المبادرة المصرية تشارك في جلسة مناقشة قضايا التمييز بالحوار الوطني
بيان صحفي
في إطار مشاركة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في فعاليات الحوار الوطني التي أطلقت يوم الثالث من مايو الحالي، شارك عدد من خبراء المبادرة في أولى الجلسات المخصصة لمناقشة قضية “مناهضة التمييز” في لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة، وهي إحدى لجان المحور السياسي بالحوار.
تقدمت المبادرة المصرية بورقتي عمل لتكونا أساسًا لمداخلات باحثيها. تناولت الورقة الأولى عددًا من المقترحات التشريعية والتنفيذية العاجلة الكفيلة بمواجهة بعض أوجه التمييز على أساس الدين، في حين ركزت الورقة الثانية على المعايير الواجب توفرها في تشريع موحد وشامل لمناهضة التمييز وفي تشكيل وصلاحيات المفوضية المنوط بها تنفيذ أحكامه.
ركزت الورقة الأولى على ثلاثة مجالات تتطلب تدخلًا تشريعيًا وتنفيذيًا عاجلًا، في إطار النصوص الدستورية القائمة، بما يضمن رفع التمييز غير القانوني الواقع على قطاع كبير من المواطنين المسيحيين وكذا معتنقي الأديان والعقائد غير المعترف بها، أو ما درج على تسميته بالأديان والمعتقدات “غير السماوية”. وعلى وجه الخصوص، تناولت الورقة بالنقد القانون المنظم لبناء وترميم الكنائس، قانون رقم ٨٠ لسنة ٢٠١٦. بالرغم من اتفاق الورقة أن مجرد صدور تشريع ينظم عملية بناء وترميم الكنائس هو خطوة إيجابية بحد ذاتها، إلا أنها انتقدت النصوص التمييزية التي يحفل بها القانون وعلى رأسها اعتبار المواطنين المسيحيين “طائفة” دينية تستوجب معاملة خاصة لممارسة حقها الأصيل في ممارسة الشعائر الدينية. وأشارت الورقة إلى أن مبدأ المواطنة المنصوص عليه في صدر الدستور كان يتطلب صدور قانون موحد لبناء دور العبادة دون تمييز، أو حتى الالتزام بالأكواد المحددة في قوانين البناء. وامتدت هذه الرؤية التمييزية في باقي نصوص القانون لتضع شروطًا تعسفية بلا معايير واضحة لترخيص الكنائس الجديدة ومنها ضرورة أخذ الكثافة السكانية لأتباع الطائفة مقدمة الطلب في الحسبان، بخلاف تعليق الموافقة على تقدير الحالة الأمنية. والمحصلة النهائية لهذا التمييز تمثلت في تسهيل إصدار تراخيص بناء الكنائس في المدن والتجمعات العمرانية الجديدة بينما تتعقد العملية في القرى والنجوع البعيدة عن المركز. هذا بخلاف أن عمل لجنة توفيق أوضاع الكنائس القائمة بالفعل يشوبه البطء الشديد وعدم ملائمة الشروط المنصوص عليها في ردود اللجنة مع طبيعة البيئة أو الحالة الاقتصادية والاجتماعية لأهالي تلك المناطق.
أخذًا في الاعتبار تلك الانتقادات، أعادت المبادرة توصيتها بصدور إطار قانوني لبناء دور العبادة يتضمن شروطًا توجيهية خاصة بكود البناء في المنطقة، ولا يتضمن أية اشتراطات قاصرة على الكنائس دون غيرها من المباني الخدمية والإدارية ودور العبادة الأخرى، أو إدخال تعديلات جوهرية على القانون الجديد تسقط تمامًا مبدأ التصريح المسبق من قبل الجهات الإدارية بناءً على تقدير "حاجات المنطقة" و "عدد السكان"، وأن تقتصر الشروط المنظمة لبناء الكنائس على المتعارف عليه من شروط في قانون البناء المعمول به حاليًا. مع مراعاة أن يضمن أي تعديل أو إضافة تشريعية حق المواطنين المسيحيين في تقديم طلبات بناء الكنائس والمباني الخدمية التابعة وترميمها إلى الجهات المسؤولة بشكل مباشر أسوة بما يحدث بشأن بناء المساجد، كطريق ثان يضاف إلى المسار القانوني الحالي الذي أبقى الأمر حصرًا في يد الممثل القانوني للطائفة المسيحية. كما أوصت بصدور قرار واحد من مجلس الوزراء يتضمن توفيق أوضاع جميع الكنائس التي تقدمت بأوراقها بغض النظر عن توفر الشروط الواردة في قانون بناء الكنائس من عدمه، وبدون إجراء أية معاينات أو دور للأجهزة الأمنية والمحلية. على أن تتم المعاينات في مرحلة لاحقة للتأكد من السلامة الإنشائية ونظم الحماية المدنية المناسبة للمنطقة الجغرافية، وبدون أن يكون لذلك أية تداعيات على قرار توفيق الأوضاع، مما يسد الباب أمام حجج التعطيل البيروقراطي والتعنت الأمني.
