"حظ الأنثى" - تقرير جديد للمبادرة المصرية حول التضارب القانوني في توزيع إرث المسيحيات المصريات
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم الإثنين تقريرًا جديدًا بعنوان "حظ الأنثى - إرث المسيحيات المصريات بين النص الدستوري وعقيدة المحاكم" من تأليف محامية المبادرة الأستاذة هدى نصر الله ومراجعة وتحرير فريق العمل بالمبادرة.
يقدم "حظ الأنثى" ملخصًا لتاريخ النصوص القانونية المنظمة لمسائل الأحوال الشخصية للمسيحيين في مصر الحديثة. ثم يستعرض التقرير أنماط تعامل المحاكم المصرية المختلفة في الأعوام الأخيرة - من الدلتا إلى الصعيد - مع معضلة نصيب المسيحيات من الإرث. كما يوضح مدى التضارب الذي وسم قرارات هذه المحاكم في ظل غياب كل من الإطار القانوني والتفسير القضائي الجامع. ومن بين ما يكشفه "حظ الأنثى" أن المسيحيات بصعيد مصر ومحافظات القناة هن الأسوأ حظا، حيث لم يصدر أي حكم بهذه المناطق يلزم بتطبيق مبادئ الشريعة المسيحية في الإرث. وذلك فى حين أن مثيلاتهن بالقاهرة والإسكندرية تمكّنّ من تطبيق مبادئ شريعتهن وحصلن على حقهن في الإرث بالتساوي مع الذكور. بالإضافة إلى هذا، يتضمن التقرير نموذجًا لدعوى دستورية تقدمت بها المبادرة المصرية سعيًا إلى حكم دستوري يقر الحق لصاحباته. وهكذا، يقدم "حظ الأنثى" تصورًا للدور الضروري للمحاكم العليا لحسم هذا الوضع الملتبس لتنظيم إرث المسيحيات المصريات وما يؤدي إليه من تمييز مضاعف، خاصة في ظل عدم إمكانية الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية، وانفراد كل محكمة استئنافية برؤيتها، لعدم وجود مبدأٍ مستقَر عليه من محكمة أعلى.
ويأتي هذا التقرير تعبيرًا عن موقف المبادرة المصرية للحقوق الشخصية برفض تطبيق أحكام ديانة على أتباع اﻷديان اﻷخرى في مسائل اﻷحوال الشخصية، وهو التطبيق الذي يُعلي نصوص القانون المنسوخة على نصوص الدستور التي أقرت الحق لأصحابه. ذلك أن الاعتراف القانوني بديانة رسمية باعتبار أن أتباعها يشكلون أغلبية السكان، يجب ألا يحول دون تمتع باقي المواطنين بأى حق من حقوقهم المنصوص عليها في الدستور والمواثيق الدولية، وألا يؤدي إلى انتهاك مبدأ المواطنة والمساواة.
يأتي "حظ الأنثى" على خلفية النقلة التي مثلتها المادة الثالثة في كل من دستوري 2012 و2014 في التاريخ الدستوري المصري. حيث تعترف المادة المكررة في النصين ولأول مرة بتطبيق شرائع أخرى غير الإسلامية على أصحابها من أتباع الديانة المسيحية واليهودية في مسائل أحوالهم الشخصية. وهكذا ضيّق نص المادة الثالثة نطاق تطبيق المادة الثانية من كلا الدستورين والتي قررت أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ليُخرج من نطاق تطبيق أحكامها مسائل الأحوال الشخصية للمسيحيين واليهود المصريين، لتنفرد به مبادئ شرائعهم.
مسائل الأحوال الشخصية لمسيحيي مصر تنظمها 12 لائحة، أشهرها لائحة اﻷقباط الأرثوذكس، ولائحة اﻷقباط الكاثوليك، ولائحة الإنجيليين الوطنيين. ورغم أن هذه اللوائح تنظم كافة مسائل الأحوال الشخصية، إلا أن المادة الثانية من الدستور كانت حائلًا دون تطبيق كافة نصوصها. فاقتصر ذلك على مسائل الزواج والطلاق بين متّحدي الملة والطائفة، والتي اعتبرتها أحكام المحاكم من النظام العام في المسيحية.
على أثر التغيير الدستوري الذي استقر عام 2014، هرعت المصريات المسيحيات إلى المطالبة بتطبيق نص المادة الثالثة من الدستور في مسائل المواريث، خاصة أنها مقررة تفصيلًا باللوائح المذكورة. غير أن أحكام المحاكم تضاربت بين الاستجابة لمطالبهن وبين الإصرار على تطبيق أحكام المواريث الإسلامية عليهن، مما شكل تمييزًا مضاعفًا ضد قطاع معتبر من المواطنات المصريات على أساس الدين من ناحية وعلى أساس النوع الاجتماعي من ناحية أخرى. وهكذا يُحرم هذا القطاع من تطبيق مبادئ شريعته في حياته الخاصة، بما يشكل انتهاكًا صريحًا لأحد عناصر حرية الدين والمعتقد كما تعرّفها المواثيق الدولية الموقعة عليها مصر. كما يؤدي تقاعس البرلمان والقضاء عن تطبيق النص الدستوري الصريح إلى خضوع هؤلاء النساء لتمييز آخر على أساس النوع الاجتماعي. وذلك لأن قطاعًا كبيرًا من الرجال المسيحيين يفضّلون بدورهم الاحتكام إلى قواعد توزيع الإرث المعمول بها في قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين في مصر بما تؤمِّنه من نصيب مضاعف من إرث المتوفين للذكور على حساب النساء في أغلب الحالات.
وتقع مسئولية تفعيل هذا النص الدستوري على كل من السلطتين التشريعية والقضائية. فبحكم المادة ٢٢٤ من الدستور، يلتزم البرلمان بتقديم قانون موحد للأحوال الشخصية للطوائف المسيحية يُفعّل المادة الثالثة المذكورة، كجزء من التزامه العام بإصدار القوانين "المنفذّة لأحكام الدستور". وهو ما يتقاعس البرلمان فيه منذ تسع سنوات كاملة، على الرغم من تواتر الأخبار عن الانتهاء من القانون الجديد بالتعاون ما بين الكنائس المختلفة ووزارة العدل، بل وعلى الرغم من تداول نسخ غير رسمية من هذا المشروع. على الجانب الآخر، فإن غياب هذا التنظيم القانوني لا يمكن أن يعتبر رخصة للمحاكم في مخالفة النص الدستوري الصريح. فإذا كان النص الدستوري يحتاج إلى القانون من أجل التفعيل، فإن غياب القانون لا يعني أن النص يصبح معطلًا، بل يجب على المحاكم أن تلتزم في ظل المتاح من تشريعات (اللوائح الملية) بتطبيق المبدأ الدستوري، وإلا أصبحت مخالفة للدستور بدورها. وفي حالة العجز عن ذلك، يجب على المحاكم العليا النهوض لإبطال النصوص القانونية المخالفة للدستور، أو لتفسير النص الدستوري وتحديد القاعدة القانونية الواجبة التطبيق دون انتظار لقيام المجلس التشريعي بدوره.