المبادرة المصرية: على الحكومة احترام الحق في التجمع السلمي والتظاهر والحق في الخصوصية، والتوقف عن الانتهاكات الجسيمة للدستور والإفراج الفوري عن كافة المحتجزين على خلفية هذه القضية والقضايا ذات الطابع السياسي
بيان صحفي
قالت المبادرة المصرية اليوم أن على الحكومة المصرية احترام الحق في التجمع السلمي والتظاهر باعتباره أحد الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور المصري والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وليست جرائم جنائية تستوجب المنع والعقاب، كما إن على الحكومة الامتناع عن انتهاك أبسط حقوق المواطنين في الخصوصية بشكل يهدف إلى تخويفهم من المشاركة في التجمعات.
وصل عدد المقبوض عليهم على خلفية مظاهرات يومي الجمعة والسبت 20 و21 سبتمبر إلى ما يقترب من ألفي شخصٍ طبقًا لبعض التقديرات، وأصدر مكتب النائب العام ليلة أمس الخميس 26 سبتمبر بيانًا رسميًا، وهو الأول الذي يصدر عن جهات التحقيق بعد خمسة أيام من بدء التحقيقات مع مئات المهتمين.
وأشار النائب العام في بيانه إلى استجواب "عدد لا يتجاوز الألف" في إطار التحقيق فيما وصفه البيان بوقائع " التحريض على التظاهرات بالميادين والطرق العامة بعدد من المحافظات"، إلا أن تقديرات المحامين والمنظمات الحقوقية والتي تقوم بحصر ومتابعة التحقيقات منذ تاريخ 21 سبتمبر تشير إلي زيادة عدد الموقوفين عن الألف، ويصعب حصر الأرقام الحقيقية للموقوفين حيث أن الأرقام تتزايد بشكل يومي ويصل يوميًا إلى مقار التحقيق في القاهرة عشرات الموقوفين الجدد.
قام عدد من المنظمات الحقوقية ومراكز المساعدة القانونية بمحاولة حصر المقبوض عليهم طوال الأسبوع الماضي ونشر بياناتهم وتحديث المعلومات بشكل مستمر. وفي آخر تحديث للأرقام ذكرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات أن عدد المقبوض عليهم تجاوز 1400 شخص، أما المركز المصري للحقوق الاقتصادية فقد قدر عدد الموقوفين والمعتقلين في حصره بأكثر من 1900 شخص. تتضمن تلك الأرقام المقبوض عليهم من أماكن التجمعات يومي الجمعة والسبت الماضيين بمحافظات القاهرة والإسكندرية والسويس والغربية ودمياط والقليوبية ومرسى مطروح وعدد من محافظات الصعيد، بالإضافة إلى أشخاص قُبض عليهم من منازلهم وشخصيات سياسية وأكاديمية بارزة والعشرات من الأشخاص الذين تم اقتيادهم إلى أماكن الاحتجاز بعد توقيفهم عشوائيًا في الشوارع وتفتيشهم وتفحص هواتفهم المحمولة بحثًا عن أي محتوى سياسي.
كما قامت قوات الأمن منذ تاريخ 20 سبتمبر بالقبض على أشخاص لمجرد قيامهم بتصوير التجمعات باستخدام كاميرات التليفون حتى وإن لم يتفاعلوا معها، ويظهر في هذا الفيديو رسالة مصورة من مواطن قام بتصوير التجمعات في السويس من شرفة منزله ونشره عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي وقامت قوة من الشرطة بالقبض عليه من منزله. في فيديو آخر بتاريخ 20 سبتمبر ظهر مواطن في ميدان التحرير يقوم بتصوير حركة سير المرور وبث فيديو لايف على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي وقبل أن ينتهي البث، الذي يحاول فيه اثبات عدم وجود تظاهرات وانتظام المرور في الميدان، تقوم قوة من الأمن بالقبض عليه بسبب التصوير (تم حذف الفيديو وإغلاق حساب الشخص المسؤول عنه).
