تعليق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على تعديلات اللائحة التنفيذية لقانون البيئة: المزيد من التنازلات في شروط استخدام الفحم
بيان صحفي
أصدر السيد رئيس الوزراء في مارس الماضي القرار رقم 618 لسنة 2017، بتعديل اللائحة التنفيذية لقانون البيئة، وتمحورت معظم التعديلات حول معايير وشروط استخدام الفحم الواردة في ملحق رقم 12 من اللائحة التنفيذية السابقة. تشير التعديلات، بما احتوته من استثناءات ومن إغفال للضوابط وغموض في الصياغة، إلى توجه واضح نحو التخفيف والتحلل من تطبيق معايير الحماية البيئية والصحية ضد أضرار الفحم.
كانت اللائحة التنفيذية السابقة قد صدرت بقرار رئيس الوزراء رقم 964 لسنة 2015، عقب اتخاذ قرار إدخال الفحم ضمن مزيج الطاقة، وذلك لوضع القواعد المنظمة لاستخدامه في مصر. جدير بالذكر أن عددًا من منظمات البيئة كان قد اعترض وقتها على بعض مواد تلك اللائحة، واعتبر أن المعايير والشروط البيئية المتضمنة فيها لا توفر حماية كافية للبيئة والصحة.
وتقول د. راجية الجرزاوي الباحثة في البيئة: "لقد صاحب إدخال الفحم ضمن مزيج الطاقة، والذي لاقى معارضة واسعة بسبب تأثيره الضار على الصحة والبيئة، تأكيدات من الجهات الحكومية بأن استخدام الفحم سيتم ضمن معايير محكمة تضاهي أحدث المعايير العالمية. ورغم أن هذه الحجة ضعيفة أمام العديد من الأدلة العلمية التي تؤكد ضرر الفحم حتى مع استخدام المعايير العالمية، ورغم أن المعايير البيئية في اللائحة السابقة، لم تكن حقًّا تضاهي أحدث المعايير العالمية، فإن تعديلات اللائحة الأخيرة تهدد بالمزيد من الخطر على البيئة والصحة".
أدخلت التعديلات الأخيرة مزيدًا من الاستثناءات على الالتزام بالشروط والمعايير البيئية. وجاءت أسوأ هذه الاستثناءات في المادة الرابعة (تعديل بند (1 ) في القسم الثاني، الاشتراطات والمعايير الخاصة بمحطات التخزين الوسيطة خارج الموانئ)، التي سمحت باستثناء محطات تخزين الفحم من شرط الابتعاد 3 كليومترات عن التجمعات السكنية، وذلك "لدواعي الضرورة" حسبما ذكرت اللائحة. جدير بالذكر أن اللائحة السابقة نفسها سبق وأدخلت استثناء يسمح بحرق الفحم كوقود في المناطق السكنية "لدواعي الضرورة والصالح العام" أيضًا، ثم جاءت هذه التعديلات الجديدة باستثناء التخزين لتزيد الضرر المتوقع. ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الإدارة تسويغ هذا التراجع في حماية البيئة، وذلك بالنص على أنه من "دواعي الضرورة والصالح العام"، ولكن دون تحديد ماهية هذه الدواعي ولا كيف قد تصب في الصالح العام للمجتمع وليس في الصالح الخاص للشركات، ما يصعب حقيقة قبول هذا التبرير.
لجأت التعديلات كذلك إلى إلغاء العديد من تفاصيل الشروط والمعايير التي كانت مذكورة نصًّا في اللائحة السابقة، وأحالت مهمة تحديد هذه التفاصيل ومنح الموافقات إلى وزارة البيئة أو جهازها أو لجنة الفحم بها، دون وضع ضوابط وقواعد محددة للشروط أو الموافقات، ما قد يفتح الباب أمام التنصل من صرامة المعايير البيئية. فإذا كان عدم النص على التفاصيل أمرًا قد يكون مبررًا في سن القوانين، فإنه في اللوائح ليس كذلك. فالقوانين ليس من اليسير تغييرها، بينما اللوائح سهل تعديلها بل ومطلوب كذلك، حتى تواكب التغيرات والتطورات، واللائحة التنفيذية نفسها للبيئة تم تعديلها مرتين في العامين الماضيين. تكمن فائدة النص على التفاصيل في اللائحة في أنها تفصح بجلاء وبشكل منشور عن المسموح والمخالف ليعلمها الجميع كما أنها مفتوحة للطعن عليها أمام القضاء للمتضررين، أما التفاصيل التي يتم وضعها في أروقة الوزارات والمصالح الحكومية فقد لا تكون كذلك.
