تعليق المبادرة المصرية على حزمة تعديلات ضريبة الدخل الجديدة: خطوة للأمام لا تغير تشوهات هيكل ضريبي ينحاز للأثرياء
بيان صحفي
وافق مجلس النواب نهائيا يوم 29 مايو الماضي على حزمة تشريعات ضريبية جديدة تتضمن زيادة حد الإعفاء الضريبي على دخول الأفراد، وفرض شريحة ضريبة جديدة عليا بنسبة 27.5% على الدخول التي تزيد عن 1.2 مليون جنيه سنويًا. بالإضافة إلى فرض ضرائب تتراوح بين 5-20% على الأنشطة الترفيهية، وأخرى جديدة على السلع المشتراة من الأسواق الحرة، إضافة إلى تطبيق رسوم 10% على بعض السلع الفاخرة.
وتسير بعض هذه التعديلات في اتجاه إيجابي من زاوية العدالة الضريبية والعدالة الاجتماعية. حيث تشكل الزيادة الجديدة في حد الإعفاء للدخول والموظفين خطوة إيجابية لأنها ترفع حد الإعفاء للدخول الدنيا، وهو ما يتسم بدقة الاستهداف لأصحاب الأجور الذين سقطوا تحت خط الفقر بفعل الصدمات التضخمية المتوالية، وهم يتحملون أعباء ضريبية كبيرة حيث يبلغ نصيب الضرائب على الدخول من التوظف في موازنة العام المالي الجديد 8.8٪ من الحصيلة الضريبية المتوقعة مقارنةً بـ 9.5٪ من إجمالي الضرائب المتوقعة في العام المالي الحالي. وبحسب آخر إحصائيات الدخل والإنفاق، فإن شريحة مهمة من الفقراء في مصر هي من العاملين بأجر. كما أن تمويل هذا الفارق بفرض شريحة تصاعدية جديدة على الدخول العليا، يُكسب التعديل أهمية إضافية من حيث إعادة التوازن في أحمال الموازنة وفي اتجاه مجابهة عدم المساواة.
لكن هذه الإجراءات، وإن كانت في الاتجاه الصحيح، إلا أنها لا تزال أقل بكثير مما هو مطلوب، ومن الهامش الواقعي الذي يمكن التحرك فيه، حيث تشير الأرقام إلى مساحات ممكنة ومنطقية لضرائب من أنواع مختلفة توسع قاعدة دافعي الضرائب من كبار أصحاب الدخول ومن الشركات، خاصة وأنها لا تمس التشوهات الهيكلية المنحازةلأصحاب الثروات وكبار أصحاب الدخول على حساب المستهلكين وأصحاب الأجور الأقل.
فمازالت الضرائب على السلع والخدمات تحوز نصيب الأسد من الحصيلة الضريبية في الموازنة الجديدة. وبلغت 665 مليار جنيه وهو ما يساوي 43.5٪ من إجمالي الضرائب. صحيح أنها انخفضت من 46.2٪ المتوقعة في العام المالي الحالي، لكن نسبتها كبيرة جدا وتشير للاستمرار في تحميل المستهلكين الجانب الأكبر من العبء الضريبي.
مثلًا، بلغ إجمالي الضرائب المتوقعة في الموازنة الجديدة على أرباح شركات الأموال (باستبعاد قناة السويس وهيئة البترول وهي جهات حكومية) حوالي 202 مليار جنيه فقط، وهو ما يمثل اتجاها تراجعيًا مقارنة بالعام المالي الحالي والسابق، بنسبة 13.2٪ من إجمالي الحصيلة، مقارنة ب 16.5٪ في 21/22 و14.2٪ في 22/23، مما يعني تخفيفا للعبء الضريبي للقطاع الخاص وشركات قطاع الأعمال العام برغم النمو الاقتصادي الحقيقي المحقق، والمتوقع ب 4٪ من الناتج المحلي، والذي يولده بالأساس القطاع الخاص.
وانخفضت نسبة ما تدفعه هذه الشركات من 2.1٪ من الناتج المحلي إلى 1.7٪ منه فقط في الموازنة الجديدة. مما يعني استمرار غياب التوازن في هيكل الضرائب، بما يحمل الفئات الأفقر العبء الأكبر.
