أبرز المشاكل التي تعرض لها المهجرون
أولًا: مشاكل خاصة بالإقامة وإيجاد السكن البديل
خضع التعامل مع هذه المشكلة وفقًا لتوجهات كل محافظة. فهناك محافظات وفرت شققًا بديلة للأهالي، مثل محافظة الإسماعيلية، التي تضم العدد الأكبر من الأسر المسيحية التي هُجِّرت من مدينة العريش. خصصت المحافظة عددًا من الشقق لأهالي العريش في عمارات مبارك بمدينة المستقبل، التي تبعد 10 كيلو مترات عن مدخل مدينة الإسماعيلية، وهى منطقة صحراوية، طرقها غير ممهدة تختلف كليًّا عن طبيعة مدينة الإسماعيلية التي تتميز بمساحات خضراء مفتوحة وأشجار منتشرة في ميادينها وشوارعها، فتبدو تلك المنطقة قاحلة مقارنة بها.
تعيش الأسر المهجرة في منطقة أشبه بـ"الجيتو"، حيث تعرف المنطقة بـ"عماير المسيحيين"، كما يوجد كمين شرطي متمركز أمام عدد من العمارات، وهو ما يعكس حالة الخوف الذي يعيش فيه مسيحيو العريش القاطنون في الإسماعيلية يوميًّا، خصوصًا مع منع الشرطة دخول أي غريب هذا المَعزِل، من الباعة الجائلين أو بائعي أنابيب البوتاجاز، وهو ما تمتدحه الأسر حيث تعتبره بمثابة "تشديد للحماية عليهم". ولكنهم يعودون وينتقدون صعوبة التحرك خارج المنطقة التي لا تصلها وسيلة مواصلات بسهولة، واضطرارهم إلى حمل ما يشترونه من مؤن والسير بها مسافات طويلة على طرقات غير ممهدة، بالإضافة إلي صعوبة تحرك الأطفال مِنْ وإلى تلك البنايات المعزولة.
وأبدى الأهالي عدة ملاحظات على عدم ملاءمة المسكن صحيًّا واجتماعيًّا، وخصوصًا أن برك مياه الصرف الصحي تُصعِّب من دخول المنطقة بسيارات أو أي وسائل نقل، كما ينتشر التلوث الذي يجتذب أسرابًا من الذباب والناموس والحشرات، وهو ما يؤثر في صحة السكان خصوصًا الأطفال. كما أن الشقق السكنية المخصصة للمهجرين مؤثثة بطريقة بدائية، حيث توجد بضعة أَسرَّة ومقاعد فقط، وتخلو من أي قطع أثاث أخرى. ولاحظ باحثو المبادرة المصرية تراكم ملابس السكان فوق قطع الأثاث في بعض المنازل، لعدم وجود خزائن تكفي ملابس ومقتنيات جميع من يسكنون في الشقة الواحدة.
كما أفاد عدد من المهجرين في شهاداتهم بعدم وجود عقود موثقة مع الجهات الرسمية توضح طبيعة علاقتهم بالمكان ومدة إقامتهم، وتم إجبارهم على توقيع مُحرر رسمي ينص على أنه في حال طلبت منهم محافظة الإسماعيلية كطرف مالك لهذه العقارات بما تحويه من أثاثٍ الرحيلَ، فعليهم الرحيل فورًا دون حَمْل أيٍّ من مقتنيات الشقق، التي هي بالكاد تصلح للحياة.
بينما في محافظة بورسعيد، لم يتلقَ المهجرون من العريش أية مساعدات في الشهور الأولى عقب التهجير، قبل أن يخصص لهم المحافظ مبالغ مالية شهرية تُستخدم لإيجار شقق سكنية. وتكرر نفس الأمر، في المحافظات الأخرى التي انتقل إليها أقباط العريش، وفي عددٍ من الحالات تُرِك الأهالي لمواجهة مصيرهم وحدهم، وبعضهم توجه إلى الأقرباء للإقامة لديهم.
وأفاد رامي جرجس الذي يقيم في مدينة بورسعيد للمبادرة المصرية:
"أنا فضلت بورسعيد، قعدت في معسكر الكشافة، والمحافظ قال لنا أنا عندي مشكلة في الإسكان، وبعد مفاوضات كتير تم صرف 1500 جنيه لتأجير شقة… مفيش أي حاجة بتيجي من وزارة التضامن… أنا أصلًا مدرس دراسات اجتماعية، ودلوقتي شغَّال في بورسعيد في مكتب إداري بموجب ورقة من محافظ شمال سيناء، إحنا أسرة من 4 أفراد وابني الأخير ولد في بورسعيد".
