوع المحتوى ولكنه يتشارك في أغلبه في أنه يعتمد على تراكم مساهمات ضئيلة من عدد كبير من المتابعين الذين يودون دعم مطور المحتوى للاستمرار في تقديمه.
وبمطالعة حيثيات حكم محكمة الجنايات، من الصعب عدم الإلتفات لعدم معرفة المحكمة الواضح بالإنترنت واقتصادياته، فمن السهل رؤية تخبطها بين ماهية المنصات والحسابات المختلفة، وحتى نسبها لفيديوهات لحنين حسام مجتزأة من سياقها ولم تقم هي بنشرها بل هي اجتزاء وإعادة عنونة لمحتوى فيديو نشرته حنين حسام. فتشير الحيثيات مثلًا لڤيديو منشور على يوتيوب بعنوان "استغلال الجسد مقابل المال" وهو فيديو نشره آخرون، يجتزئ بعضًا مما قالته حنين حسام في الفيديو الذي دعت فيه الشباب لخلق حسابات على تطبيق لايكي، وكأنها هي من نشرته. وبينما وضحت حيثيات حكم محكمة الاستئناف الاقتصادية سابقًا خلو أي من أوراق القضايا أو أقوال الشهود مما يثبت أي شكل من أشكال "التحريض على ممارسة الدعارة"، فحكم الجنايات يسلم بأن الفتيات كان يتم تحريضهن عليها، بدون الإتيان بأي دليل أو قرينة على ذلك سوى أقوال التحريات والتي وصفتها حيثيات حكم الاستئناف الاقتصادية بكونها لا تأتي بدليل على ذلك.
خاتمة
في الصفحات السابقة أجبنا عن الأسئلة التي تكررت بعد نشر الأخبار عن محاكمة كل من حنين حسام ومودة الأدهم عن اتهامات الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال. وكانت الإجابات مبنية على ملفات القضيتين، بما فيها التحريات والتحقيقات والأدلة، ومتابعة المحاكمة، ومشاهدة الفيديوهات محل الاتهام. وضحنا عدم جدية تلك الاتهامات، والمغالاة الشديدة في تفسير المواد القانونية وتحميلها بما لا تحمله من تجريم في بعض الأحيان، وما يصل للتلفيق في أحيان أخرى لتعارض الاتهامات مع شروط وقوع الجريمة. أثارت اتهامات الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال حالة من الفزع المجتمعي، ولا يأتي ذلك مصادفة، فاختيار تلك الاتهامات، من أول لحظة في بيان النيابة العامة في أبريل من العام 2020، وقبل بدء التحقيقات حتى، كان متوقعًا أن يكون له هذا الأثر. تخلو أوراق القضية والأدلة وشهادات الشهود من ما يتسق مع التعريف الوحيد المتاح ل"استغلال الأطفال جنسيًا" وتخلو كذلك مما يمكن بأي حال وصفه بالاتجار بالبشر؛ فلا تتوافر أي من الشروط الأساسية لوقوع لجريمة. وحتى حيثيات حكم محكمة الجنايات ترسم صورة لعصابة اتجار بالبشر يديرها أفراد غير مصريين، هم اليوم مطلقو السراح غير متهمين، وهو ما يوضح مدى عدم جدية تلك الرواية، وإلا لكان ذلك قصور كبير من المحكمة في ملاحقة المتهمين الأساسيين.
إن قضية حنين ومودة، منذ أبريل ٢٠٢٠ وحتى اليوم، ترسم خطوط سياسة جديدة من النيابة العامة، تعطي لنفسها بها مساحة جديدة في ”ضبط الأمن القومي الاجتماعي“، وحماية ما تراه هي كأخلاق خاصة على الإنترنت، تتجاوز حتى حدود أشكال الملاحقات الأخلاقية للنساء التي كانت تقوم بها سابقًا لتحولها لسياسة عامة بخطاب إعلامي جديد مصاحب لها وبمعزل عن نص القانون والدستور. فالحريات الشخصية وحريات النساء ومنها حريات الملبس والتعبير والعمل هي حريات أساسية، لا يجوز بأي حال من الأحوال التعدي عليها، خاصة وأن الأفعال محل الاتهام لا تخالف أي نص قانوني. ولذلك فإن إزالة أي غموض قصدي لإعطاء الايحاء بأن ملاحقة حنين ومودة -وغيرهن من النساء المؤثرات على الإنترنت- هو أي شيء سوى ملاحقة أخلاقية، تستهدف النساء وخاصة هؤلاء المنتميات لخلفيات طبقية تضم السواد الأعظم من المصريات، خطوة أولى وهامة لفهم ومواجهة هذا التعدي على حقوق تلك النساء الأساسية