في يوم البيئة الوطني.. ضحايا تيتان في انتظار التعويضات والشركة مستمرة في استخدام الفحم
بيان صحفي
لمدة عشر سنوات كاملة يحاول أهالي منطقة وادي القمر حماية أنفسهم وحماية أطفالهم من التلوث القاتل الذي تتسبب فيه شركة أسمنت بورتلاند الإسكندرية (تيتان)، ورغم تتويج مساعيهم مؤخرًا بباكورة أحكام التعويض عن الأضرار الصحية البالغة التي أصابتهم، إلا أن الشركة متعددة الجنسيات تماطل في دفع ما يساوي آلاف قليلة من الدولارات لضحايا إهمالها في منع الانبعاثات الضارة للسكان، بل إن الشركة لم تتخذ الإجراءات الضرورية لتخفيض الانبعاثات، وعلى رأسها استخدام الفحم في الإنتاج.
بدأت القصة فى عام 2015، عندما تقدم عدد من أهالي منطقة وادي القمر بالإسكندرية بشكاوى لوزارة البيئة ضد شركة أسمنت بورتلاند الإسكندرية تيتان، لما تسببه الشركة من انبعاثات ضارة لوثت هواء المنطقة وتسببت للسكان في أمراض صدرية وتنفسية. ولما لم تلق شكاواهم صدى لدى الوزارة لجأ سكان وادي القمر إلى تحرير محضر ضد الشركة في قسم شرطة الدخيلة، لكن النيابة العامة أصدرت قرارًا بحفظ المحضر، ما حدا بمحاميهم من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالتظلم ضد قرار الحفظ لتعاود النيابة العامة التحقيقات التي انتهت إلى إحالة القضية إلى محكمة جنح الدخيلة.
أقامت النيابة العامة دعواها ضد الممثل القانونى لشركة أسمنت تيتان، لأنه لم يتخذ الاحتياطات والتدابير اللازمة لقيام تسرب أو انبعاث ملوثات الهواء في المنشأة أو تقليل كمية الملوثات في نواتج الاحتراق التي ينبعث بسببهاها الغازات و الأبخرة. كما لم يتخذ التدابير اللازمة والاحتياطات الخاصة لتداول وإنتاج المواد الخطرة في صورتها السائلة أو الصلبة أو الغازية، بما يضمن عدم حدوث أضرار البيئة، و"تسببه في إصابة المجني عليهم بإهماله ورعونته وعدم التزامه بالقوانين و اللوائح.
ورصدت النيابة العامة في تحقيقاتها بناء على الشكاوى المقدمة وقوع المخالفات البيئية غير المرصودة، لاتباع نظام الرصد الذاتى للمخالفات، وتقاعس الجهات البيئية عن رصد مخالفات الشركة وإلزامها بتطبيق معايير واشتراطات السلامة البيئية.، وقضت محكمة جنح الدخيلة في 24 يوليو 2022، بإدانة الممثل القانونى لشركة تيتان بغرامة قدرها عشرين ألف جنيه ، وأيدت الحكم محكمة الجنح المستأنفة و صار باتًا بموجب حكم محكمة النقض 14888 لسنة 9 ق نقض جنح، وقد قام الاهالى المجنى عليهم برفع دعاوى تعويضات عن الأضرار التي أصابتهم جراء تلويث شركة تيتان للهواء.
أول حكم تعويض
وفي 7 نوفمبر 2023 صدر أول حكم بأحقية المتضررين في التعويض، بالحكم لصالح السيدة هناء عبد اللطيف بمبلغ قدره 750 ألف جنيه، في الاستئناف رقم 6882 لسنة 75 ق تعويضات استئناف عالي الإسكندرية. ولعدم قدرتها على دفع الرسوم القضائية لتنفيذ حصولها على كامل المبلغ، شرعت السيدة هناء في إجراءات الحصول على 100 ألف جنيه فقط من إجمالي التعويض المقرر لها .
