مع حلول الذكرى الثانية للفض الدموي لاعتصامي رابعة والنهضة -المبادرة المصرية: عامان من اﻻنتهاكات اﻷمنية الممنهجة واستمرار لسياسة اﻹفلات من العقاب
بيان صحفي
تحل غدًا الذكرى السنوية الثانية لفض قوات اﻷمن اعتصام عشرات اﻵﻻف من أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي بميداني رابعة العدوية والنهضة والذي أسفر عن سقوط ما قد يصل إلى 1000 قتيل في صفوف المعتصمين في مذبحة تعد هي اﻷسوأ واﻷكثر فداحة في تاريخ مصر منذ استقلالها.
وعلى الرغم من تشكيل "اللجنة القومية لتقصي حقائق أحداث العنف التي واكبت ثورة 30 يونيو"، والتعهد الرسمي بالالتزام بمخرجات تقريرها وتوصياته إﻻ أن كلًّا من التوصيات والالتزام الرسمي المفترض قد جاءا دون المأمول ومخيبين للتوقعات.
وبعد مرور عامين على هذه الكارثة، أصبح القتل والاستخدام غير المتدرج للقوة منهجًا في حد ذاته بغض النظر عن حجم وسلمية الاحتجاجات، فقد رأينا قوات الأمن تبادر باستخدام القوة القاتلة الفورية في التعامل مع مظاهرات صغيرة الحجم ولا تحمل حتى طابعًا احتجاجيًّا مثل مظاهرة حزب التحالف الشعبي في ذكرى ثورة 25 يناير 2015، التي شهدت واقعة قتل "شيماء الصباغ". بل إن الشهور الماضية قد شهدت حالتين على اﻷقل من "التصفية الجسدية" لمعارضين، قالت قوات الأمن إنهم بادروها بالعنف على خلاف الكثير من الشهادات الموثقة بما يستدعي تحقيقًا محايدًا وشفافًا في هذه الحوادث.
ويأتي ذلك أيضًا على خلفية تصاعد غير مسبوق في التضييق على حزمة من الحقوق اﻷساسية كالحق في التجمع السلمي والحق في المحاكمة العادلة إلى الحد الذي انتهى بالآلاف ليكونوا من المسجونين أو المحبوسين احتياطيًّا على خلفية قضايا ذات طابع سياسي، كتلك المتعلقة بخرق قانون التظاهر مثلًا، وقد قضى العشرات منهم نحبهم في أماكن اﻻحتجاز نتيجة التعذيب أو اﻹهمال الطبي أو التكدس الشديد.
كانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد وثقت وقائع القتل خارج إطار القانون عند فض اعتصاميِّ رابعة والنهضة، وما سبق الفض كذلك من اقتتال أهلي وعنف طائفي وعنف من قبل الدولة طوال شهر يوليو ٢٠١٣ وصولًا إلى وقائع فض الاعتصامين، في تقريرها "أسابيع القتل" الصادر في يونيو من العام الماضي. وقد تقدمت المبادرة بتقريرها والشهادات الموثقة التي جمعتها إلى اللجنة القومية لتقصي الحقائق وأبدت استعدادها الكامل للتعاون معها في هذا الشأن.
إﻻ أن تقرير اللجنة قد أتى دون المأمول وأخفق في اﻹفادة من اﻹمكانيات التي أتاحها القرار المنشئ للجنة. فقد حمَّلت لجنة تقصي الحقائق المسؤولية الرئيسية عن حصيلة الخسائر المرتفعة، في أثناء فض اﻻعتصامين وغير ذلك من أحداث العنف السياسي في صيف 2013، لقيادات سياسية مختلفة وللمتظاهرين أنفسهم. وفي رابعة العدوية، التي شكلت أكثر الوقائع دموية وتم التحقيق فيها، فإن اللجنة قد خلصت إلى أن قوات الأمن قد استخدمت القوة المتدرجة واضطرت في النهاية إلى استخدام القوة المميتة فقط للرد على استخدام المتظاهرين أسلحة نارية. ودفع التقرير بأن قوات الأمن اتخذت خطوات كافية لتقليل الخسائر وتوفير مخرج آمن للمتظاهرين، ولم تخطِّئ اللجنة قوات الأمن إلا في عدم استهداف العناصر المسلحة وسط الاعتصام بفاعلية، مما رفع أعداد الخسائر. وألقت باللوم على المتظاهرين غير المسلحين لإصرارهم على البقاء في موقع العنف والقيام بدور "الدروع البشرية" لمن يستخدمون العنف.
وفي التوصيات، أخفقت اللجنة في عدم دعوة السلطات القضائية المعنية لضمان التحقيق الكامل والمستقل والمحايد في جميع أحداث العنف انطلاقًا من نتائج تقريرها، وفي عدم الدعوة إلى محاسبة المسؤولين عنها. كما لم تدعُ اللجنة إلى مراجعة وتعديل التشريعات المنظِّمة لاستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب قوات الأمن، ولا إلى إنشاء آليات إشرافية للتحقيق في مزاعم الانتهاكات الجسيمة من جانب الشرطة، كما أوصت المبادرة في مراسلاتها مع اللجنة. ورغم سكوت اللجنة عن استخدام الذخيرة الحية إلا أنها أوصت بإعادة النظر في استخدام "الخرطوش".
