في يومهم العالمي.. المعلمون والمعلمات أولاً
بيان صحفي
بينما يحتفل العالم اليوم بيوم المعلم، يدور في مصر نقاش كبير حول نقص البنية الأساسية في التعليم، وتبرز أزمة نقص المعلمين التي تُقدَّر بنحو 470 ألف معلم ومعلمة تحتاج إليهم المدارس المصرية. كما يعاني المعلمون المصريون من انخفاض رواتبهم، مما يجعلها في نهاية سلم الأجور مقارنةً بالقطاعات الحكومية الأخرى. كل ذلك يتزامن مع انخفاض حاد في الإنفاق العام على التعليم، مما أدى إلى تراجع الخدمات التعليمية على مدار السنوات الماضية.
في الخامس من أكتوبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمعلم، وذلك منذ عام 1994 في ذكرى توقيع توصية اليونسكو ومنظمة العمل الدولية لعام 1966 بشأن أوضاع المدرِّسين. تشير هذه الوثيقة إلى حقوق ومسؤوليات المعلمين، والمعايير التي تقوم على إعدادهم الأول وتدريبهم فيما بعد.
وتنظم اليونسكو هذا العام فعاليات لهذا اليوم تؤكد على ضرورة سماع تصورات المعلمين عن التعليم ودمجها في السياسة التعليمية، تحت عنوان "تقدير أصوات المعلمين، نحو إبرام عقد اجتماعي جديد للتعليم". إن هذا التركيز على المعلمين يأتي لأهمية الدور الذي يلعبه المعلم في العملية التعليمية، وبناء أجيال جديدة في المجتمع تساعد في التقدم واستدامة المجتمع نحو التطور.
ويؤكد الدستور المصري 2014 على أهمية المعلم في المادة 22، حيث ينص على أن "المعلمون، وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم، هم الركيزة الأساسية للتعليم. تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية، ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه." لكن المعلمين في مصر يعانون من قلة الرواتب وتدهور في مكانة المهنة في المجتمع، وتراجع في تنمية مهاراتهم.
ويؤدي تدهور المرتبات إلى دفع الكثير من المعلمين لإعطاء دروس خصوصية للطلاب أو العمل في وظيفة أخرى لتعويض قِلَّة الدخل وحتى يستطيعوا مواكبة الظروف الاقتصادية والمعيشية. إن انشغال المعلم بالبحث عن تعويض دخله يضعف العملية التعليمية، مع الأخذ في الاعتبار كثافة الطلاب داخل الفصول. كل هذا يؤثر على التحصيل الدراسي للطلاب وعلى متابعتهم داخل الفصل، فتتحول المدرسة إلى بيئة غير جاذبة للتعليم والتعلم.
مع كل ذلك، يعاني القطاع من عجز شديد في عدد المعلمين يقدر بما يقرب من نصف مليون معلم، نتيجة وقف التعيينات لفترة طويلة مع السياسات التقشفية التي تتبعها الدولة، مما أثر سلبًا على جودة العملية التعليمية. وفي محاولة لسد هذا العجز، تستعين الدولة بمعلمين بعقود مؤقتة، حيث تُحاسبهم على أساس الحصة، بمعدل 50 جنيهًا لكل حصة. هذا الترتيب يضع هؤلاء المعلمين والمعلمات في خانة عدم الأمان الوظيفي والمادي، حيث إن الدولة تشترط على المدرسين عدم المطالبة بالتعيين بعد انتهاء العقود المؤقتة.
تخطط الحكومة الآن لتعيين 150 ألف معلم على مدار خمس سنوات، بمعدل 30 ألف معلم سنويًا. ولكن في نهاية المسابقة للدفعة الأولى، ظهرت أزمة استبعاد آلاف الناجحين منهم رغم اجتيازهم الاختبارات التي وضعتها وزارة التربية والتعليم. إذ استُبعدوا من خلال اختبارات تمت في الكلية الحربية، بالمخالفة لإعلان الوزارة الذي لم يتضمن ذلك، بالإضافة إلى وجود معايير تمييزية وعنصرية في هذه الاختبارات، مثل استبعاد المعلمين ذوي الوزن الزائد أو النساء اللائي يمررن بتحولات جسدية كالحمل. ولا تخدم هذه الاختبارات العملية التعليمية من قريب أو بعيد، بل كان من الأجدى توفير الوقت والجهد لتدريب المعلمين وتطويرهم وإعدادهم بشكل جيد في هذه السنوات الأولى، حيث يخدم ذلك الطلاب داخل الفصل.
ومنذ أكثر من سنة، تُنظر قضية المعلمين المستبعدين أمام مجلس الدولة، ولا تزال لم يٌفصل فيها بعد، في وقت يحتاج فيه الطلاب إلى المعلمين في الفصول. لذلك من المهم إلغاء الاختبارات في الكلية الحربية لأنها لا تعود على العملية التعليمية بشيء يُذكر، بالإضافة إلى أنها غير دستورية ومخالفة للقوانين والمواثيق الدولية.
من هنا، يجب التأكيد على تعيين المستبعدين من المسابقة للدفعة الأولى، وتوسيع دائرة التعيينات بجانب المسابقات الحالية، لتشمل الأشخاص الذين تراكمت لديهم الخبرة في السنوات السابقة، والذين يعملون بنظام الحصة، حيث يمكن اختبار مهاراتهم التربوية والتدريسية.
وبينما تسعى الحكومة لتعيين 50 ألف معلم بالحصة هذا العام، من الممكن استغلال هذه الفرصة وتوفير تدريبات إضافية أثناء فترة التعاقد، مما يؤهلهم أكثر بجانب وجودهم في المدرسة ليكونوا في صدارة التعيينات. ذلك لأن تعيين 30 ألف معلم سنويًا هو عدد لا يُذكر إذا قورن بعدد المحالين على المعاش سنويًا. في هذا السياق، وَظَّف التعليم الحكومي 804.6 ألف معلم، عام 2023/2024 مقابل 830.4 ألف معلم للعام السابق 2022/2023، مما يعني خروج 25 ألف معلم من القطاع العام خلال سنة، وذلك وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وبجانب سد نقص المعلمين في الفصول، يجب أن توضع خطط تطوير وتدريب تقدم بشكل دائم للمعلمين، بحيث يطلعون على المناهج التربوية الحديثة وطرق التدريس بشكل مستدام. إن وجود معلم ذي كفاءة عالية يساهم في بناء مجتمع قوي يعتمد على التفكير النقدي وديمومة التعلم والمعرفة. لذا، من المهم الاستثمار في تدريب المعلمين وتوفير دخل مناسب لهم حتى يتسنى لهم التركيز مع الطلاب، مع مراعاة نسبة الطلاب إلى المعلم داخل الفصل أيضًا. إن توفير دخول كريمة يجعل من الوظيفة عامل جذب للأفراد الأكثر كفاءة، ويرفع من مكانة المعلم في المجتمع.
أيضا، من الضروري إشراك المعلمين في وضع سياسات العملية التعليمية، وأخذ آرائهم في المناهج التعليمية في الاعتبار. ونؤكد أيضًا على أهمية الالتزام بتطبيق النسب الدستورية في التعليم، حيث يساعدنا ذلك في تنفيذ هذه الخطط والتصدي للتحديات التي تواجه العملية التعليمية كلها. يمكننا أن نرى في احتفالية اليونسكو فرصة، وأن نعتبر مُنطلقها فرصة لتأسيس عقد اجتماعي جديد للمعلمين والمعلمات في مصر، ونؤمن بأن المعلمين والمعلمات يأتون أولًا.