بعد أكثر من ثلاثة أعوام من قرار المحكمة الدستورية العليا بحلِّ مجلس الشعب في يونيو ٢٠١٢ وما جرَّه ذلك من تعقيدات قانونية وسياسية جمَّة، لا يبدو أن البرلمان الجديد محصَّن بدوره من هذا الخطر. فمع إلغاء المادة ٤٤ مكرر ١ من قانون المحكمة الدستورية العليا، التي كانت تلزم المحكمة بمدى زمني محدد في نظر الطعون بعدم دستورية قوانين الانتخابات، عادت إمكانية إصدار حكم بعدم دستورية أي من هذه القوانين بعد انعقاد البرلمان، أي العودة مرة أخرى إلى نقطة الصفر وإعادة إنتاج الخلل المميز لنظام الحكم في مصر، قبل وبعد ثورة يناير، أي هشاشة وضع السلطة التشريعية المنتخبة مباشرة من عموم المواطنين في مواجهة باقي سلطات الدولة.
وقد استقر نظام الحكم في مصر منذ إقرار دستور ١٩٧١ على صيغة شبه رئاسية مستندة إلى مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات المتعارف عليه في الديمقراطيات الحديثة، ولكن هذا الفصل لم يجرِ احترامه في الكثير من الأحيان، واستطاعت عمليًّا كل سلطة ممارسة نفوذها على حساب السلطة الأخرى وليس بالتوازن معها. إلا أن واقع الحال قد أثبت أن السلطة التشريعية كانت دائمًا هي الطرف الأضعف في هذه الممارسة والتي تتغول عليها السلطتان الأخريان، القضائية والتنفيذية، وذلك في حالة توافقهما أو حتى حال تصارعهما.
فالسلطة القضائية و رغم تعيين أعضائها بموجب قرار رئيس الجمهورية، فإنها تمتلك حصانة ضد عزل أعضائها من مناصبهم، لكن السلطة التنفيذية متمثلة في رئيس الجمهورية وحكومته التي يعيينها، باتت مستحوذة على السلطة الفعلية في البلاد وتلعب دورًا في اختيار المناصب العليا صاحبة القرار في السلطة القضائية. أما أعضاء البرلمان، وإن كانوا يتمتعون بحصانة للقيام بدورهم، لكن التغول على هذه السلطة لم يتخذ شكل الإطاحة ببعض أفرادها، ولكن اتخذ شكل العصف بوجود المجلس بأكمله، سواء بقرارات من السلطة التنفيذية متمثلة في رئيس الجمهورية، أو بأحكام من المحكمة الدستورية العليا. بل إن الأمر قد تطور إلى استعراض السلطة التنفيذية صلاحياتها، في وجه السلطة القضائية، على حساب البرلمان والعكس صحيح، كما رأينا في حالات صراع السلطتين، أعوام ١٩٨٧ و١٩٩٠ وأخيرًا خلال أزمة حل برلمان ٢٠١١
وفي هذا السياق صدر عن وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية تعليق بعنوان "مولود في خطر" يعرض باختصار أسباب هذا الخلل الذي يسم نظام الحكم في مصر واتجاهات تطوره عقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ والتي كان من المفترض أن ترسي قواعد نظام حكم جديد يتجاوز هذا الخلل التاريخي. وأخيرًا سنحاول أن نطرح رؤية تحاول حلَّ هذه المعضلة في المستقبل استنادًا إلى خبرات ديمقراطية دولية معاصرة.
للاطلاع على التعليق اضغط هُنا