في انتهاك للحق في المحاكمة العادلة.. قاضي محكمة بدر يجدد حبس نحو 900 سجين سياسي دون دفاع
بيان صحفي
شهد محامو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية استمرار انتهاك حقوق المعتقلين السياسيين المحبوسين احتياطيًّا، على مدار يومي 21 و22 يناير 2024، بدوائر الإرهاب المنعقدة بمركز الإصلاح والتأهيل ببدر، والتي أمرت بتأجيل جلسات النظر في أمر حبس 888 متهمًا، من دون وجود سبب حقيقي يستدعي التأجيل، وبشكل غاب عنه الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة.
ورصد محامو المبادرة المصرية قيام المستشار وجدي عبد المنعم رئيس الدائرة الثالثة (إرهاب)، يوم الأحد الموافق 21 يناير، بتأجيل الجلسة المخصصة للنظر في أمر حبس 375 متهمًا، مستنداً إلى وجود مشكلات في كابل الاتصال بالإنترنت ومؤجلاً الجلسات لليوم التالي، معلناً المحامين بنيته الامتناع عن الاستماع إليهم أو إلى المتهمين بسبب "كثرة عدد المحبوسين"، وموجهاً إياهم للاكتفاء بإجراء إعلان الحضور فقط، وهو ما اعترض عليه المحامون في اليوم التالي، الإثنين الموافق 22 يناير، ليقوم القاضي بتأجيل نظر أمر الحبس الاحتياطي لأغلب المتهمين المعروضين وعددهم 513 شخصًا إلى جلسة 6 فبراير المقبل مع تجديد حبس الباقين، متذرعًا بعدم حضورهم، ما ترتب عليه عدم نظر جلسات تجديد أو إخلاء سبيل محبوسين في جميع السجون ومراكز الاحتجاز المعروضة، عدا بعض السجناء المعروضين من سجني بدر3 والعاشر5.
وبحسب المادة 143 لقانون الإجراءات الجنائية، يصبح الإفراج وجوبيًّا حال انقضاء مدة الحبس السابقة من دون قرار قضائي بتجديد الحبس.
ورصدت المبادرة المصرية ممارسات متكررة خلال جلسات النظر في أمر الحبس الاحتياطي، التي باتت معروفة باسم جلسات التجديد، تنطوي على قائمة من انتهاكات ضمانات المحاكمة العادلة، بداية من عدم إثبات حضور جميع المتهمين أمام القاضي، إلى جانب غلق الصوت وعدم تمكن المحامين من سماع المتهمين أثناء الجلسة، وقطع التواصل بين المحامي والمتهم، إضافة إلى النظر في تجديد حبس عدد من المتهمين في غيابهم بحجة رفضهم حضور الجلسة، أو بسبب تواجدهم في العيادة أو في الزيارة. فضلًا عن أن قضاة غرفة المشورة يقومون بمباشرة جلسات التجديد في بعض الأحيان في غياب أوراق القضية، ليتم التجديد من خلال كشف بأسماء المتهمين فقط، ما يخل بحق الدفاع في ظل عدم السماح للمحامين بالمرافعة.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التعامل مع جلسات تجديد الحبس الاحتياطي باعتبارها إجراءً شكليًّا، واعتبار قرارتها بتجديد الحبس أمرًا مفروغًا منه. في 15 يوليو الماضي، لم يتمكن المحامون من التواصل مع موكليهم المتهمين خلال جلسة تجديد حبسهم إلكترونيًّا، بعدما رفضت غرفة المشورة المنعقدة بمحكمة جنايات بدر السماح بالتواصل مع المتهمين بدعوى وجود أكثر من 500 متهمًا من المفترض النظر في أمرهم، ولم تستمع المحكمة للمتهمين وقطعت عنهم الصوت، ما منع التواصل معهم. علمًا بأن عددًا من المتهمين الذين كان من المفترض حضورهم هذه الجلسة، كانوا ممنوعين من الزيارة منذ فترة طويلة، وجلسات تجديد حبسهم هي الوسيلة الوحيدة لتواصلهم مع العالم الخارجي، ليصدر القرار بنهاية اليوم بتجديد حبس جماعي لمدة 45 يومًا، من دون اطّلاع القضاة على أي من ملفات المتهمين المعروضين.
