مقدمة- في 1 يناير 2005 بدأ تطبيق أحكام اتفاقية الجوانب المتعلقة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية (اتفاقية التريبس)1 في مصر، حيث أصبحت مصر ملتزمة بموجب القانون الدولي بالقيام بالواجبات التي تنص عليها تلك الإتفاقية، من حيث ضمان الحماية الكاملة للملكية الفكرية، التي تشمل حق المؤلف، وحق العلامة التجارية، وحق براءات اختراع الأدوية.
وتتمتع معظم الأدوية الحديثة التي تنتجها الدول المتقدمة بحماية حق امتيازات تصنيعها (براءة الاختراع)، مما يتيح للشركات متعددة الجنسيات احتكار إنتاج وبيع هذه الأدوية. لكن العالم الثالث برمته انتفع من تصنيع الأدوية الجنيسة generic drugs (التي تنتجها الدول النامية سواء بإذن من صاحب امتياز تصنيعها أو بدون إذنه) في تخفيض أسعار الأدوية الأساسية.
وقد جرت العادة في الكثير من الدول النامية على إهمال حماية براءات اختراع الأدوية، أو توفير حماية محدودة لها. وكانت مصر من بين الدول التي منحت حماية محدودة لحقوق براءات اختراع المستحضرات الدوائية. ولما كانت اتفاقية التريبس ستطبق في الكثير من الدول النامية الكبيرة، ومن بينها مصر، في عام 2005 فإنه سيكون على هذه الدول مد مظلة الحماية إلى أقصى حدودها على الأدوية.
والواقع الآن أن الكثير من الأدوية التي تصنع في الدول النامية أدوية جنيسة، ويجري تصنيعها في بلدان مثل الهند والبرازيل بعملية هندسة عكسية2 . ومع تطبيق اتفاقية التريبس فإن قدرة الدول التي اعتمدت في السابق على هذه الأدوية الجنيسة على تزويد سكانها بالأدوية الأساسية ستتراجع بشكل ملحوظ.
وحتى في الدول التي اعتمدت عموماً على التراخيص الاختيارية، مثل جنوب إفريقيا أو مصر، فإن الاتفاقية ستحد من الخيارات المتاحة للدولة في حالة حدوث أزمة صحية. كما أنه - بالنسبة للبلدان السابق ذكرها - سيقل توافر الأدوية الجنيسة الواردة من الدول التي توجد بها صناعة كبيرة لها، كالهند والبرازيل، مما قد يؤدي إلى زيادة الأسعار العالمية للأدوية، بما لذلك من أضرار على الدول التي تعتمد صناعاتها المحلية على التراخيص الاختيارية.
تعرض هذه الدراسة القواعد المعيارية لاتفاقية التريبس بوصفها جزءاً من القانون الدولي، والتشريع الذي أصدرته مصر لتطبيق أحكام اتفاقية التريبس على المستحضرات الدوائية في البلاد. كما تحلل الدراسة التأثير المتوقع للاتفاقية على قدرة الحكومة المصرية على الوفاء بالتزاماتها القانونية تجاه حماية حق المواطنين في الصحة. وتنتهي الدراسة إلى تقديم توصيات للحكومة المصرية بشأن السياسات الواجب اتباعها لتجنب التأثير السلبي لتطبيق التريبس على حق الأفراد في الحصول على الأدوية.
كما تهدف الدراسة إلى تبصير الرأي العام بأهم جوانب اتفاقية التريبس ومدى تأثيرها على حصولهم على الأدوية، في ظل نقص واضح في المعلومات التي قدمتها الدولة للرأي العام بهذا الصدد، وتقصيرها في إشراك المجتمع المدني والرأي العام في التشاور من أجل التخطيط لمرحلة ما بعد دخول الاتفاقية حيز النفاذ.