بشكل عام، عكست حالة المنازل التي زارها باحثو المبادرة المصرية في محافظات الإسماعيلية والقاهرة والجيزة وجود شعور بالقلق من حالة اﻹقامة المؤقتة رغم مرور عام على التهجير، إضافةً إلى عجزهم عن شراء أيٍّ من القطع الإضافية من الأثاث لعدم وجود مصدر مالي لذلك، ومحاولة التكيف مع ما تم توفيره فقط.
ثانيًا: مشاكل خاصة بالحصول على فرص عمل
كان قطاع من أقباط العريش يعمل في الجهاز الإداري للدولة وفي المديريات العامة كالتعليم والصحة والتموين، وقطاع آخر معتبر يعمل في الأنشطة التجارية والحرفية الخاصة أو لديه نشاط مهني كالأطباء. وغالبًا ما يزاول عدد من موظفي الحكومة أنشطة تجارية أخرى من أجل زيادة الدخل وتحمل أعباء المعيشة. وَفَورَ وقوع الاعتداءات في يناير وفبراير 2017 ترك المهجرون ممتلكاتهم في العريش. وقد تمكن قطاع واسع من العاملين في القطاع الإداري للدولة من نقل مقار عملهم إلى الأماكن الجديدة، أو إعفائهم من الحضور إلى أن يتحسن الوضع الأمني، بينما واجه الأشخاص الذين يعملون في القطاع الخاص أو لديهم مشروعات تجارية مشاكل في إيجاد فرص عمل في المناطق التي انتقلوا إليها.
على سبيل المثال، كانت الزيارة الميدانية التي قام بها باحثو المبادرة المصرية إلى مدينة المستقبل في منتصف النهار، إلا أن غالبية الرجال كانوا متواجدين في منازلهم، أو يجلسون في تجمعات أمام العمارات التي يسكنون فيها، وبسؤالهم عن سبب تواجدهم في وقت يُفترض أنه ذروة أوقات العمل، كانت إجاباتهم شبه مُوحَّدة: "لا عمل للمسيحيين المُهجرين في الإسماعيلية".
تنوعت الأسباب، فمنهم مَن كان مِن كبار السن وكان موظفًا حكوميًّا في العريش ووصل إلى سن المعاش إلا أنه كان يزاول عملًا آخر هناك يُدرُّ عليه دخلًا مع حصوله في نفس الوقت على المعاش، وآخرون وهم من الفئات الأصغر عمرًا يزاولون أعمالًا حرة كالنجارة والسباكة وميكانيكا السيارات أو كباعة جائلين في الأسواق، ومنهم من كان يقود سيارة أجرة أو يمتلك محلًّا صغيرًا وهؤلاء لا يملكون الأموال اللازمة للعمل التجاري، كما أن فرص العمل لدى الغير ضئيلة، خصوصًا أن عناوينهم الرسمية في الأوراق الرسمية ما زالت على مدينة العرش، حيث يتم التعامل معهم على أنهم غرباء وليسوا بالضرورة محل ثقة. ولم تقتصر هذه الصعوبات على أهالي مدينة الإسماعيلية، بل قامت بعض الجهات الإدارية بالتعنت مع المهجرين ورفض تقديم تسهيلات تساعدهم على العمل. على سبيل المثال، بعض مالكي سيارات الأجرة المرخص للعمل بها في مدينة العريش أفادوا برفض الجهات الإدارية نقل التراخيص إلى محافظة الإسماعيلية حتى يتمكنوا من العمل بشكل قانوني وكذلك للحصول على الأموال اللازمة لسداد الرسوم والضرائب السنوية المفروضة على هذه السيارات.
"هُوَّه إنتوا جايين تقاسموا الإسماعيلية في لقمتهم" يقول صموئيل، الذي يمتلك سيارة أجرة العريش وعجز عن تغييرها إلى الإسماعيلية بعد رفض مرور الإسماعيلية تغييرها على حد قوله، وأضاف في إفادته للمبادرة المصرية: "هذه الجملة تترد على لسان كذا مسئول، ده مش حالة فردية لواحد، إحنا هنا خمس أسر عندنا عربيات أجرة سيرفيس، بنقول عليها بعداد، وفيه ميكروباص، إحنا مرخصين وبندفع ضرائب وتأمينات، والعربيات واقفة طيب يا ريتنا مشغلينهم، لكن المسئول يقولك مينفعش تغير الرخصة، معندناش تعليمات".