وأمام هذا اﻹخفاق الرسمي واستمرار اﻻنتهاكات اﻷمنية المنظمة وغياب أي تحقيقات شفافة وتعزيز سياسة اﻹفلات من العقاب نعيد التذكير بأهم التوصيات التي خرج بها تقرير "أسابيع القتل" وعلى رأسها:
- القيام بتحقيق قضائي موسع ومستقل في أحداث العنف التي وقعت منذ اندﻻع ثورة الخامس والعشرين وحتى اﻵن (بما يستلزم صدور قانون حماية الشهود والقدرة على استدعاء أي مسئول في الدولة وأي بيانات ومستندات حكومية أو خاصة)، علاوة على نشر تقارير لجان تقصي الحقائق السابقة سواء تلك التي تم تشكيلها قبل أحداث الفض أو بعدها بهدف الوقوف على مكامن الفشل في عمل أجهزة التحقيق وأوجه القصور المختلفة في عمل اﻷجهزة اﻷمنية والتي تقتضي اﻹصلاح.
- تشكيل لجنة مستقلة تضم خبراء أمنيين وقانونيين وممثلين للمجتمع المدني بما فيه من الأحزاب السياسية لاقتراح سياسات ونظم وتغييرات تقنية في أسلوب عمل الشرطة، على أن تقدم هذه الاقتراحات إلى البرلمان القادم لوضعها في صورة قانون. ويشمل عمل اللجنة تعديل القوانين المنظمة لاستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الشرطة بحيث تتوافق مع الحد الأدنى من المعايير والممارسات الفضلى الدولية، وتحديدًا قانون هيئة الشرطة (القانون رقم 109 لسنة 1971) والقرار الوزاري رقم 156 لسنة 1964 والمكمل للمادة 102 في القانون السابق ذكره. ينبغي أن تتضمن التعديلات ضمانات أكثر للاستخدام المسئول للقوة من جانب قوات الشرطة ولحماية الحق في الحياة. كما يجب إدراج مفاهيم الضرورة والتناسب والقابلية للمحاسبة في قانون الشرطة وفي القرارات الإدارية المكملة له والدوريات الكتابية التي يتم توزيعها على رجال الشرطة. ويجب أن ينص قانون هيئة الشرطة المعدل صراحة على قصر استخدام القوة المميتة على المواقف التي ينشأ فيها تهديد جسيم للأرواح أو تهديد بالإصابة الخطرة. ويمكن الأخذ بالتعديلات التشريعية المقترحة على المواد المتعلقة باستخدام القوة، التي قدمتها مجموعة "شرطة لشعب مصر" لبرلمان 2012. تعديل قانون هيئة الشرطة والقرارات الوزارية المنظمة لتسليح الشرطة بأفرعها ووحداتها المختلفة بحيث تسمح بالرقابة البرلمانية على عمليات شراء السلاح وتخصيص الأسلحة. كما يجب على وزارة الداخلية أن تنشر جميع القرارات المنظمة لتسليح قوات الشرطة لا سيما قوات الأمن والأمن المركزي، وأن تنشر أي تعديلات على آخر قرار معروف صدر بهذا الشأن وهو القرار الوزاري رقم 3 لسنة 2007.
- إنشاء آلية رقابة مستقلة عن الجهاز التنفيذي للتحقيق في حوادث القتل أو الإصابة الخطرة، التي تنتج عن التعامل الشرطي، سواء وقعت في أماكن الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية أو في المجال العام (أي في الكمائن والشوارع والطرقات وأي مكان لا يتبع مباشرة جهاز الشرطة)، بهدف تعزيز المحاسبة والحد من ممارسات العنف الشرطي غير القانوني والاستخدام المفرط للقوة وللرصاص. ينبغي أن تتمتع اللجنة بجميع صلاحيات التحقيق بهدف تعزيز الرقابة على العمل الشرطي وتلافي القصور في المحاسبة الذي ينتج عن ضعف النيابة العامة وأجهزة التحقيق الداخلية في وزارة الداخلية.
- إلغاء القانون رقم 107 لسنة 2013 الصادر بقرارٍ من الرئيس المؤقت عدلي منصور بتاريخ 24 نوفمبر 2013، المعروف باسم قانون التظاهر، الذي يضيق تعريف التظاهر والتجمع السلمي إلى الحد الذي يصبح معه من المستحيل عمليًّا تنظيم أي من أشكال الاحتجاج السلمي، ويضع قيودًا مجحفة على الحق في التجمع والتعبير عن الرأي ولا يتسق مع الحد الأدنى من المعايير الدولية، أو مع نصوص الدستور المصري الذي تم إقراره في 2014، كما أنه يضع عقوبات مغلظة على مخالفات إدارية بسيطة مثل التظاهر بدون إخطار كما يعاقب على جرائم لا ترتبط بالضرورة بممارسة الحق في التظاهر مجرمة ومنصوصًا عليها بالفعل في قانون العقوبات.
وأخيرًا تؤكد المبادرة المصرية أن غياب الحقيقة والمحاسبة بعد عامين من حادث الفض هو كارثة ﻻ تقل عن كارثة مقتل ألف معتصم. واستمرار هذا الممارسات اﻷمنية على حالها لا ينذر إﻻ بالمزيد من الحوادث المماثلة في المستقبل وتتناقض مع المستقر من دروس التاريخ والتي تكشف أن حكم القانون وحماية الحقوق اﻷساسية للمواطنين هي بحد ذاتها من أنجع اﻹجراءات وأكثرها فعالية في مواجهة أخطار العنف واﻹرهاب.