على سبيل المثال نصت اللائحة السابقة على "استخدام نواقل حلزونية مغلقة أو الكابشات المغلقة" في نقل الفحم من السفن، وذلك لتقليل تطاير غبار الفحم (الفقرة 1 البند أ، التفريغ في الموا نيء سابقًا)، ولكن المادة الثانية من اللائحة تلغي هذه الفقرة وتحيل وضع ضوابط واشتراطات التفريغ إلى "ما يصدره جهاز شئون البيئة"، فهل ستوضع اشتراطات أفضل من النقل المغلق؟
كذلك ألغت المادة الرابعة من التعديلات النصَّ على أن تكون مصدات الرياح المحيطة بأماكن التخزين المكشوفة مصممة وفق المواصفات العالمية (فقرة رقم ب من البند رقم 3 في القسم الثاني، الاشتراطات والمعايير الخاصة بمحطات التخزين الوسيطة خارج الموانئ سابقًا)، وجعلت مواصفات مصدات الرياح يضعها جهاز شئون البيئة! فهل ستوضع اشتراطات أفضل من المواصفات العالمية؟
وسمحت المادة الثالثة (بتعديل الفقرة رقم 6 من البند رقم ب، التشوين) بالاستثناء في إطالة المدة المحددة لخروج الفحم من الموانئ أيضًا "في الأحوال الضرورية" دون توضيح طبيعة هذه الأحوال. كما استثنت عدة مواد في لائحة الفحم المعبأ في أكياس من تركيب أنظمه للرش لتقليل تطاير أتربة الفحم، لكنها لم تنص على مواصفات التعبئة ونوع الأكياس ولا على شروط التعامل مع الفحم المعبأ في مراحل التداول والتخزين وأحالت كل ذلك إلى جهاز شئون البيئة.
أما المادة الثالثة فقد استحدثت تمييزًا بين المراسي النهرية والموانئ البحرية في الاشتراطات البيئية لم يكن موجودًا في اللائحة السابقة، (تعديل الفقرة رقم 7 من البند رقم ب التشوين سابقًا). ولكن لا يبدو أن هذا التمييز في صالح حماية البيئة. فقد قصرت وجوب تركيب أجهزة رصد الأتربة على المرسى النهري فقط، وأبقته على أن يكون على نفقة شركة الشحن، بينما في الموانئ البحرية فليس ضروريًّا تركيب أجهزة رصد الأتربة وإنما "يجوز" ذلك فقط وعلى نفقة جهاز شئون البيئة.
أيضًا سمحت المادة الثانية من التعديلات بعدم الالتزام بشروط تخزين الفحم الموصوفة نصًّا "داخل مخازن نصف كروية أو هناجر على هيئة مظلة وثلاثة جوانب مغلقة والجانب الرابع مزود بستارة… إلخ." (الفقرة رقم 1 من البند ب التشوين سابقًا)، وبدلًا من ذلك يتولى جهاز شئون البيئة "الموافقة على شروط معدلة" في الأحوال التي "يستحيل" فيها تنفيذ هذه الشروط "لاعتبارات خاصة بالموقع" وذلك بدلًا من استبدال الموقع مثلًا. ويخشى أن تكون الشروط أقل صرامة في تقليل تطاير غبار الفحم.
فوق ذلك يشوب صياغة بعض التعديلات غموض والتباس ولا ندري هل هذا من باب السهو والخطأ أم القصد والتعمد. على سبيل المثال أغفلت المادة الأولى في اللائحة "مراجعة" دراسات تقويم التأثير البيئي والمخاطر وأي مراجعات بيئية، وكذلك التفتيش البيئي، من شرط حصول القائمين بها على ترخيص أو اعتماد كما كانت اللائحة السابقة تنص (مادة 13 مكرر)، على الرغم من أن القائمين على الدراسات أنفسهم يتوجب حصولهم على الترخيص، ولا ندري هل مهام المراجعين والمفتشين البيئيين لا تحتاج إلى استيفاء شروط أداء العمل نفسه؟
كذلك استخدمت اللائحة في المادة الثانية مصطلح " الدراسة البيئية " بدلًا من "دراسة تقويم الأثر البيئي" في تعديل الفقرة 2 من البند أولًا من الملحق 12، وذلك كشرط للحصول على تصريح استيراد أو تداول أو استخدام الفحم. وقد لا يبدو التغيير هامًّا، لكن بينما دراسات تقويم الأثر البيئي لها أدلة استرشاديه ونماذج خاصة بكل فئة من المشروعات، تم إعدادها بالتعاون مع جهات دولية تعتمد معايير لحماية ببيئية واجتماعية منها البنك الدولي، فإن مصطلح "الدراسة البيئية" غير محدد المحتوى ويخشى أن يكون أقل إلزامًا من متطلبات تقويم الأثر البيئي، خصوصًا من شروط الحوار المجتمعي.
جاءت صياغة المادة الخامسة، والتي عدلت فقرة رقم 1 من البند رقم أ، النقل بالشاحنات من القسم الثالث من اللائحة السابقة، أكثر إرباكًا، حيث كانت قبل التعديل تنص على أنه "يلزم" حصول الشاحنات على تراخيص "بعد موافقة" جهاز شئون البيئة، فأصبحت بعد التعديل تنص على"تصدر" موافقة بيئية- لاحقة وليست مسبقة- من فروع جهاز شئون البيئة "بعد حصول" شركات النقل، وليس الشاحنات، على التراخيص.