اللجنة الأممية لحقوق الإنسان تصدر نتائج استعراض ملف مصر: "مخاوف عميقة" ومطالب بإصلاحات هيكلية واسعة
بيان صحفي
أصدرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة تقريرها الختامي بشأن الوضع في مصر بعد استعراض سجل الحكومة المصرية في مجال الحقوق المدنية والسياسية للمرة الأولى منذ 21 عامًا. ورحبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتقرير اللجنة الذي جاء في 15 صفحة بعد استعراض التقرير الحكومي المصري والتقارير الموازية المقدمة من المجتمع المدني، وتضمن انتقادات لطائفة واسعة من الانتهاكات المنهجية في مصر ومطالب تفصيلية للحكومة المصرية بتنفيذ عدد من الإجراءات لوقفها ومعالجة تلك الانتهاكات.
وكانت اللجنة الأممية- المشكلة لمراقبة تنفيذ مواد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه مصر عام 1982- قد استعرضت الوضع في مصر على مدى يومي 28 فبراير و1 مارس في اجتماعات بمقر الأمم المتحدة في جنيف شارك فيها وفد حكومي مصري رفيع المستوى برئاسة وزير العدل المستشار عمر مروان وعضوية ممثلين عن النيابة العامة ووزارة الخارجية والمجالس القومية وغيرها من الجهات الرسمية. كما عقدت اللجنة جلسة مغلقة للاستماع لمنظمات حقوق الإنسان شاركت فيها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن طريق الفيديو.
وقد أشار التقرير إلى قلق اللجنة الأممية العميق بشأن انتشار ممارسات الاعتقال التعسفي واستخدام الحبس الاحتياطي المطول كعقوبة، وخاصة بحق المعارضين والصحفيين والحقوقيين وغيرهم من منتقدي الحكومة، ولمدد تتجاوز الحد الأقصى للحبس الاحتياطي المقرر قانونًا. واستخدمت اللجنة تحديدًا وللمرة الأولى مصطلح "التدوير" الذي عرفته اللجنة بإضافة المحتجزين إلى قضايا جديدة بنفس التهم من أجل إبقائهم رهن الاحتجاز، فضلًا عن تدخل أجهزة الأمن في منع الإفراج عن السجناء حتى بعد أن تقضي المحاكم بتبرئتهم أو إخلاء سبيلهم.
كما أعربت اللجنة أيضاً عن قلقها العميق بشأن "ممارسة التعذيب بشكل منهجي وواسع النطاق" في مصر على يد قوات الأمن في أماكن الاحتجاز ومقار الأمن الوطني، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية. وأشارت لغياب إجراءات التحقيق والمعاقبة بحق مرتكبي هذه الانتهاكات، وعدم وجود رقابة حقيقية على أماكن الاحتجاز من قبل النيابة العامة والقضاء. وأوصت اللجنة تحديدًا في هذا الصدد بتسجيل كافة جلسات الاستجواب بكاميرات الفيديو.
وفيما يخص عقوبة الإعدام سجلت اللجنة قلقها العميق بشأن ارتفاع عدد أحكام الإعدام الصادرة في مصر ومعدلات تنفيذها، والعدد الكبير من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، وتوقيع عقوبة الإعدام وجوبيًا في بعض الحالات، والحكم بالإعدام على أساس اعترافات منتزعة بواسطة التعذيب والإكراه أو في أعقاب محاكمات غير عادلة بما فيها المحاكمات الجماعية أو بواسطة محاكم عسكرية أو محاكم أمن الدولة طوارئ التي يسمح لها القانون بالحكم بإعدام المتهمين دون السماح بالطعن أو الاستئناف. كما انتقدت اللجنة تنفيذ أحكام الإعدام بشكل سري ودون إخطار مسبق لأفراد العائلة أو السماح لهم بزيارة ذويهم قبل إعدامهم. ودعت السلطات المصرية لوقف تنفيذ أحكام الإعدام تمهيدًا للنظر في إلغائها.