وينطبق الأمر ذاته على الضرائب المفروضة على أذون وسندات الخزانة ، فبرغم زيادة نصيب المؤسسات المالية المصرية والأجنبية وحتى القطاع العائلي من الأرباح المولدة من الفوائد في ظل تضخم الدين العام المتزايد وارتفاع أسعار الفائدة، فإن المتوقع من حصيلة الضرائب عليها لن يتجاوز 1.3٪ من الناتج المحلي، وهو زيادة ب 0.3٪ عن متوقع العام الحالي الذي تراجع ب 0.1٪ عن العام المالي 21/22 حيث بلغ 1٪ ثم تراجع إلى 0.9٪ برغم كل الزيادات في الدين والفائدة خلال العام المالي الجاري.
وأقرت الحزمة أيضا تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية، المقرة من سنوات دون تنفيذ، بنسبة 10% على 50% فقط من المكاسب المحققة من بيع الأسهم في الشركات المدرجة حديثا. وتنخفض هذه النسبة إلى 25% بعد عامين من إقرار التعديلات.
وقد تدخل ضرائب الأرباح الرأسمالية في البورصة حيزًا من التنفيذ بعد التأجيلات المختلفة نتيجة ضغوط جماعات النفوذ بالبورصة وجماعات الضغط المالية، وهي تأجيلات لاقت اعتراض صندوق النقد الدولي، لكن استثناء الأجانب من التطبيق ومحدوديتها الكبيرة يظهران في الحصيلة التي لا تتجاوز 159 مليون جنيه في الموازنة الجديدة، بزيادة 38٪ عن العام المالي الجاري، ولكنها تظل تشكل 1٪ فقط من إجمالي الحصيلة الضريبية.
ويهدد الاعتماد على ضريبة القيمة المضافة العدالة الاجتماعية، حيث إن غالبية من يتحملون دفعها هم المستهلكين العاديين وخاصة من أصحاب الدخول المنخفضة ممن يقع كثيرون منهم تحت خط الفقر أو يقاربونه في ظل ارتفاع معدلات التضخم ونسب الفقر. يُضاف إلى ذلك التهديد الذي تمثله تلك الضريبة على الطبقة المتوسطة المرشحة للانحدار إلى دائرة الفقر بقدر ما تستقطعه هذه الضريبة من قدراتها الشرائية.
وانطلاقًا من أن النظام الضريبي من المقومات الأساسية للمجتمع حسبما يصنفه الدستور المصري في المادة 38 , ويهدف إلى تنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، نرى أن إقرار ضريبة الأرباح الرأسمالية أخيرا هي خطوة جيدة للأمام, طالما طالبت بها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وجدير بالذكر أن المادة 38 من الدستور المصري تنص أيضًا على ضرورة أن ترُاعَى تعددية المصادر في فرض الضريبة وأن تكون الضريبة تصاعدية وفقًا لقدرات الشرائح المختلفة. كما تنص المادة على أن يكفل النظام الضريبي تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة، ويحفز دورها فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بهدف أن يتحقق ما يكفله الدستور بتوضيح أهداف النظام الاقتصادي في المادة 27 من تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة وخلق فرص عمل وتبني نظامًا ضريبيًاّ عادلًا يمُكِّن النظام الاقتصادي من التوزيع العادل للموارد وتقليل الفوارق بين الدخول.
ويبلغ إجمالي الضرائب المتوقع تحصيلها الدولة المصرية مقابل إجمالي الناتج المحلي 12.9٪ في الموازنة الجديدة ارتفاعًا من 11.9٪ فقط في العام الجاري، وهي نسب تقل بشدة عن معدلات الضرائب في الاقتصادات ذات الحجم المماثل للاقتصاد المصري ومقارنة بالدول المتقدمة والولايات المتحدة. وهو ما يعني أن أن هناك مجالًا كبيرًا للحركة في توسيع الحصيلة الضريبية وتوسيع قاعدة دافعيها للأغنياء المتجنبين والمتهربين من الضرائب، والمهن الحرة، وهو توسيع من الممكن أن يساهم في تقليل حدة التفاوت الاجتماعي في مصر.