كانت بداية رقمنة جلسات تجديد الحبس الاحتياطي في أكتوبر 2020، عندما أعلنت وزارة العدل إطلاق مشروع نظر القضاة تجديد الحبس الاحتياطي عن بعد. ثم أعلنت الوزارة في مارس 2021 أن هذا المشروع سيتم تعميمه في جميع المحافظات تباعًا. وفي ديسمبر من العام نفسه أصدر المستشار عمر مروان وزير العدل القرار رقم 8901، والذي أجاز فيه للقضاة عقد جلسات النظر فى تجديد الحبس الاحتياطي واستئنافه عن بعد، بينما لم يلزمهم به؛ ليصبح هذا القرار هو الصيغة القانونية الوحيدة المعنية بتجديد الحبس عن بعد في ظل غياب أي إطار تشريعي ينظم إجراءات تجديد الحبس عن بعد، ما يخل بحق المتهمين في الدفاع والتمثيل القانوني، ويمنع المحامي من الانفراد بموكله لمناقشته وتبادل المعلومات، وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، فضلًا عن عدم مراعاة خصوصية كل قضية وكل متهم على حدة.
وتجدر الإشارة إلى أن مأمورية استئناف بدر المنعقدة بمجمع سجون بدر بدأت عملها بالنظر في أمر حبس المتهمين احتياطيًّا في أكتوبر 2022، و لم تحل "الرقمنة" مشكلة تأجيل الجلسات؛ فبعدما كانت الجلسات تؤجل بسبب تعذر نقل المتهمين، تكرر تأجيلها خلال الفترة الماضية بدعوى تعذر الاتصال، أو وجود مشاكل تقنية، وهو ما حدث على مدى أسابيع العام الماضي في حالة المتهمين المحبوسين في سجن بدر 3.
علاوة على ذلك، أصبح أداء المحكمة في جلسات تجديد الحبس آليًا لا يفرق بين المتهمين، مما تسبب في استمرار تجديد الحبس لبعضهم بمخالفة المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية. حيث ما زالت المحكمة تصر على إصدار قرارات تجديد حبس متهمين بمخالفة القانون، رغم تخطيهم الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي (من 18 أشهر إلى عامين على الأكثر)، كما هو الحال على سبيل المثال مع محمود شعبان غانم، المحبوس على ذمة القضية 277 لسنة 2019، ونادر عبد الناصر، المحبوس على ذمة القضية 810 لسنة 2019، ومروة عرفة، المحبوسة احتياطيًا منذ ما يقرب من أربع سنوات على ذمة القضية 570 لسنة 2020.
وترى المبادرة المصرية أن ما يحدث في جلسات التجديد الإلكتروني يطرح الكثير من الأسئلة حول مدى جاهزية الجهات المعنية بتجديد حبس المتهمين، واستعدادها للانتقال إلى مباشرة الجلسات إلكترونيًّا. فما أظهرته الخبرة العملية هو أنه لم يتم الاستعداد بشكل جاد للانتقال الرقمي، الذي تم حصره في خاصية (الفيديو كونفرنس) فقط، من دون الالتفات إلى وجود إجراءات وضمانات سابقة ولاحقة على جلسة التجديد نفسها، من المفترض أخذها في الاعتبار وضمها لعملية التحول الرقمي. وإلى جانب ذلك، أكد أداء وكلاء النيابة وقضاة غرف المشورة في التعامل مع جلسات تجديد الحبس الاحتياطي على وجود مجموعة مشكلات قانونية وإجرائية وتقنية.
تؤكد المبادرة المصرية على أن استمرار تطبيق "العدالة الرقمية" بهذه المعطيات في الوقت الراهن لن يكون سوى في إهدار لحقوق المتهمين الدستورية، ومبادئ التقاضي، واستمرار لمخالفة القانون. ومن منطلق الحفاظ على المال العام المبذول في مشروع التحول الرقمي، يجب أن يتم تحديد أهداف واضحة وقنوات محددة لتطبيق التحول الإلكتروني، وهو الأمر الذي لن تثبت جديته إلا بتنظيم معلن لإجراءات تجديد الحبس عن بعد في ظل إطار تشريعي واضح، يُمكن أصحاب الشأن من متابعة الجلسات، ويُقر حق المتهمين والمحامين في طلب الحضور الشخصي.
وتطالب المبادرة المصرية النائب العام المستشار محمد شوقي بإصدار قرار سريع لإخلاء سبيل كافة المحبوسين احتياطيًّا ممن تخطوا الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي المقررة قانونًا، وتهيب بدوائر النظر في تجديد الحبس أخذ مصالح المحبوسين احتياطيًّا في الاعتبار، والالتزام بمباشرة جلسات النظر في أوامر الحبس بشكل حقيقي، بما يكفل حق الدفاع والتواصل والاطلاع، وفي حال كان (الفيديو كونفرنس) عقبة أمام تحقيق العدالة، فلا يوجد قانون يمنع القضاة من مباشرة الجلسات في حضور المتهمين مباشرة.