تطلق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دراسة بعنوان"فرص الحوار الاجتماعي في مصر"، نحاول من خلالها أن نسلط الضوء على ما نراه أحد الجذور الرئيسية لهذا الاحتقان، و هو غياب قنوات فعالة للحوار أو التفاوض ما بين الدولة و القوى المجتمعية المتنازعة، على المستوى القومي، و التي يمكنها أن تصل بهم إلى حلول أكثر فاعلية وتعبيرا عن مصالحهم المتنازعة حتى تضمن احتواء الاحتقان القائم بين تلك اﻷطراف.
فمن دون وجود تلك القنوات الفعالة، أو محاولة بناء قواعد تشاركية في صناعة القرار من أجل الوصول لتفاهمات و سياسات عامة تعبر عن المصالح المتنازعة، وتصل لحلول وسط بينهم وبين الدولة سيبقى الاحتقان قائما، و إن بدا خامدا مؤقتاً.
لذلك، وبإعلان الحكومة عن تشكيل المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، في قرار مجلس الوزراء رقم 1027 لعام 2014، يصبح إطلاق تلك الدراسة أكثر أهمية من أي وقت مضى، حتى نؤكد على ضرورة هذا الحوار وشروط نجاحه.
تنقسم تلك الدراسة إلى جزأين، تستعرض في جزأها الأول العديد من الآليات الهامة لضمان حوار اجتماعي جاد على المستوى القومي. ويحتوي ذلك الجزء على بعض الدروس المستفادة من خبرات متنوعة، سواء لأنظمة مستقرة سياسياً مرت بأزمات اقتصادية( مثل أسبانيا- أيرلندا- إيطاليا)، أو أنظمة أخرى مرت بتحول ديمقراطي ناجح (مثل البرازيل- تشيلي- جنوب أفريقيا). وتظهر الدراسة أن تلك الدول عبرت مرحلة التحول الديموقراطي، من خلال تأسيسها لمناخ عام ضمن حوار اجتماعي جاد على المستوى القومي بين قوى مجتمعية متنازعة، و أوصلهم لاتفاقات ردت على مخاوف الجميع واحتوت الاحتقانات القائمة. هذه الاتفاقات تعرف في اﻷدبيات اﻷكاديمية بالاتفاقات الاجتماعية كما تشير الدراسة.
أما عن الجزء الثاني من الدراسة فهو معني باستعراض الوضع الحالي لمعوقات التفاوض والحوار الاجتماعي على المستوى القومي في مصر، وصولاً لـ8 مقومات أساسية يجب أن تعمل الدولة ومؤسسات الحكم على توفيرها، من أجل تأسيس حوار اجتماعي ناجز، يستطيع بناء توافق حقيقي -نراه مطلوباً- حول السياسات الاقتصادية والتوجهات التنموية في مصر، من خلال اتفاقات اجتماعية خاصة أثناء الفترة الحالية.
من ضمن تلك المقومات ضرورة تأسيس وحماية الحق في حرية التنظيم والإسراع في إصدار قانون عادل للحريات النقابية،وأيضاَ ضرورة تشجيع عملية الانضمام إلى النقابات، سواء من خلال حماية الحق في التنظيم أو معالجة المشاكل الهيكلية في الاقتصاد المصري، والتي تضعف من عملية الانضمام للنقابات. هذا بالإضافة لضرورة بناء أطر مؤسسية ثابتة وملزمة للحوار الاجتماعي، على أن تكون الدولة واعية بضرورة التنازل والتبادلات الاقتصادية والسياسية، دون أن تأتي مراكمه رأس المال على حساب الالتزام بالعدالة الاجتماعية.
يشمل هذا الجزء أيضاً تعليقًا حول تشكيل المجلس الوطني للحوار الاجتماعي في قرار رقم 1027 لعام 2014 والذي صدر في 17 يونيو الماضي لتحديد مدى جدواه من أجل تأسيس حوار اجتماعي عادل ومُجدي في مصر، يسعى للوصول لاتفاقات اجتماعية تساعد على احتواء الاحتقان القائم، وتطمئن القوى الاجتماعية المتنازعة.