لكن شركة تيتان رفضت دفع مبلغ التعويض المنفذ عليه إلى السيدة هناء، وتحايلت باستخدام كافة الطرق القانونية لإعاقة التنفيذ، حيث أقامت استشكالًا لوقف التنفيذ – وعند رفضه – طعنت بالاستئناف، أيضًا قدمت الشركة طلب وقف تنفيذ (شق عاجل) بالطعن بالنقض الذي قدمته ضد الحكم الصادر بتعويض السيدة / هناء ، وقضى برفضه.
وعندما عاودت السيدة/ هناء السير في إجراءات التنفيذ بعدما رفض القضاء كافة المنازعات التي أقامتها الشركة، رفضت "تيتان" التي تقترب قيمتها السوقية من مليار ونصف المليار دولار الدفع بحجة عدم المقدرة، فقام مُحضر التنفيذ بتحرير محضر بالحجز على بعض المنقولات كالتكييفات وماكينات التصوير، حتى يتم الوفاء بالمبلغ، وعند انقضاء الميعاد المحدد للدفع، وأحقية المتضررة في بيع تلك المنقولات بالمزاد العلني حتى تتحصل على أموالها، لجأت شركة أسمنت تيتان الى الاستعانة بشخص يقوم بادعاء ملكية المنقولات المحجوز عليها في دعوى استرداد، حتى يحرم المتضررة المحكوم لها بالتعويض من التنفيذ على المنقولات لتحصيل المبلغ المستحق لها بالحكم القضائي. وفى يوم 29 ديسمبر 2024 قضت المحكمة برفض دعوى الاسترداد، لكن الشركة تواصل نهجها في عرقلة التنفيذ ودفع مبلغ التعويض، واستأنفت دعوى الاسترداد.
المزيد من الأحكام، ولكن
ممن حكم لهم بالتعويض كذلك، السيد سعيد شويته، أحد سكان وادي القمر. ففي 10 يناير 2024، قضت محكمة استئناف غرب الاسكندرية الكلية لصالحه وصالح نجله بالتعويض بمبلغ 120 ألف جنيه فقط، استنادًا لسلط القاضي في تقدير قيمة التعويض، وسلكت شركة تيتان معه نفس المسلك لعرقلة التنفيذ، بإقامة استشكال لوقف التنفيذ ثم استئناف الاستشكال عند رفضه، وإقامة شق عاجل مع الطعن بالنقض ضد الحكم بأحقيته في التعويض، والاستعانة بصديق لرفع دعوى استرداد للمنقولات قضى برفضها في 29 ديسمبر 2024
فى أول يناير 2025 قضت محكمة النقض برفض النقض رقم 7770 لسنة 94 ق المرفوع من شركة تيتان ضد سعيد ونجله، وصار الحكم بأحقية التعويض نهائي باتًا، لكن الشركة مستمرة في عرقلة التنفيذ.
السيد/ هانى عبد الفتاح ونجله، أيضًا صدر لصالحهما حكم بالتعويض في 29 أبريل 2024، قضت به محكمة استئناف غرب الإسكندرية، وقدرت مبلغ التعويض المفروض لهما بمليون جنيه، وسلكت شركة تيتان ذات المسلك الذي سلكته في القضيتين الاخريين. فيما لا تزال دعوى السيد عبد الرحمن مرضي متداولة أمام محكمة استئناف غرب الإسكندرية، وأجِّلت لجلسة 11 فبراير القادم.