تحقيقات جماعية مع المتهمين وانتهاكات إجرائية بالجملة
يتم التحقيق مع متهمين جدد بشكل يومي منذ الأحد 22 سبتمبر وحتى مساء أمس الخميس 26 سبتمبر. وقررت نيابة أمن الدولة حبس أغلب المتهمين الذين تم التحقيق معهم بشكل مبدئي 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة. ومع وصول أعداد متزايدة إلى النيابات في القاهرة من مختلف المحافظات يوميًا، رصد محامو المبادرة المصرية الكثير من الحالات التي تم التحقيق معها بدون حضور محامي بالرغم من استنفار عدد كبير من المحامين من المنظمات الحقوقية ومن نقابة المحامين، ومن المرجح أن تلك الحالات التي لم يحضر معها محامين لم تُعرف أسمائهم ولم يشملهم حصر الموقوفين. كما تتواتر البلاغات من الأهالي بخصوص القبض على ذويهم للنائب العام بشكل عشوائي ومستمر حتى الخميس 26 سبتمبر وترجح تلك البلاغات أن مازال هناك العديد من الموقوفين الذين لم يظهروا في النيابات.
استعانت نيابة أمن الدولة بمساعدة وكلاء نيابة منتدبين من النيابات العادية حتى أن بعض التحقيقات باشرها وكلاء نيابة منتدبين من نيابة الأموال العامة ونيابة الشؤون المالية والتجارية، ونيابات غرب ووسط وجنوب القاهرة.
وتخشى المبادرة المصرية أن تكون نيابة أمن الدولة قد لجأت للمادة 40 من قانون الإرهاب، التى تمنح النيابة العامة سلطة احتجاز المتحفظ عليهم 14 يوم قبل بدء التحقيق والتي لم تكن تُستخدم بكثافة من قبل النيابة إلا في القضايا المتعلقة بجرائم الإرهاب. فبعض المقبوض عليهم منذ يوم 20 سبتمبر لم يظهروا أمام النيابة ولم يتم التحقيق معهم حتى تواريخ 23 سبتمبر و24 سبتمبر مع إثبات القبض عليهم يوم 20 سبتمبر وفقا لما ورد في التحقيقات التي حضرها المحامين من المبادرة المصرية.
وقد جرت العادة أن محضر النيابة يتم اثبات فيه تاريخ للقبض لا يزيد عن 24 ساعة عن تاريخ بدء التحقيق (حتى وإن لم يكن ذلك دقيقًا). علما بأن هذا النص القانوني لا يجيز الاحتجاز لمدة 14 يوم إلا بعد عرض المتحفظ عليه على النيابة العامة، لتقرر احتجازهم لوقت إضافي قبل بدء التحقيق معهم، ومع ذلك فلم تفصح النيابة العامة أو النيابة المختصة عن العدد الإجمالي للمحتجزين حتى الآن.
واجهت نيابة أمن الدولة أغلب المتهمين بنفس التحريات والاتهامات المتطابقة التي تتضمن مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ونشر الأخبار والإشاعات والبيانات الكاذبة بقصد الإضرار بالأمن، وهي قائمة الاتهامات التي جرت العادة على استخدامها في القضايا السياسية، كما تم توجيه اتهامات بتنظيم مظاهرات بدون ترخيص.
وأكد المحامون الحاضرون من المبادرة المصرية على ارتكاب انتهاكات إجرائية عديدة مع المتهمين وعلى حرمانهم من أبسط الحقوق التي يكفلها قانون الإجراءات الجنائية وشملت الانتهاكات حرمان المتهمين من الاتصال بذويهم، رغم أن قانون الإرهاب ذاته يقرر للمتحفظ عليه الاتصال بذويه، واحتجازهم في أماكن غير مخصصة للاحتجاز من ضمنها معسكرات الأمن المركزي، طبقا لما أدلى به المتهمين بالتحقيقات، حيث لا يستطيع المتهم الاستعانة بمحام والحصول على أبسط حقوقه في التمثيل القانوني.
انتهاك الحق في الخصوصية بشكل يومي واعتيادي من قبل قوات الأمن
يجرم الدستور المصري المساس بخصوصية المواطنين بشكل صريح، ويمنع الاطلاع على المراسلات الشخصية والمحادثات الهاتفية الخاصة بالأفراد إلا بأمر قضائي مُسبب. تنص المادة 57 من الدستور على أنه:
"للحياة الخاصة حُرمة، وهى مصونة لا تُمَسّ، وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حُرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مُسبّب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يُبيّنها القانون."