الجانب الثاني من معاناة المسيحيين المصريين التي يجب التدخل فورًا لإنهائها دون تعارض مع النصوص الدستورية، بل بالأحرى تنفيذًا لنصوص دستورية معطلة، يتعلق بتنظيم توزيع الإرث. استعرضت الورقة واقع التمييز المضاعف الواقع على النساء المسيحيات نتيجة غياب قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين يحدد قواعد تحديد وتوزيع أنصبة الإرث، بما يفتح الباب لذكور كثير من العائلات، والكثير من القضاة، بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية على هؤلاء النساء خلافًا لرغباتهن. يشكل غياب هذا التشريع حتى الآن تعطيلًا صريحًا لنص المادة الثالثة من الدستور التي تنص على حق أتباع الديانات السماوية في مصر في الاحتكام لشرائعهم فيما يتعلق بتنظيم أحوالهم الشخصية واختيار قياداتهم الروحية. وكررت المبادرة توصيتها بسرعة طرح هذا التشريع الحيوي للحوار المجتمعي وعدم الاقتصار على مناقشته خلف الأبواب المغلقة بين الحكومة وممثلي الكنائس المختلفة.
أما فيما يتعلق بالحقوق المدنية لمعتنقي العقائد والأديان غير المعترف بها، فركزت الورقة والمداخلات على ثلاثة إجراءات تشريعية وتنفيذية عاجلة لا يتطلب تطبيقها الفوري إلا توافر الإرادة السياسية. فمن المعروف أن الدولة قد امتثلت لأحكام القضاء وتصدر بطاقات هوية للبهائيين تحتوي علامة (-) في خانة الديانة، إلا أن إصدار بطاقات الهوية حتى الآن لا يتم بشكل تلقائي،أو عبر لجنة خاصة تابعة لمصلحة الأحوال المدنية، ولكنه مرهون بحيازة وثائق رسمية سابقة مثبت بها علامة (ــ) أمام خانة الديانة، أو إنفاذاً لأحكام قضائية واجبة النفاذ. هذا بخلاف أن بطاقة الهوية ليست الوثيقة الوحيدة التي يحتاجها هؤلاء المواطنين لممارسة حقوقهم المدنية، ولكنهم في احتياج إلى توثيق الزواج والطلاق، واستخراج تصاريح بناء مقابر.
في هذا الصدد، أوصت الورقة تعديل المادة 33 من اللائحة التنفيذية لقانون الأحوال المدنية الصادرة بالقرار رقم 1121 لسنة 1995 والمعدلة بقرار وزير الداخلية رقم 520 لسنة 2009 لإنشاء لجنة خاصة يشكلها قطاع الأحوال المدنية تكون هي جهة الاختصاص في توثيق انتماء المواطنين المصريين لغير الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية للنظر في حالة المواطنين غير الحائزين لمثل هذه الوثائق السابقة أو الأحكام القضائية. كذلك أوصت الورقة بضرورة إسراع رئيس الجمهورية أو المحافظين بإصدار قرارات تخصيص مدافن لغير المنتمين للأديان الثلاثة، في المحافظات التي يتقدم فيها مواطنون بطلب يفيد حاجتهم لذلك. وأخيرًا، أوصت الورقة بتعديل المادة 5 من قانون الأحوال المدنية 143 لسنة 1994 لإلزام مكاتب الشهر العقاري بتوثيق عقود زواج المواطنين من حائزي بطاقات هوية مثبت بها علامة (-)، و يستتبع ذلك إلغاء المادة 134 من الباب الخامس في القسم الثاني من تعليمات الشهر العقارى التي تقصر توثيق عقود الزواج على أتباع الديانات السماوية فقط. كما يجب تعديل المادة 3 من قانون رقم 1 لسنة 2000 لإلغاء شرط وجود مجالس ملية سابقة حتى تنظر المحاكم في أمر المنازعات بين المواطنين بشأن الأحوال الشخصية.
أما الورقة الثانية فقد تضمنت مقترحًا بالمعايير الواجب توافرها في تشريع شامل للمساواة ومنع التمييز بما في ذلك المعايير المؤسسة للمفوضية المنوط بها تنفيذ أحكام هذا القانون. واستندت الورقة في مقترحها على عدد من المعايير الواردة في إسهامات مكتب المفوضية العامة لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وتوصيات وتقارير هيئات معاهدات حقوق الإنسان المختلفة و المقررين الخواص، علاوة على استعراض تجارب في سياقات شبيهة في الجنوب العالمي.
شددت الورقة على ضرورة التزام التشريع الموحد بمفهوم محدد وشامل للتمييز يتوافق مع النص الدستوري في المادة ٥٣، وأن يتسم بالحساسية الكافية في شكاوى التمييز والتي تتطلب تعديل قواعد الإثبات وتحميل عبئها في الكثير من الأحيان للمشكو في حقهم. كذلك شددت الورقة على ضرورة عدم اقتصار القانون على آليات التحقيق والمراقبة والتقاضي، ولكن أن يتضمن بابًا خاصًا للإنصاف وجبر الضرر وتعويض الضحايا. وطرحت الورقة أن يتضمن التشريع تنظيمًا لآليات التمييز الإيجابي التي تنص عليها تشريعات أخرى متفرقة. كما نبهت الورقة إلى ضرورة مراعاة التشريع للتوازن بين هدف مكافحة التمييز وضرورة الحفاظ على حرية التعبير.
أما بخصوص المفوضية الوطنية لمكافحة التمييز، فشددت الورقة على ضرورة تمتع المفوضية بمعايير الاستقلال التام عن سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية، وأن تتمتع بالتمويل الكافي الذي يتيح لها القيام بدورها، وأن تعكس في تكوينها واقع التعددية القائم في المجتمع، وأن تلتزم بضرورة تمثيل الجماعات الخاضعة للتمييز تاريخيًا بهدف تعزيز ثقة المجتمع في هذا الكيان الجديد. وأخيرًا، شددت الورقة على ضرورة تمتع المفوضية بالحق في في الفصل في نزاعات التمييز وإصدار قرارات غير ملزمة التنفيذ مع الحفاظ على كافة الحقوق القانونية لضحايا التمييز في اللجوء للقضاء.