الطفلة آمال عبد الحليم، كانت سيئة الحظ، فقد رفضت الدائرة المدنية التي تنظر دعواها وقف الدعوى تعليقيًّا لحين الفصل في الجنحة الجنائية المقام ضد شركة تيتان، كما رفضت المحكمة منحها تصريحًا بالحصول على صورة رسمية من الجنحة التي لا تزال متداولة منذ أربع سنوات بين المحكمة المدنية بالإسكندرية ومحكمة النقض، مما أدى إلى رفض دعواها، لخلوها من المستندات، لكن عاود والدها رفع الدعوى بعد الحصول على صور رسمية من المستندات، بعد أن صار الحكم الجنائى ضد شركة تيتان نهائيًا. لكن المحكمة المدنية قضت بعدم قبول دعواها، واﻵن يستأنف الوالد دعوى ابنته أمام محكمة الاستئناف المدنية بغرب الإسكندرية.
السيد/ مصطفي عبد الفتاح، كان أيضًا سيء الحظ، وواجه ما واجهته آمال أثناء نظر دعواه أمام إحدى الدوائر المدنية.
اﻷضرار الصحية التى لحقت بعدد من المجني عليهم في قضية واحدة "ضحايا انتهاك شركة أسمنت تيتان للبيئة النظيفة" وهم في نفس المركز القانوني، لكن التباين بين تقديرات الدوائر القضائية التي نُظرت قضاياهم أمامها نجم عنه تباين في النظر إلى أحقية كل منهم في التعويض، كما أدى لتفاوت تقديرات مبالغ التعويضات التي حكمت بها الدوائر التي اعترفت لهم بأحقيتهم في ذلك التعويض.
الفحم مستمر
وعلى صعيد آخر في عام 2016 تقدم اﻷهالى بدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية لوقف استخدام شركة تيتان للفحم، بعدما أصيبوا بأضرار صحية ناجحة عن استخدام الشركة للفحم مصدرًا للطاقة بدلاً من الغاز الطبيعي منذ عام 2015، بعد السماح لشركات الأسمنت باستخدام الفحم، وتعديل اللائحة التنفيذية لقانون البيئة والسماح المصانع الكائنة في مناطق سكنية باستخدام الفحم، بتصريح من رئيس الوزراء . وقد طالب الضحايا من سكان منطقة وادى القمر بنقل المدخنة المواجهة لمنازلهم، التى لا تبعد سوى 10 أمتار، واستخدام الطاقة البديلة لتقليل نسب التلوث، وفي 2023 أحيلت دعواهم إلى محكمة القضاء اﻹدارى بالقاهرة. ولا تزال قيد المداولة.
منذ نحو عشر سنوات، لا تزال شركة تيتان تستخدم الفحم، وترفض نقل المدخنة الملوثة للهواء من موضعها المواجه لمنازل سكان وادي القمر، ولم تتخذ خطوات نحو الانتقال التدريجي لاستخدام مصدر بديل للطاقة أقل تلويثًا للهواء ليجسد الواقع غياب مصداقية تصريحات المسؤولين خلال قمة المناخ COP 27 المنعقدة في شرم الشيخ في مصر، حول وضع كل دولة خطة لتقليل من استخدام الفحم وهو ما يسمى بـ«التخفيف المتدرج» لاستخدام الطاقة الملوثة. وذلك بعدما انضمت مصر في نوفمبر 2021، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP26) في جلاسكو، إلى التعهد الدولي بالتخلص التدريجي من استخدام الفحم في توليد الطاقة. وعلى الرغم من ذلك صناعة الأسمنت في مصر هي الاستثناء الوحيد لاستخدام الفحم في توليد الطاقة.
يكتسب وقف استخدام الفحم أهمية اقتصادية متزايدة في ضوء آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) التي يعتزم الاتحاد الأوروبي تطبيقها بداية من عام 2026. هذه الآلية ستفرض رسومًا على الواردات من الدول التي لا تطبق سياسات صارمة للحد من انبعاثات الكربون، مما قد يؤثر على القدرة التنافسية للصناعة المصرية في الأسواق الدولية، وهو آخر ما نحتاج إليه اليوم في ظل العثرات الاقتصادية المتكررة خاصة فيما يتعلق بالنقد الأجنبي.