تقوم قوات الأمن بشكل يومي منذ تاريخ السبت 21 سبتمبر وحتى اليوم بتوقيف المارة بشكل عشوائي في محيط ميدان التحرير، وبعض الميادين الحيوية وتفتيشهم وفحص مستوى هواتفهم المحمولة بحثًا عن أي محتوى سياسي يتم القبض عليهم على أساسه. وقد أصبحت هذه الممارسة المتكررة جزء لا يتجزأ من محاولات الشرطة لتخويف المواطنين ليس فقط من التظاهر بل من التواجد في محيط الأماكن التي يعتقد أنها هدف التجمعات والتظاهرات. وفي هذه الممارسة انتهاك صارخ للحماية الدستورية المفروضة على خصوصية المواطنين، وهو ما أكدت عليه أيضا المحكمة الدستورية العليا عندما ألغت الفقرة الأولى من المادة 3 من قانون الطوارئ في 2013 والتي كانت تتيح تفتيش الأشخاص بدون التقيد بضوابط قانون الإجراءات الجنائية (في ظل فرض حالة الطوارئ). أما في سياق التحقيقات ومن واقع أقوال العديد من المتهمين فقد تم إجبارهم على تقديم تليفوناتهم الشخصية وتسليم بيانات حساباتهم الخاصة من أجل تفتيش محتواها لانتزاع دليل ضد أنفسهم، ما يعد أيضًا انتهاكًا للقانون.
لا يحق لقوات الأمن حتى في حال الاشتباه الاطلاع على المراسلات الخاصة بالأشخاص بدون وجود أمر قضائي - إلا أن قوات الشرطة تقوم بذلك بدون وجود أي أسباب للاشتباه في الأشخاص ولمجرد مرورهم بمحيط ميدان التحرير أو بمحيطه الجغرافي أو بالميادين الحيوية الأخرى.
وفي سياق متصل قامت قنوات إخبارية بإذاعة مكالمة شخصية مسجلة للأكاديمي حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والذي تم القبض عليه من منزله يوم الأربعاء 25 سبتمبر، في انتهاك صارخ من نوع آخر للحق في الخصوصية أضحى ممارسة متكررة في الإعلام المصري تهدف إلى تبرير القبض على أطراف الحديث في المكالمات المسربة. وبغض النظر عن محتوى المكالمة المسربة فلا يوجد أي إجراء قانوني يسمح بإذاعة مكالمات شخصية حتى لو تم الحصول عليها بشكل قانوني وبمقتضى أمر قضائي مسبب.
القبض على المحامين أثناء تأدية مهام عملهم بالإضافة إلى اعتقال أكاديميين وشخصيات عامة
منذ بدء حملة التوقيفات والاعتقالات الجماعية، قامت السلطات المصرية بالقبض على العديد من المحامين أثناء تأديتهم مهام عملهم في توفير الدفاع القانوني للمتهمين أثناء التحقيقات، بعضهم تم القبض عليهم في محيط مقرات التحقيق وبعد انتهاء التحقيقات مباشرة. فقد تم القبض على المحامية ماهينور المصري يوم الأحد 22 سبتمبر أثناء محاولتها مغادرة مقر نيابة أمن الدولة العليا. كما تم القبض على المحامي محمد صلاح عجاج - وكيل نقابة المحامين بالسويس يوم الأربعاء 25 سبتمبر أثناء توجهه للقيام بمهام عمله، كما أوردت بعض المصادر الصحفية أنباء عن القبض على محامين آخرين بمحافظات أخرى.
وبنفس الكيفية فقد تم القبض يوم الخميس 26 سبتمبر على المحامي محمد حلمى حمدون وزوجته أسماء دعبيس من مقهى بدمنهور، كما قامت قوات الأمن بالقبض على أخيه أحمد حلمى حمدون وهو مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
تجريم التظاهر بشكل كامل ومنافي للقانون المصري
تتناسى السلطات المصرية أن حتى قانون التظاهر الحالي رقم 107 لسنة 2013، وبالرغم ما به من عوار قانوني ونصوص غير دستورية بسبب عدم التزامها بالحد الأدنى من ضمانات حقوق الإنسان بما يشمل حق التجمع السلمي، إلا أن تلك النصوص لا تجيز تفريق المظاهرات بالقوة والقبض على كل من شارك أو مر بجوار المظاهرة لمجرد أنهم يعبرون عن رأي مغاير لسياسات الحكومة أو عن غضبهم تجاه شخص رئيس الجمهورية.
