مصر في المركز 175 بين 190 دولة على مؤشر المساواة للنساء في العمل والاقتصاد.. والواقع العملي أكثر قتامة
بيان صحفي
نشر البنك الدولي تقريره السنوي ”المرأة وأنشطة الأعمال والقانون“ لمتابعة العوائق أمام النساء في سوق العمل والاقتصاد في العالم . وجاءت مصر في المركز 175 على القائمة التي تضم 190 دولة.
وبينما اكتفى التقرير في الأعوام العشرة السابقة بالنظر في العوائق القانونية التي تمنع مشاركة النساء في سوق العمل والاقتصاد بمعناه الضيق، سعى تقرير هذا العام الصادر في مارس الماضي، إلى ضم مؤشرات مؤثرة عن الحماية من العنف وخدمات رعاية الأطفال، وتقديم منهجية موازية تنظر في الفجوة بين القوانين المحلية، وحقيقية وجود آليات لتطبيقها على أرض الواقع.
وجاء تقرير العام الحالي ليشير لواقع أكثر قتامة على مستوى العالم، حتى أن بيان البنك الدولي وصفه بأنه يكشف عن ”فجوة عالمية هائلة بين الجنسين تجاوزت كل التوقعات“. إذ وجد التقرير أنه لا يوجد أي بلد في العالم يتيح فرصًا متساوية للنساء والرجال في مجال العمل والاقتصاد لو نظرنا للآليات العملية وما يعكسه الواقع. ورغم الصورة القاتمة العامة، والمتوسط المتدني، جاءت مصر في موقع متأخر بشدة في التقرير.
جاءت مؤشرات مصر متدنية للغاية ومتماثلة مع مؤشراتها خلال العام الماضي، وتراجع ترتيبها 4 درجات فيما تقدمت بلدان أخرى. فجاءت في الموقع 175 من ضمن 190 اقتصادًا. ويقيس المؤشر العام أوضاع النساء فيما يخص ثمانية مجالات هي المساواة في: التنقل، مكان العمل، الأجور، الزواج، الوضع، ريادة الأعمال، الملكية، المعاش التقاعدي. وذلك من خلال أسئلة حول الأطر القانونية والسياسات الداعمة وواقع الممارسة الفعلية.
وبحسب التقرير فإن نجاح مصر على مقياس المؤشر العام في العوائق القانونية أمام مشاركة النساء في العمل والاقتصاد لم يتجاوز 50.6٪ بينما المتوسط العالمي 77%. وعلى مؤشر وضع الحماية القانونية ضد العنف ورعاية الأطفال يصل مؤشر مصر لـ 37.5% بينما المتوسط العالمي 64%. وفي المؤشر الموازي الذي يقيس اللوائح والآليات التنفيذية للقوانين، يصل مستوى العدالة بين النساء والرجال في مصر في هذا المجال لأقل من 27% بينما المتوسط العالمي 40%.
ويرجع التفاوت الكبير بين مؤشري المساواة في القانون والمساواة في تطبيقه - بالرغم من انخفاض كليهما- لميل الدولة لرفع العقبات القانونية عن مشاركة النساء في بعض المجالات بشكل نظري، ولكن بدون وضع سياسات تعمل إيجابيًا على ضمان تحقق تلك المساواة.
وبينما تعتمد سياسات الدولة في مصر بخصوص عمل النساء على دعم ما تسميه "ريادة أعمال النساء" كمسار أوحد، يعكس المؤشر القانوني نسبة تحقق ذلك الدعم بما لم يتجاوز 50%، ، وفي واقع تنفيذه بآليات محددة يقف المؤشر عند(صفر%).
والمؤشر الوحيد لمصر الذي يصل 100%هو مؤشر المساواة في معاشات العاملين، فيما ينخفض المؤشر التنفيذي للقانون نفسه إلى 25%. وكما هو متوقع تأتي أسوأ مؤشرات مصر القانونية في المساواة في الأجور والزواج بـ(صفر %) من المساواة القانونية، يليه المؤشر الذي يقيس أثر الأمومة على أمان عمل النساء والمساواة في مكان العمل. أما أحد أكثر المؤشرات قتامة، فهو الحماية من التمييز في الأجر والذي وصل فيه مؤشر المساواة إلى (صفر%) في القوانين، و(صفر%) في الآليات العملية. ويقيس المؤشر المساواة في الأجر بين النساء والرجال، والآليات التطبيقية لتحقيق المساواة في الأجر والمساواة في فرص الوصول العملية للعمل عالي الأجر.