وفيما يخص الاختفاء القسري أشارت اللجنة إلى الاستعمال واسع النطاق للاحتجاز السري غير القانوني بمعزل عن العالم الخارجي، وتعرض المحتجزين لفترات من الاختفاء القسري رغم صدور أحكام قضائية بإخلاء سبيلهم. وأوصت الحكومة المصرية بمعاقبة القائمين على هذه الممارسات، والموافقة على الطلب المقدم من الفريق العامل بشأن الاختفاء القسري بالأمم المتحدة للقيام بزيارة لمصر، والتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
وانتهت اللجنة إلى أن القواعد التي تحكم استعمال قوات الأمن للقوة، بما في ذلك قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 والقرار رقم 165 لسنة 1964 بشأن استعمال الشرطة للأسلحة النارية، تعد مخالفة للمعايير الدولية. وانتقدت اللجنة استعمال الذخيرة الحية في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وانتقدت اللجنة القيود والعقوبات المشددة المفروضة في قانون التظاهر رقم 103 لسنة 2013.
وأشارت اللجنة تحديدًا إلى الحصانة وعدم المحاسبة للمسؤولين والقائمين على أعمال القتل الجماعي للمتظاهرين، خاصة سقوط ما لا يقل عن 900 متظاهر أثناء فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس 2013، ومقتل 281 متظاهرًا على الأقل في أيام 5 و8 يوليو 2013 خارج مقر الحرس الجمهوري ويوم 27 يوليو 2013 بطريق النصر (المنصة) ويوم 16 أغسطس 2013 بالعباسية.
أشارت اللجنة أيضًا إلى قائمة طويلة من الانتهاكات فيما يخص أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز. حيث انتقدت غياب المعلومات والبيانات المقدمة من الحكومة بشأن أعداد وتوزيع السجناء. كما سجلت قلقها بشأن الاكتظاظ الشديد، وسوء التهوية، ونقص المياه النظيفة ومنتجات الصحة والنظافة الشخصية، والاعتداءات الجسدية على السجناء، وعدم توافر الرعاية الطبية الملائمة في أماكن الاحتجاز. كما انتقدت اللجنة وقف زيارات السجون بالكامل كجزء من إجراءات مواجهة كورونا دون توفير أية بدائل للسجناء للتواصل مع ذويهم ومحاميهم.
وتطرق التقرير الختامي إلى كافة مظاهر تقييد الحريات العامة، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير، مع انتقادات محدد للقيود التي فرضها القانون 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والصلاحيات الواسعة الممنوحة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، واستمرار حجب المواقع، وحبس الصحفيين، واستعمال قانون الجريمة الإلكترونية رقم 175 لسنة 2018 في ملاحقة وتجريم وحبس مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من النساء والفتيات بتهم فضفاضة مثل "مخالفة الآداب العامة أو "قيم الأسرة".
ودعت اللجنة الحكومة المصري إلى تعديل قانون الجمعيات رقم 149 لسنة 2019، وأشارت إلى القيود التي يفرضها هذا القانون على تسجيل وعمل منظمات المجتمع المدني وقدرته على تدبير الموارد، والسلطات الواسعة التي يمنحها للسلطة التنفيذية في التدخل في عمل المنظمات الأهلية ومراقبتها وحلها. وانتقدت تعرض عدد كبير من المدافعين عن حقوق الإنسان للمضايقات والملاحقات الجنائية والحبس والمنع التعسفي من السفر والتحفظ على أموالهم وممتلكاتهم.
كما طالبت اللجنة بتعديل قانون الأحزاب السياسية رقم 12 لسنة 2011 والمادة 74 من الدستور لضمان حرية تشكيل وتسجيل وعمل الأحزاب السياسية والنص على ضمانات حياد واستقلالية لجنة الأحزاب كضامن للتعددية الديمقراطية.
ورغم انتهاء حالة الطوارئ انتقدت اللجنة السلطات الواسعة المنصوص عليها في قانون الطوارئ، والتي وسعت الحكومة المصرية من نطاقها في إبريل 2020 بدعوى مواجهة آثار جائحة كورونا بما يتضمن قيودًا على الحريات العامة لا علاقة لها بالصحة العامة. كما انتقدت اللجنة قانون تنظيم إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية الصادر رقم 152 لسنة 2021 وطالبت بتعديله لإسقاط القيود التعسفية غير الضرورية التي جرمت حرية التعبير والحق في تداول المعلومات.
وانتقدت اللجنة التعريف الواسع والغامض للجريمة الإرهابية في كل من قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 وقانون قوائم الإرهابيين والكيانات الإرهابية رقم 8 لسنة 2015 وطالبت الحكومة بتعديلهما، خاصة فيما يتعلق بإشارات مثل "الإضرار بالوحدة الوطنية والسلم العام". كما طالبت بوقف إساءة استعمال قوانين الإرهاب في ملاحقة ومعاقبة المتظاهرين السلميين والمحامين والصحفيين والمعارضين السياسيين، وبإنهاء المحاكمات الجماعية في قضايا الإرهاب والتي "تتعارض تماما" مع المعايير الدولية.
