لتقصي الحقائق وليست للحل العرفي: على لجنة العامرية اقتراح حلول بدلا من إنكار التهجير القسري بعد الأحداث الطائفية
بيان صحفي
أعربت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن انزعاجها الشديد من بيان لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس الشعب والذي صدر مساء الأحد 19 فبراير بشأن الاعتداء على ممتلكات الأقباط وتهجير ثماني أسر من مساكنهم بقرية شربات التابعة لمركز العامرية بالإسكندرية نهاية يناير الماضي. وانتقدت المبادرة المصرية البيان لما فيه من مغالطات ومحاولات فاشلة للتقليل من وطأة الجريمة التي ارتكبت بحق مواطنين كل جريرتهم أنهم مسيحيون، وتحميل مسئولية الأزمة للإعلام والمنظمات الحقوقية بدل من التحرك العاجل لتطبيق القانون والمحاسبة السياسية والجنائية للذين شاركوا في الجلسات العرفية المهنية التي أجبرت المواطنين على ترك منازلهم.
وقد تلا بيان لجنة تقصي الحقائق السيد محمد أنور السادات رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب أثناء الجلسة العامة، وذلك في أعقاب زيارة لوفد برلماني مكون من ستة عشر نائبا بمجلس الشعب يوم 16 فبراير للمنطقة المشتعلة تم أثنائها عقد اجتماع مغلق مع أطراف المشكلة وشهود العيان ومحافظ الإسكندرية وأعضاء اللجنة العرفية التي أقرت تهجير الأسر المسيحية. وقام الوفد البرلماني بإعلان بيان صحفي آخر عقب انتهاء الاجتماع به نفس المغالطات والالتفاف عن الحقيقة.
وقال اسحق إبراهيم، الباحث في برنامج حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "رحبنا بقرار لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب بإرسال لجنة تقصي الحقائق إلى مركز العامرية، وتوقعنا من الهيئة المنتخبة أن تقترح حلولا سياسية وتشريعية تحد من العنف الطائفي والتهجير القسري الناتج عنها، وتمنع تكرار تلك المأساة. ولكن للأسف، استمر مجلس الشعب على نهج النظام السابق الذي يهدر الحق ويفضل الحلول السطحية على إرساء مبدأ احترام القانون."
وتبدي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عدة ملاحظات حول أداء الوفد البرلماني والبيان الصادر عنه وما تضمنه من معلومات حول الأحداث وكذلك البيان الثاني الصادر عن لجنة تقصي الحقائق:
أولا: تحولت مناقشات الوفد البرلماني سواء بقصد أو بدونه للجنة عرفية جديدة، أعضائها خليط من نواب الشعب واللجنة التي قررت من قبل تهجير الأسر الثمانية المسيحية، ومنوط بها حل مشكلة تهجير عائلة أبسخرون خليل الشهير بأبو سليمان فقط دون أسر عائلة مراد سامي جرجس، وأوكلت لنفسها حق إقرار عودة عائلة أبو سليمان المكونة من خمس أسر رغم أن هذا الحق مكفول من الإعلان الدستوري والقانون، ولا يحتاج إقرارا من أي لجنة. وبدا أن الوفد البرلماني يسعى لتصويب خطأ اللجنة العرفية وتبرير ما قررته ومحاولة تقديم غطاء يتعلق بالتقاليد والعادات والأعراف دون التحقيق في الوقائع التي وردت في تحقيق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بشأن الأحداث أو فيما تضمنه البيان العاجل الذي تقدم به الدكتور عماد جاد عضو مجلس الشعب أو البيانات الثلاثة التالية التي قدمت في وقت لاحق. بل أن الوفد البرلماني قدم الشكر للجنة العرفية على جهودها، وأعلن في المؤتمر الصحفي عقب الاجتماع أنه يكمل عملها.
وفي هذا السياق تكرر المبادرة المصرية رفضها الشديد للجلسات العرفية بغض النظر عن تكوينها أو أهدافها طالما ظلت باباً خلفيا للتحايل على جبر الضرر من خلال آليات العدالة القانونية ومعاقبة المعتدين على الأفراد والممتلكات، وتتمسك بمحاسبة ومعاقبة المسئولين عن الاعتداءات والتهجير للأسر المسيحية. وتؤكد المبادرة المصرية مجدداً على أن جريمة الحرق العمد لا يجيز القانون التصالح فيها، وأن مسئولي المحافظة الذين رعوا الاتفاق العرفي ارتكبوا بذلك مخالفة صريحة للقانون تستوجب التحقيق الجنائي.