تلك المؤشرات، برغم محدودية نظرتها لمشاركة النساء في العمل والاقتصاد، وبالرغم من تناولها لعمل النساء ليس كحق لهن؛ ولكن كفرصة لزيادة الناتج المحلي، تشير إلى واقع قاتم للمساواة في العمل والاقتصاد بين النساء والرجال في مصر، وهذا مؤشر فقط على المساواة الجندرية، وليس واقع جودة العمل والحياة الاقتصادية للمصريين والمصريات جميعًا.
بنظرة سريعة على المؤشرات الأساسية الفعلية لواقع النساء والعمل في مصر، نرى أن في الربع الثالث من العام 2023، وهي أحدث الإحصاءات الرسمية المعلنة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت نسبة النساء من إجمالي المشتغلين في مصر 15.3% ، وعلى الرغم من ذلك تمثل النساء نسبة 47.6%من المتعطلين عن العمل، وهي النسبة التي لا تعبر حتى عن واقع كل النساء اللاتي يرغبن في العمل ولا يستطعن الوصول للعمل المناسب. بل وتزداد الفجوة بين النساء والرجال في التشغيل بشكل مستمر منذ 2012 وحتى الآن.
وبالنسبة للأجر، وجد تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية في العام الماضي أن متوسط الأجور للنساء في القطاع الخاص أقل من الحد الأدني للأجور، حتى بحسابه قبل زيادته الأخيرة في العام الحالي. وبالنظر لمؤشر ملكية النساء للأصول، فطبقًا للمسح الصحي للأسرة المصرية 2021، فإن أقل من 5% من النساء اللاتي سبق لهن الزواج في مصر يمتلكن مسكن بمفردهن أو بالمشاركة، وأقل من 2% من النساء في مصر يمتلكن أراض بشكل فردي أو بالمشاركة.
رسم بياني لتطور أعداد المشتغلين طبقًا للنوع بين 2009 و2022 (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء) |
بينما تصر الحكومة في مصر على تقديم نفسها كحامية لحقوق النساء في المساحات الدولية، وعلى الرغم من المشاريع المشتركة المتتالية مع جهات التمويل العالمية وجهات الدولة المختلفة بدعوى تمكين النساء في مصر، يظهر التقرير بوضوح جانبًا صغيرًا من واقع المساواة الجندرية في مصر في الاقتصاد والعمل، فالتقرير يقيس القوانين والآليات، ولا يطَّلع على واقع مشاركة النساء في قوة العمل، والتباين في الأجر والفرص، والملكية. كما لم يستطلع معدو التقرير استطلاع آراء الخبراء التي يمكن من خلالها التعرف على وضع المرأة في الممارسة العملية.
ويضيف هذا التقرير سببًا جديدًا لدعوة الدولة في مصر للتعامل بجدية مع تحقيق المساواة للنساء كمدخل أساسي في السياسات الاقتصادية، بدلًا من التدخلات التجميلية لواقع شديد القتامة بمبادرات لريادة الأعمال والمشاركة في مجالس إدارة الشركات، بينما الواقع يوضح أن النساء في مصر يعانين على مستوى العمل والاقتصاد بشكل خاص، إضافة للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها كل المصريين والمصريات.
وتمثل أزمة استبعاد الناجحات في مسابقة 30 ألف معلم في العام الماضي بسبب الوزن الزائد أو الحمل أو اللياقة نموذجًا مثاليًّا لسياسات الدولة في التوظيف، والتي تؤثر على المساواة الجندرية في سوق العمل بشكل واسع بدون أي تعليق أو تدخل لإصلاح هذا التمييز، فقطاع التعليم هو أكبر مشغل للنساء، حيث يُشغِّل أكثر من 25% من إجمالي المشتغلات في مصر. وهذا الوضع المتدني للمساواة في سوق العمل والاقتصاد في مصر للنساء يذكرنا جميعًا بأهمية تنفيذ الاستحقاقات الدستورية للمصريات والمصريين بمنع التمييز وإنشاء مفوضية رسمية لمنع التمييز وإقرار المساواة.