فالمادة رقم 11 من قانون التظاهر تنص على أنه:
"وإذا صدر خلال الاجتماع العام أو الموكب أو المظاهرة أى سلوك من المشاركين فيها يشكل جريمة يعاقب عليها القانون أو خروج المشاركين فيها عن الطابع السلمى للتعبير عن الرأى جاز لقوات الأمن بالزي الرسمي، وبناء على أمر من القائد الميدانى المختص فض الاجتماع العام أو تفريق المواكب أو المظاهرة، والقبض على المتهمين بارتكاب الجريمة. ويجوز لمدير الأمن المختص مكانيًا قبل الفض أو التفريق أو القبض أن يطلب من قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية المختصة ندب من يراه، لإثبات الحالة غير السلمية للاجتماع العام أو الموكب أو المظاهرة، ويصدر القاضى أمره على وجه السرعة."
أي أنه حتى الفض يجب أن يكون مسببًا بصدور سلوك من المشاركين يعاقب عليه القانون وقد اختصر المُشَرِع في نص المادة 11 من قانون التظاهر ذلك السلوك الذي يعاقب عليه القانون ويستوجب الفض "بغير السلمية".
ولا يجب أن تقبض قوات الأمن على المتظاهرين السلميين لمجرد مخالفة إدارية لنصوص تنظيمية، وهو ما تؤكد عليه كافة المواثيق الدولية وآخرها التقرير المشترك للمقررين الخواص للأمم المتحدة بشأن الإدارة السلمية للتجمعات والصادر في فبراير 2016. ويظهر بوضوح من المقاطع المصورة المتواترة من وقائع المظاهرات والتجمعات في مختلف المحافظات التي جاء ذكرها أعلاه أن المظاهرات كانت صغيرة الحجم وسلمية الطابع، ولا يوجد طبقًا للشهادات والمقاطع المصورة ما يتطلب الفض بالقوة والقبض على هذا العدد الكبير من المواطنين. ومن أجل إضفاء الشرعية على هذا الإجراء وجهت لهم النيابة العامة -على اختلاف أماكن توقيفهم وتنوعها- قيامهم جميعا بمحاولة قطع الطرق، في محاولة لإضفاء صفة "غير السلمية" على كافة تجمعات يومي 20 و21 سبتمبر، إضافة إلى اتهامهم جميعًا بتنظيم تظاهرة دون ترخيص.
تشن السلطات المصرية حملة قمع موسعة يبدو أن هدفها الرئيسي هو تخويف المواطنين من تكرار المظاهرات (والتي اتسمت بالسلمية بالإضافة إلى صغر حجمها النسبي، بالرغم من انتشارها جغرافيا).
تؤكد المبادرة المصرية على انعدام أي أسس قانونية لتلك الإجراءات التي تتخذها السلطات وتطالب بالإفراج عن جميع المقبوض عليهم على خلفية تطورات الأحداث منذ الجمعة 20 سبتمبر، وعلى ضرورة التزام قوات الأمن والسلطات المصرية بواجباتها في حماية الحق في حرية الرأي والتعبير وحق التجمع والتظاهر السلمي، والامتناع عن معاقبة المواطنين والقبض عليهم وتوجيه لهم اتهامات استنادًا إلى نصوص قانون مكافحة الإرهاب لمجرد ممارستهم الحق في التعبير عن الرأي بشكل سلمي، وهو الحقوق المنصوص عليها في الدستور والقوانين المصرية وفي العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
دأبت نيابة أمن الدولة على الإلقاء بعدد كبير من الأشخاص المستهدفين بسبب ميولهم السياسية في قضايا كبيرة بقائمة طويلة من الاتهامات وعدد ضخم من المتهمين الذين لا يربطهم بالضرورة أي رابط وعلى خلفية أحداث غير متقاطعة بالضرورة ولا تتقاطع حتى في الفترة الزمنية، ثم الإطالة في التحقيق حتى تتحول القضية إلى مجرد إطار قانوني يسمح باحتجاز كل هذا الكم من الأشخاص لأطول فترة ممكنة. والأمثلة على ذلك النمط كثيرة في السنوات الماضية من ضمنها القضية 930 لسنة 2019 والقضية 441 لسنة 2018، وتحذر المبادرة المصرية من تحول القضية رقم 1338 لسنة 2019 إلى نموذج آخر من هذه القضايا وتطالب بالإفراج الفوري عن كل المحتجزين فيها وعلى المحبوسين على ذمة القضايا المشابهة ذات الطابع السياسي.