ثانيا: لم تتناول مناقشات الوفد البرلماني والبيان الصادر عنه، وكذلك بيان لجنة تقصي الحقائق مسئولية الجهات التنفيذية ودورها خلال الأحداث، والذي أقل ما يوصف به هو الإهمال في أداء مهمتها، بل ومساندة المطالب الجماهيرية الراغبة في تهجير الأسر المسيحية بالمخالفة للقانون. فلم تقم قوات الأمن المتواجدة داخل القرية بحماية المنازل والممتلكات أثناء الأحداث أو حتى يوم الاثنين التالي لها - 30 يناير- عندما قام مواطنون مسلمون بنهب معرضين تجاريين وحرق منزل مملوكين للمواطن أبسخرون خليل الشهير بأبو سليمان في ظل حراسة الشرطة التي كانت متواجدة منذ تفجر الأوضاع يوم 27 يناير. كما لم تلق قوات الأمن حتى وقت إصدار هذا البيان القبض على أي متهم في أحداث الاعتداءات وحرق المنازل ونهب الممتلكات رغم وجود بعض أفراد الشرطة من أبناء القرية أثناء الأحداث وتعرفهم على المعتدين على المنازل، ورغم صدور أوامر ضبط وإحضار من النيابة العامة لعدد من المتهمين وفقا لما قاله أحمد جاد عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الوفد البرلماني.
ثالثا: اتفق البيانان الصادران عن الوفد البرلماني ولجنة تقصي الحقائق على عدم وجود تهجير للأسر المسيحية الثمانية، وجاء ببيان الوفد البرلماني"تبين للجنة عدم حدوث التهجير الذي ردته وسائل الإعلام وإنما كانت مغادرة لظروف أمنية وحماية للأسر وانتهت إلى تطبيق القانون بما لا يخالف الشرع بأن تقيم أسرة المدعو أبسخرون خليل داخل القرية وداخل مساكنها." بينما جاء في البيان الذي ألقاه النائب محمد أنور السادات بمجلس الشعب "تبين انتفاء مبدأ التهجير القسري." رغم أنه أضاف في جزء أخر من البيان "أنه تم ترحيل بعض الأسر المسيحية من قرية طيبة بمنطقة النهضة بالعامرية على أثر جلسة صلح عرفية، مما أثار توترا بين المسلمين والأقباط في المنطقة."
وإذ تؤكد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حدوث التهجير القسري. فقد حصلت المبادرة المصرية على شهادات موثقة بالصوت والصورة للضحايا وشهود العيان من الجانبين المسيحي والمسلم أقروا فيها بإجبار عائلتي أبسخرون خليل وسامي جرجس على الرحيل من القرية من بينها شهادة المواطن محمد جلال وهو يستضيف عدد من أفراد عائلة أبسخرون وقال إن لجنة من سبع شخصيات مسلمة من القرية - لدى المبادرة المصرية أسماء أعضاء اللجنة - ادعت أنها مفوضة لإنهاء المشكلة، وقررت تهجير العائلات المسيحية من القرية، وبيع ممتلكاته.، وأنه حين اعترض النائب أحمد عبد الحميد الشريف في الجلسة العرفية الأولي - 30 يناير- على ترحيل عائلة أبسخرون تظاهر العشرات أمام المسجد مرددين هتافات "يرحل يرحل" وأعلنوا عن تنظيم "جمعة التطهير" -3 فبراير- وقاموا بتهديد جميع الأسر المسيحية بحرق منازلهم وإجبارهم على الخروج في هذا اليوم كما فعلوا بعائلتي أبو سليمان ومراد سامي جرجس.
وقد أقر محافظ الإسكندرية أسامة الفولي وعضوا مجلس الشعب أحمد عبد الحميد الشريف وعصام حسانين عن حزب النور برحيل عائلة مراد سامي جرجس في اجتماعهم بأهالي القرية بمسجد الرحمن مساء 27 يناير، ولدى المبادرة المصرية نسخة من فيديو عن موقع " أنا السلفي" للجلسة يقر فيها المسؤولون بتهجير عائلة الشاب المسيحي.
وهو الأمر الذي أقره محضر الصلح المؤرخ 1 فبراير في البند الأول: "خروج أبو سليمان من المنطقة من باب درءا للمفسدة وحفاظا على حياته هو وأولاده" وفي البند الثامن: "تحويل مشكلة مراد سامي جرجس لنفس اللجنة حيث أنه المتسبب في هذه الأحداث، له علاقة سببيه بها.