وفيما يخص حقوق النساء انتقدت اللجنة استمرار الفجوات التشريعية وضعف آليات التطبيق فيما يخص العنف ضد النساء، وأشارت تحديدًا لغياب نصوص تجرم العنف الأسري والاغتصاب الزوجي و"جرائم الشرف". كما أعربت اللجنة عن قلقها من أن تشديد العقوبات في القانون لم يؤد بالضرورة إلى تقليل حالات العنف الجنسي أو زيادة معدلات الإبلاغ، فضلاً عن غياب الحماية للمبلغين والمبلغات عن حالات العنف الجنسي. وأوصت اللجنة بإصدار قانون موحد لمواجهة كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات، وجمع ونشر الإحصائيات بشأن أعداد الشكاوى التي يتم تلقيها، والتحقيقات التي يتم إجراؤها، والقضايا التي تحال للقضاء، والعقوبات التي يتم توقيعها، والخدمات المقدمة للضحايا في حالات العنف ضد النساء. وفي مجال الحقوق الإنجابية انتقدت اللجنة الأممية استمرار لجوء أعداد كبيرة من النساء لعمليات الإجهاض السري غير الآمن، وطالبت السلطات المصرية بالنص في التشريعات واللوائح على إباحة الإجهاض القانوني الآمن في الحالات التي يمثل فيها استمرار الحمل ضررًا أو معاناة بالغة للنساء والفتيات وخاصة في حالات الحمل الناتج عن الاغتصاب وجنس المحارم. كما دعت اللجنة إلى تعديل المادتين 260 و264 من قانون العقوبات لمنع المساءلة الجنائية للنساء والفتيات التي يلجأن للإجهاض والأطباء الذين يقدمن لهن الرعاية الصحية الضرورية.
كما تناول تقرير اللجنة استمرار انتهاكات حرية الدين والمعتقد، مع إشارات محددة إلى ملاحقات الأفراد بتهم "ازدراء الأديان"، والتمييز في قواعد بناء وترميم دور العبادة وتخصيص الأراضي لدفن الموتى، وعدم الاعتراف القانوني بأي معتقدات بخلاف الإسلام والمسيحية واليهودية بما يحرم باقي المواطنين من حقوقهم المدنية على قدم المساواة، والانتهاكات بحق المسلمين الشيعة، والمصريين البهائيين، وأتباع طائفة شهود يهوه، والملحدين.
وأوصت اللجنة بإصدار قانون شامل لمناهضة التمييز، على أن يتضمن حماية كاملة وفعالة ضد ممارسة التمييز في جميع مناحي الحياة. كما انتقدت استعمال تهمة "اعتياد ممارسة الفجور" الفضفاضة في القبض على الأشخاص على أساس التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية، وإخضاع المقبوض عليهم للفحوص الشرجية القسرية وطالبت الحكومة المصرية بوقف استعمالها.
وأعربت اللجنة عن قلقها بشأن انتشار الفساد على نطاق واسع. وطالبت بضمانات لاستقلالية وشفافية هيئة الرقابة الإدارية وإخضاعها للمساءلة القانونية، وضمان حماية المبلغين عن الفساد والحق في الحصول على المعلومات. وانتقد التقرير التعديلات الدستورية لعام 2019 وخاصة المواد 185 و189 و193 من الدستور، بما سمح لرئيس الجمهورية بتعيين رؤساء المحاكم والهيئات القضائية والنائب العام، كما سمحت بسلطات واسعة للمجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي يرأسه رئيس الجمهورية. وأعربت اللجنة عن قلقها أيضًا مما أسمته "تسييس" عمل النيابة العامة والقضاء خاصة في مواجهة معارضي الحكومة.
انتقدت اللجنة أيضًا غياب ضمانات استقلالية المجلس القومي لحقوق الإنسان، وأشارت إلى أن زيارات المجلس القومي للسجون وأماكن الاحتجاز تتم بترتيب مسبق مع السلطات ولا يسمح فيها للمجلس بحرية التحرك أو بإجراء مقابلات على انفراد مع المحتجزين.
للاطلاع على التقرير كاملًا