الحق في التعليم كمدخل لفهم مطالب المعلمين
بيان صحفي
تعليق حول إضراب المعلمين
معتز عطاالله – مسؤؤل ملف الحق في التعليم
استجابة لدعوة عدد من نقابات المعلمين المستقلة المنادية برفع الأجور وتحسين ظروف العمل، ومع أجواء بدء عام دراسي جديد، دخل المدرسون المصريون إضرابا عاما عن العمل. وهذا الإضراب يضع وزارة التربية والتعليم أمام مسئولياتها في التعامل مع المعلمين عبر هياكل أجور مناسبة، والتزامها بتوفير ظروف عمل تنتج عملية تعليمية حقيقية.
وتعلن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تضامنها الكامل مع مطالب المعلمين العادلة، وتدعم مناداتهم بالأجر العادل، وتحسين ظروف العمل على نحو يحقق إصلاح تعليمي حقيقي. كما تؤيد مسعاهم الحركي والقانوني، وتحثهم على استخدام كافة السبل المشروعة، لتحقيق مطالبهم بما في ذلك الإضراب، مع الاستفادة من الخبرات السابقة لمجموعات مهنية حملت المطالب ذاتها. كما تدعو الحكومة للشروع في مفاوضات جادة تستجيب بفاعلية لمطالب المعلمين.
وترى المبادرة المصرية أن على الحكومة والمجتمع النظر بعين العدل إلى قضايا الأجور وظروف العمل التي تواجه المعلمين. والأمر مطروح من زاويتين مرتبطتين. الزاوية الأولى تمس حقوق المعلمين باعتبارهم أصحاب حق في العمل يحظون بكل حقوق العمال، سواء فيما يتعلق بالحصول على أجور عادلة، أو الحق في التنظيم النقابي الحر، وما يستتبعه من تفاوض للحصول على الحقوق، وممارسة الحق في الإضراب، تماما كما هو الحال مع العاملين في القطاعات الاقتصادية. ومن زاوية أخرى فإن الأمر يتعلق بإطار أكثر اتساعاً، وهو الحق في التعليم الذي يخص الملايين من الأجيال الجديدة، وهو الحق المعتبر في الدساتير المتعاقبة، والذي تحكمه كذلك العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية التي صدقت عليها مصر، وتنص صراحة على التزام الحكومة بالوفاء بحق المواطنين في الحصول على تعليم "مقبول"، وفق مستوى للجودة تحقق رضا المواطنين من ناحية، وتنتج تعليما يعود بالنفع الثقافي والاقتصادي والاجتماعي على التلاميذ. وفي هذا السياق لا يعد المعلم عنصرا من عناصر إنتاج هذه العملية التعليمية فحسب، بل هو كذلك العنصر الأكثر جوهرية في تحقيق جودة تعليم معتبرة. ولا جدال - من مدخل الحق في التعليم - أن حصول المعلم علي الأجر الوافي، والدعم المهني الكافي هو مسألة تتجاوز مصلحته الضيقة، لتصبح ركناً أساسياً في ضمان حصول المواطنين كافة على الحق في التعليم، وبمستوى يؤكد أن الحكومة - ونظامها التعليمي - قادرة على استيفاء مسئولياتها إزاء هذا الحق.
كما تعتقد المبادرة المصرية أن الوقت قد حان كي ينظر المجتمع لمطالب المعلمين في الحصول على الأجر العادل بعيداً عن المنظور الأحادي الضيق الذي يسود الآن. ولم يعد من المقبول تكرار الدعاوى ذاتها التي تناصر الموقف الرسمي، وتنظر لظاهرة الدروس الخصوصية وما تدره من أجر إضافي على قطاع من المعلمين باعتبارها المبرر لنكوص الحكومة عن القيام بمراجعة حقيقية لأوضاع المعلمين وهياكل الأجور الرسمية الحالية.
كذلك ترى ضرورة لتحويل وجهة نظر المجتمع صوب القضية برمتها، والتحول عن عزوف أولياء الأمور عن تأييد مطالب المعلمين استناداً لمعاناة الأسر من تكاليف الدروس الخصوصية. فالحقيقة أن عدم الوفاء باحتياج المعلم لأجر عادل ينهض بمعيشته، ودعم مهني يحقق طموحه، يطيح بكل فرصة يتوخاها أولياء الأمور لإصلاح منظومة التعليم. والأمر أن ثمة توهم يروج له، مفاده أن زيادة أجور المعلمين ستؤدي بصورة تلقائية إلى الحد من الدروس الخصوصية، والقضاء عليها. وهذه النظرة القاصرة تنبني على افتراض ضعيف مفاده أن المعلم بمجرد حصوله على الزيادة في أجره سيتوقف عن تحصيل المزيد من الدخل عبر تقديم خدمات الدروس الخصوصية. هذه نظرة لا تعي مقدار التعقد في ظاهرة الدروس الخصوصية التي لا ترجع فحسب لإنخفاض أجور المعلمين، بل تمتد جذورها لمسائل في صلب العملية التعليمية وتصميمها، كالمناهج المدرسية ونظم الامتحانات ونظام التنسيق في الثانوية العامة الذي يعمل كجسر يصل بين التعليم قبل الجامعي والجامعات. وهناك كذلك متطلبات سوق العمل بالإضافة إلى عوامل ثقافية تمس رؤية المجتمع للمكانة الاجتماعية ومعايير التفوق الدراسي. كل هذه عوامل تنتج الدروس الخصوصية وتدفع صوبها، وليس فقط احتياج المعلم لدخل معتبر.
