المبادرة المصرية تطالب وزير الصحة بإلغاء قرار تحجيم صرف ألبان الأطفال

بيان صحفي

25 ديسمبر 2024

طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وزير الصحة والسكان -والذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية- بإلغاء القواعد المْستحدثة لصرف ألبان الأطفال التي تضمنها قراره رقم ٤٨٥ لسنة ٢٠٢٤، والتراجع عن تقليل الإنفاق على دعم لبن الأطفال الصناعي، وذلك من أجل توفير التغذية الأساسية للأطفال في مصر، ولأن تلبية الاحتياجات الغذائية للأطفال وحديثي الولادة ليست مسئولية الأم والأسرة وحدهم. 

وفي ٢٧ نوفمبر الماضي أصدر وزير الصحة والسكان القرار رقم ٤٨٥ لسنة ٢٠٢٤ لتحديث قواعد صرف الألبان المدعمة للأطفال (شبيه لبن الأم)، ضمن ما وصفت بأنها حوكمة لمنظومة توزيع ألبان الأطفال الصناعية المدعمة. حددت القواعد المُستحدثة الحالات الطبية الخاصة التي يحق للأم على أساسها صرف اللبن المدعم وتشمل إصابة الأم بأمراض مزمنة مثل: الفشل الكلوي أو الكبدي، أمراض تستدعي العلاج الكيمائي أو الإشعاعي، الأمراض العقلية أو النفسية، الصرع، التعايش مع فيروس نقص المناعة البشري، أو إحتجاز الأم في العناية المركزة لمدة ثلاثة أيام. وتشمل القواعد المُستحدثة تقديم شهادة طبية من مستشفى حكومي يشرح الحالة الصحية والتشخيص وفترة العلاج الخاصة بالأم، مع استثناء الأطفال "كريمي النسب" (أي مجهولي أحد أو كلا الوالدين) والأطفال التوائم أو في حالة وفاة الأم. 

وانتقدت المبادرة المصرية القرار الذي يغفل عددًا من العوامل الجوهرية المُحددة لقرار تغذية الطفل/ة سواء عبر الرضاعة الطبيعية أو باللبن الصناعي؛ كما يمثل تراجعًا سافرًا عن حقوق ونصيب الأطفال في التغذية الأساسية ويزيد من أعباء النساء الرعائية تجاه الرضع والأطفال حتى عمر سنتين فأكثر. 

ففي مداخلة إعلامية للمتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان، الدكتور حسام عبد الغفار، أوضح أنه "يجب على كل أم وامرأة حامل الاهتمام بصحتهن حتى يتمكن من الاهتمام بصحة الرضيع والجنين، وأن الهدف من هذا القرار هو بذل كل الوسائل الممكنة للوصول إلى دعم صحة الطفل، وفي حالة العجز ننتقل إلى الضرورة وهى الحليب الصناعي." 

أغفل متحدث وزارة الصحة ذكر نسب انتشار الأنيميا بين النساء من عمر ١٥ حتى ٤٩ عامًا، والتي تخطت ٣٨٪ وفق المسح الصحي للأسرة المصرية لعام ٢٠٢١ الصادر عن الحكومة المصرية. كما أغفل المتحدث انكماش قدرة ٤٤٪ من المصريين على توفير غذاء متوازن، وأن النساء هن الأكثر احتمالًا للمعاناة من الجوع طبقًا لتقرير أممي صدر العام الجاري ٢٠٢٤. ثم فوق ذلك ألقى على الأمهات المسئولية الكاملة عن صحتهن أثناء الحمل وبعد الولادة لتبرير منع وصولهن إلى غذاء أطفالهن غير المثالي والأساسي. 

تحصن الرضاعة الطبيعية بشكل عام من مناعة الطفل، لما يحتويه لبن الأم من عناصر غذائية وأجسام مضادة ضد أمراض الطفولة الشائعة مثل الأنيميا وأمراض الجهاز التنفسي والإسهال. وبحسب التقديرات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية واليونيسف، تعد "الرضاعة الطبيعية غير الكافية" مسؤولة عن ١٦٪ من وفيات الأطفال عالميًا. ويُشير المسح الصحي للأسرة المصرية لسنة ٢٠٢١ إلى ارتفاع نسبة الأنيميا بين الأطفال دون الخامسة لتصل إلى ٤٣٪ مقارنة بـ ٢٧٪ في سنة ٢٠١٤. كما يظهر المسح الحكومي نفسه إصابة طفلين بين كل خمسة أطفال بالأنيميا في مصر، وترتفع النسبة في المحافظات الحدودية إلى ٤٩٪، بينما تقف في ريف الوجه القبلي عند ٤٧٪ وتنخفض في حضر الوجه البحري الى ٤٤٪. وتشير أرقام المسح الأخير إلى وفاة طفل بين كل ٣٦ طفل في مصر قبل بلوغ عامه الخامس. 

من المهم توضيح أن الرضاعة الطبيعية الصحيحة التي تلبي احتياجات الطفل التغذوية لا تعني الاعتماد فقط على لبن الأم؛ فقد حددت منظمة الصحة العالمية واليونيسف مبادئ توجيهية لضمان تغذية سليمة لحديثي الولادة والرضع، تتضمن التفرغ التام لرضاعة الطفل في الشهور الست الأولى من عمره. وتنصح المبادئ التوجيهية بأن تكون الرضاعة الطبيعية الحصرية بلا أي مدخلات تغذوية أو مياه لحديثي الولادة حتى عمر ستة أشهر من أجل تحقيق الغذاء المثالي المتكامل. وبنهاية الشهر السادس وحتى عمر السنتين فأكثر، تنصح المبادئ بأن يحصل الرضيع على طعام بجانب الرضاعة الطبيعية لضمان تغذية متكاملة. وأخيرًا، توجه هذه المبادئ بتوفير الرضاعة الطبيعية حسب طلب الرضيع، دون تحديد فوارق زمنية بين جلسات الرضاعة اليومية أو جدولتها، ودون إعطاء الطفل اللهايات أو الألبان الصناعية. باعتبار أن الادرار الكثيف للبن الأم يعتمد على وتيرة مكثفة من الرضاعة الطبيعية.