ثالثًا: الإعانات والمساعدات المالية
"إحنا بنتسول عشان نأكل... يعني نروح نخبط علي الكنيسة، فيقول لنا مفيش بركة (مساعدة) النهاردة... طيب تعالوا الأسبوع الجاي... طيب الشهر الجاي... هو كتر خير الكنيسة على قد مقدرتها... لكن إحنا مش مسؤولين من الكنيسة إحنا مسئولين من الدولة". بهذه الكلمات عبَّر أحد أقباط العريش المهجرين عن المعاناة التي يواجهونها حاليًّا. فقد أطلق مسئولو الحكومة _أثناء أزمة تهجيرهم في فبراير 2017_ وعودًا كثيرة عن تقديم مساعدات إلى الأهالي، وتلبية جميع طلباتهم من توفير مسكن مناسب وفرص عمل ومساعدات مالية تعينهم على تكاليف الحياة الصعبة، إلا أن هذه المساعدات كانت وقتية مرتبطة بظرف التهجير سواء في توفير مسكن أو بعض الأجهزة الكهربائية لكنها لم تكن ضمن رؤية شاملة للتعامل مع هذه الكارثة الإنسانية، وخلال العام الماضي لم تكن هناك أية خطط شاملة مع الوضع الجديد، لا سيما مع استمراره وغياب أي أفق لإمكانية عودة الأهالي في القريب.
الزيارات الميدانية وعشرات الشهادات عبر الهاتف مع أسر أخرى، في ظل صمت حكومي لحق بملف الأسر القبطية المُهجرة من العريش.
أما الأسر التي فقدت أحد أفرادها خلال عمليات الاستهداف التي قادت إلى التهجير، فقد تلقت مساعدات مالية زهيدة بلغت ما بين عشرة وعشرين ألف جنيه لأسرة كل ضحية، وهو ما كان مثار نقد من الأهالي لقلة هذا المبلغ مقارنة بالمبالغ التي تقدمها الحكومة في حالات أخرى إنسانية، كما كان هذا محل تساؤل حول التفرقة بين ضحايا الإرهاب من الأقباط في العريش وبين غيرهم الذين حصلوا على مبالغ مالية ما بين مئة ومئتي ألف جنيه باعتبارهم ضحايا للإرهاب، وهو ما حدث على سبيل المثال مع ضحايا مسجد الروضة في مدينة بئر العبد في محافظة شمال سيناء.1
قالت زوجة الضحية بهجت وليم في شهادتها للمبادرة المصرية:
"إحنا ماخدناش غير عشرة آلاف جنيه بس من وزارة التضامن الاجتماعي، أنا قاعدة في الإسماعيلية في شقة، الظروف صعبة، أنا جبت عفشي (الأثاث) من العريش شهر يوليو إللي فات… إحنا طلبنا نتعامل زي الشهدا إللى الحكومة بتديهم معونة 100 ألف جنيه ومعاش شهري ألف ونص، مش عارفة ليه وضعنا مختلف. لمَّا حصل حادثة مسجد الروضة سمعنا إن كل شهيد خد 200 ألف وإحنا خدنا عشرة فقط".
وبصورة عامة، أجمع قِطاع من الأسر على أن أبرز المشكلات التي يعانون منها:
- الخروج من العريش بدون أي ممتلكات سوى الملابس والقليل من المقتنيات خفيفة الحمل.
- صعوبة التأقلم في أماكن جديدة وبخاصة مع تسهيلات الحياة المؤقتة التي يعيشون وفقًا لها.
- غالبية الرجال لا يجدون فرصًا للعمل وهو ما يجعل الأسر تعاني عدم وجود دخل يوفر حياة كريمة.
- التمييز المناطقي الذي يواجهونه كأبناء لمحافظة العريش في التقدم إلى أي عمل أو من قبل الجيران.
- الشعور بالتهميش نتيجة لتجاهل الدولة أزمتهم وعدم اهتمام المسئولين بمتابعة حياتهم وتوفير ما قد وعدت به وزارة التضامن من مساعدات أو تعويضات مادية.
- الخوف من فقدان ممتلكاتهم في العريش في ظل عدم وجود أي مؤشرات أو بوادر لعودتهم إلى العريش مع تكرار حوادث استهداف الأقباط الذين عادوا إلى العريش مرة أخرى.
وفقًا للإفادات التي حصلت عليها المبادرة، لم يتواصل أي مسئول رسمي من محافظة شمال سيناء مع المهجرين، لبحث مصيرهم وكيفية التعامل مع ممتلكاتهم، كما أن اهتمام المسئولين في الأماكن التي يتواجدون فيها حاليًّا قد تراجع بشكل ملحوظ، كما أرسل عدد منهم استغاثات إلى رئاسة الوزراء ومسئولي الدولة، ولم يتواصل معهم أحد لبحث مصيرهم والتعرف على المشكلات التي يعانون منها.
بعد شهرين على واقعة مسجد الروضة... استلام 205 من أسر الشهداء تعويضات الـ200 ألف جنيه، محمد حسين، اليوم السابع، 23 يناير 2018.