وتحذر المبادرة من أن النقاشات الراهنة تتركز حول وضع حد أدنى لأجر المعلم في الدرجات المختلفة، وهو حديث مجتزأ لن يحدث تغييرا حقيقيا، ولابد من وضع هذا المطلب العادل ضمن إطار أشمل ينتهي بوضع هيكل للأجر العادل. ويترافق معه تحديد مستوى الأجر وفق الأوضاع المعيشية لفئة المعلمين، وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل مستمر. وفي هذا الأمر يشترك المعلمون مع غيرهم من موظفي الدولة، ممن تطالب غالبيتهم بالأجر العادل. كما تلتقي مطالب المعلمين مع مطالب غيرهم في الأمان الوظيفي، والحد من الاعتماد على الأجر المتغير، الذي يفرضه النظام الحالي، والمكون من تنويعة معقدة من الحوافز والبدلات والمكافآت، باتت تمثل الجزء الأكبر من الأجر الإجمالي لموظف الدولة. ولا يمكن وقف فوضى الأجور هذه بغير تحديد للأجر الرسمي على نحو يعضد الشعور بالأمان الوظيفي، ويحقق مزيدا من الشفافية، ويربط الأجر بمستوى الإنتاجية وربط تكلفة العمل بالناتج. وتجدر هنا الإشارة إلى ضرورة آلا يتجاهل النقاش حول أجور المعلمين قضايا أخرى ماسة به، تتعلق بعضها بوضع كليات التربية وأكاديمية المعلمين، ودور منظومة التدريب ونظام التوجيه وغيرها من الجوانب ذات الصلة بتقييم المعلمين وتطوير أدائهم المهني.
ومن حيث المبدأ تؤيد المبادرة المصرية الحق في الإضراب، وفي الوقت ذاته تدعوا لمفاوضات جدية ومسؤولة تحقق تطلعات المعلم، وتفيد قضية إصلاح التعليم. وفي هذا يتعين أن تتصف المفاوضات بالشفافية، وأن تتم في أجواء تضمن عدالتها ونزاهتها من ناحية، وعدم إضرارها بقدرة المعلمين على التفاوض الجماعي. وهو ما يعني أن شمول المفاوضات لمختلف الأطراف ذات الصلة من نقابات واتحادات المعلمين المتعددة ووزارتي التعليم والمالية، مع ربط هذه المفاوضات بناقشات جادة تمس إصلاح قطاع التعليم بشكله الواسع. وترى المبادرة المصرية أنه حتى في حال عدم توافر اعتمادات مالية تكفي حاليا لتلبية مطالب المعلمين فإن الحل ليس التسويف والتأجيل. إنما بمبادرة مسؤولة تقدم فيها الحكومة إطاراً زمنيا للاستجابة لهذه المطالب العادلة، وتتفاوض بشأنه مع المعلمين.
وعلى الرئاسة ومجلس الوزراء ووزارتي التعليم والمالية أن يطوروا جهودهم، من خلال التفاوض مع ممثلي المعلمين وتبني استراتيجية تفضي لمعالجة حقيقية للجذور الهيكلية والنظمية وراء احتجاج المعلمين. ولا يفوت المبادرة المصرية أن تؤكد على إدانتها لما يصدر من إجراءات عقابية وتأديبية (رسمية وغير رسمية) ضد المعلمين المشاركين أو الداعين للإضراب والأنشطة المرتبطة به. وتدين هذه الأقوال التي تصدر عن بعض المسئولين والتي تصف الإضراب بأنه غير قانوني ويضر بالصالح العام، علوة على ما يدعى بحق المضربين من تعطيل المرور أو قطع الطرق، وغير ذلك. وهي أقوال في مجملها تسوغ لإساءة استخدام الإجراءات القانونية وغرضها التحرش بالمعلمين المضربين وحرمانهم من حقهم في المطالبة بوضع مهني أفضل وأجر أكثر عدالة.