وتحت ضغوط اللجنة العرفية وتهديدها للعائلات المهجرة بتكرار ما تم من اعتداءات، قررت عائلة أبسخرون الرحيل من القرية وشكلت لجنة لبيع ممتلكاتها خلال ثلاثة أشهر.
رابعاً: عمل البيانان على تحميل الإعلام مسئولية تضخيم المشكلة وتضليل الرأي العام، وطالب بيان لجنة تقصي الحقائق أمام مجلس الشعب "بوضع شروط ومعايير مهنية صارمة في وسائل الإعلام، على أن تقوم نقابة الصحفيين والجهات المسئولة بإصدار ميثاق شرف العمل الصحفي." وترى المبادرة المصرية أن من الإعلام من حاول بمتابعته الإعلامية تقديم نموذج لنقل معاناة أسر تم الاعتداء عليها وتهجيرها بمباركة مسئولين في الدولة، وهو ما شكل عاملا للضغط على المسئولين وأعضاء البرلمان للتحرك والبحث عن مخارج لرفع الظلم عن الأسر المهجرة.
خامسا: لم يتضمن البيانين تحديد آلية لتعويض المضارين ومساندتهم على تجاوز الخسائر التي تعرضوا لها في ممتلكاتهم ومصادر دخلهم، وجاء فقط في بيان الوفد البرلماني أن هناك حصرا للتلفيات وأن الوفد انتهى بوجوب تطبيق القانون لجبر الضرر، مما يعني انتظار المضارين عدة شهور أو سنوات للحصول على تعويضات في حالة إحالة النيابة العامة القضية للمحكمة، وعدم حصولهم على شيء في حالة غلق التحقيقات، وهو ما تتوقعه المبادرة المصرية خاصة أنها تدرك ما دار خلال جلسة الوفد البرلماني من قيام القس بقطر ناشد راعي كنيسة مار جرجس بالنهضة بإعلان استعداد الكنيسة لتعويض المضارين.
تؤكد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أنها تنتظر الخطوات الفعلية التي سيقوم بها مجلس الشعب لتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق والتي تلاها السيد محمد أنور السادات في الجلسة العامة لمجلس الشعب - 19 فبراير- بخصوص مطالبة وزارة الداخلية والنيابة العامة بضرورة الاحتكام إلى القانون من خلال إحالة كافة المتورطين في أحداث العامرية إلى محاكمة عادلة. وكذلك التوصيات الخاصة بضرورة الاهتمام بتعليم المفاهيم الدينية الصحيحة وهو الأمر المعني بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى نشر ثقافة الحوار والتسامح بين الناس حتى لا تنتشر مثل تلك الأحداث مرة أخرى. وضرورة إقرار مشاريع القوانين التي ما زالت حبيسة الإدراج منذ سنوات، ومنها قوانين بناء دور العبادة الموحد وقانون عدم التمييز وتكافؤ الفرص وقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين.
وكانت المبادرة المصرية قد أصدرت في 12 فبراير نتائج تحقيقها في الاعتداءات الطائفية التي تعرض لها أقباط القرية، وأدانت فشل قوات الشرطة والجيش في حماية منازل وممتلكات أقباط القرية التي تعرضت للحرق والنهب الجماعي على خلفية انتشار معلومات حول قيام مسيحي بتداول فيديو يجمعه مع سيدة مسلمة من أهل القرية نفسها، وذلك رغم قيام الشاب بتسليم نفسه للشرطة. مؤكدة رفض القبول لنتائج صلح غير قانوني تفرض عليهم التنازل عن حقهم وقبول الاعتداء عليهم بل وتجبرهم على إخلاء منازلهم وتقضي بتهجيرهم خارج قريتهم بدلا من توفير الحماية والمساعدة القانونية لهم من سلطات الدولة. وطالبت بضرورة إجراء تحقيق قضائي وبرلماني عاجل ومستقل في كافة الجرائم المرتكبة ومعاقبة المتورطين فيها، على أن يمتد هذا التحقيق ليشمل دور قوات الشرطة والجيش التي تواجدت في موقع الجريمة أثناء حدوثها ولم تقدم الحماية لضحايا الاعتداءات.
موضوعات ذات صلة:
- جرائم العامرية: عقاب جماعي للأقباط ورعاية رسمية للاعتداءات الطائفية - 12 فبراير 2012.