إن اتباع المبادئ التوجيهية للرضاعة الطبيعية يعتبر شبه مستحيل بالنسبة للملايين من النساء في ظل متطلبات الحياة اليومية وظروف عمل النساء سواء بأجر أو القيام بالأعمال الرعائية والمنزلية في مصر وخارجها. فوفق نتائج مسح الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن استخدام الوقت في ٢٠١٥، تستهلك الأعمال المنزلية ٧٠٪ من إجمالي العمل الرعائي، ونصيب رعاية الأطفال وكبار السن يستهلك حوالي ٢٦٪، وتقع ٨٢٪ تقريبا  من هذا الأعمال على عاتق النساء. كما أشار تقرير صادر عن المجلس القومي للمرأة إلى هذه المهام كإحدى التحديات الجوهرية التي تعيق النساء عن المشاركة في سوق العمل. وبالرغم من الجهود الأممية الحثيثة لتعزيز الرضاعة الطبيعية، تبقى المبادئ التوجيهية صعبة التحقيق بسبب تراخي الكثير من الحكومات عن أداء دورها في توفير تغذية صحيحة لحديثي الولادة والأطفال، وإلقاء المسئولية بالكامل على الأمهات والأسر. 

إن النظر إلى بيانات المسح الصحي للأسرة المصرية يشهر أن الرضاعة الطبيعية ممارسة شائعة لكنها غير متاحة لجميع الأطفال؛ حيث يعتمد الأطفال دون الشهرين على الرضاعة الطبيعية بنسبة ٥٨٪، وتقل هذه النسبة مع تقدمهم بالعمر، لتصل إلى طفلين بين كل عشرة أطفال بحلول الشهر الرابع أو الخامس. وجاءت العوامل الدافعة للأمهات للاعتماد على اللبن الصناعي (شبيه لبن الأم)، في دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث، كالتالي: 

١) عمر الأم: حيث تميل الأمهات تحت ٢٥ عاما إلى الإرضاع باستخدام اللبن الصناعي لتخوفهن من احتمال تغير هيئتهن وشكل أجسامهن، 

٢) الحالة الإجتماعية: إذا كانت الأم عازبة (مطلقة أو أرملة) فإنها تميل إلى الاعتماد على اللبن الصناعي أكثر من الرضاعة الطبيعية، 

٣) الولادة المبكرة أو المتعسرة. 

ولم يؤثر الوضع المالي للأسرة على قرار وسيلة الرضاعة في عينة الدراسة، سواء طبيعية أم خليطًا من الرضاعة الطبيعية واللبن الصناعي. في حين كان لوضعية الولادة -تحديدا القيصرية- تأثير على زيادة احتمالية الاعتماد على الرضاعة باللبن الصناعي أو الرضاعة المختلطة. وفي عام ٢٠٢١، تخطت نسبة الولادة القيصرية ٧٢٪ من إجمالي الولادات لتتصدر مصر المرتبة الأولى عالميا في ممارستها. 

يتضح من استخلاصات دراسة أخرى إدراك الأمهات المشاركات بالعينة لفوائد الرضاعة الطبيعية وتميزها عن الرضاعة باللبن الصناعي؛ لما توفره من قيمة غذائية وحماية وقائية لأطفالهن من الأنيميا وأمراض الباطنة. وتستعرض الدراسة أهم عوائق الرضاعة الطبيعية بين النساء، ومنها العمل لساعات طويلة أو استغراقهن وقتًا طويلًا للوصول إلى مقر العمل. بينما جاء في صدارة هذه التحديات عدم درايتهن بأساليب الرضاعة الطبيعية الصحيحة، فضلاً عن عودتهن للعمل عقب الولادة. أما أسباب عدم إقدام الأمهات على الرضاعة الطبيعية في الأماكن العامة، فقد بدراسة أخرى الخجل، أو تواجد رجال في نفس المكان، أو اتباع تعليمات الزوج، أو عدم توفر غطاء صدري.

إن جميع هذه الإحصاءات والدراسات، وأغلبها صادر عن جهات حكومية أو رسمية مصرية، تؤكد ضرورة الإلغاء الفوري لقرار وزير الصحة والسكان رقم ٤٨٥ لسنة ٢٠٢٤ وإعادة توجيه دعم لبن الأطفال الصناعي لكل الناس. فقبل رفع الدعم عن مستحقيه، يتوجب على الحكومة المصرية القيام بدورها وتحمل مسؤوليتها عن تعزيز الرضاعة الطبيعية ودعم النساء بشكل ملموس في توفيرها لأطفالهن. وتشمل هذه الإجراءات الضرورية، فضلاً عن تحسين المؤشرات الصحية والغذائية للنساء، توفير أماكن مخصصة للرضاعة في أماكن العمل والأماكن العامة تضمن الخصوصية، وتوفير حضانات في القطاع الخاص والعام لضمان حصول حديثي الولادة على الرضاعة الطبيعية الحصرية في أول ستة أشهر، وإقرار ضمانات من أرباب العمل بعدم التمييز الوظيفي ضد الأمهات العاملات، وتوفير طواقم رعاية صحية مدربة على توجيه الأمهات لطرق الرضاعة الطبيعية الصحيحة.