تعليقًا قانونيًّا مفصلًا حول القرار بالقانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب، الصادر بقرارٍ من رئيس الجمهورية في 15 أغسطس 2015. التعليق الذي جاء في 12 صفحة، شرح أسباب الاعتراض والتحفظ على القانون سواء من المنظمتين، أو من قِبل أكثر من 22 منظمة حقوقية سبق وسجلت اعتراضها على مشروع القانون الشهرَ الماضي، فضلًا على الجماعة الصحفية ممثلة في نقابة الصحفيين ومجموعات أخرى سياسية وقانونية.
وصف التعليق القانون بأنه صفعة جديدة للدستور ويهدم دولة القانون، ويرسخ لحالة الطوارئ غير المعلنة التي يكرسها تحت ذريعة حماية المجتمع والوحدة الوطنية ومنع ترويج أفكار داعية للعنف. ويؤكد مركز القاهرة والمبادرة المصرية على أن السياسات الأمنية والتشريعية والقضائية الجارية تفاقم من أعمال الانتقام السياسي والإرهاب ولا تُحد منها، فهي جزء من المشكلة، وليس من الحل. كذا فإن القانون يشجع القائمين على إنفاذه على استخدام القوة المميتة والقاتلة، بل ويضمن إفلاتهم من العقاب. إذ أعفاهم القانون من المسئولية الجنائية حال استعمالهم القوة لأداء "واجباتهم" أو دفاعًا عن النفس والمال.
يسمح القانون لرئيس الجمهورية أو من يفوضه، باتخاذ أية تدابير، بدعوى "المحافظة على الأمن والنظام العام" في حالة حدوث ما قد يمكن اعتباره خطرًا من أخطار الإرهاب. بما في ذلك ما يتصل بحظر التجوال، الأمر الذي يتضمن تكريس حالة طوارئ غير معلنة، وغير محمية بالضمانات الدستورية، ومتحللة من التزامات مصر الدولية، وذلك من خلال التلاعب بالكلمات والمصطلحات القانونية، بل ويعطيه الحق في إعلان حالة طوارئ مقنَّعة تحت مسمى "أخطار الجرائم الإرهابية أو الكوارث البيئية" لمدة لا تتجاوز 6 أشهر يجوز تجديدها لمدد أخرى بعد موافقة أغلبية البرلمان.
وقال محمد زارع مدير مكتب مصر لمركز القاهرة: "إن القانون الأخير يمثل تهديدًا و"إرهاب" للمجموعات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ولوسائل الإعلام أكثر مما يمثله من تهديد لجماعات التطرف العنيف، وهو يعزز من إغلاق المجال العام في مصر، الأمر الذي لن يفيد سوى تلك الجماعات المتطرفة من النمو والتمدد. ما يزيد الأمر سوءًا هو الغياب التام للرقابة الفعالة على القائمين على تنفيذ القانون في ظل الانهيار التام لمنظومة العدالة. في واقع الحال فإن منظومة العدالة ليست مكبلة بالقوانين، بل هي مكبلة بالتدخلات الأمنية والخطاب السائد بخصوص مكافحة الإرهاب".
القانون توسع توسعًا مقلقًا في دائرة التجريم، وذلك باستخدام تعريفات غير دقيقة، أو بإضافة أفعال غير محددة كما في الفقرة الثانية من المادة الثانية، التي تُجرِّم كل سلوك يُرتكب لتحقيق الغرض الإرهابي، ذلك الغرض الذي يشمل حسب القانون "إلحاق الضرر بالبيئة" واحتلال الأملاك العامة أو الخاصة والاستيلاء عليها أو إلحاق الضرر بها، ومن ثم يمكن إلصاق تهمة الإرهاب لمن يتظاهرون أمام مبانٍ حكومية أو شركات أو الاعتصام بداخلها أو في الطريق العام، كما أن مصطلحات "النظام العام" و"سلامة المجتمع" و"مصالح المجتمع" و"الوحدة الوطنية"، هي من العمومية بحيث يمكن تفسيرها –وفقًا لمن يملك سلطة التفسير– بأشكال متنوعة.
وأكد جاسر عبد الرازق المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن "تسهل عملية الاستقطاب السياسي التي تجتاح المجتمع المصري حاليًّاً في إلصاق تهم الإرهاب على المعارضين السلميين أو المنظمات الحقوقية، ولعل اتهام مسئول رفيع في الدولة لأحد أبرز المنظمات الحقوقية الدولية بأنها داعمة للممارسات الإرهابية، وذلك في تعليقه على تقرير أصدرته المنظمة عن أوضاع حقوق الإنسان خلال عام من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، توضح كيف يمكن إلصاق تهم الإرهاب بسهولة للأصوات النقدية والمستقلة التي تختلف مع توجهات الإدارة الحالية أو توجه لها انتقادات".
عدد من المواد التي حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريتها تم إعادة إنتاجها في القانون الأخير، فعلى سبيل المثال عاقب القانون على الاتفاق الجنائي في المادة (30) وهي شبيهة بنص المادة (48) من قانون العقوبات المقضي بعدم دستوريتها في عام 2001 لإخلالها بأبسط مبادئ العدالة الجنائية.
كما استحضر القانون نص المادة 195 من قانون العقوبات التي كانت تقضي بمسئولية رئيس التحرير الجنائية عما ينشر في الجريدة، إن كان يمثل جريمة معاقبًا عليها في قانون العقوبات، ذلك حين نص القانون في المادة 35 على المسئولية الجنائية للمدير الفعلي في حال نشر أخبار وبيانات تتعارض مع بيانات وزارة الدفاع.
الأخطر من ذلك أنه كما كان الوضع إبان حكم الطوارئ –ورغم حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية الاعتقال التعسفي– فإن المادة 40 من القانون الجديد تُجيز القبض على الأشخاص في غير حالة التلبس ودون صدور أمر قضائي من قبل مأموري الضبط، تحت مسمى "التحفظ"، ويعطي القانون مأمور الضبط الحق في سماع أقوال المتحفظ عليه وعرض المتحفظ عليه بصحبة المحضر على النيابة العامة، كذلك إيداع المتحفظ عليه في الأماكن المخصصة قانونيًّا، وهو ما يعني أن التحفظ في هذا القانون هو مرادف لعملية القبض، بالإضافة إلى حق النيابة العامة في مد فترة التحفظ لمدة لا تتجاوز سبعة أيام، واستصدار أمر من النيابة بتفتيش مسكن المتحفظ عليه.
تقول المبادرة المصرية ومركز القاهرة إن يد العدالة ليست مكبلة بالقوانين، بل على العكس فقد شهد العامان الماضيان أقصى أحكام الإدانة في تاريخ مصر الحديث، فقد صدر أكبر عدد من أحكام الإعدام وقرارات الإحالة إلى المفتي في التاريخ الحديث، كما أن أغلب أحكام الإعدام النهائية تم تنفيذها بالفعل، هذا فضلًا على الأحكام الجماعية بالسجن لمدى الحياة، كل ذلك كان نتيجة محاكمات لم تتوفر فيها الحدود الدنيا من الحيادية والنزاهة، وفي المقابل هناك قصور تشريعي متعمد لوضع حد من الإفلات من العقاب ومحاسبة مرتكبي جرائم حقوق الإنسان، وأن هذا يهين بل ويساعد على هدم العدالة، ويساهم في تفاقم مشكلة الإرهاب في مصر، وهو ما يؤكده القانون الجديد لمكافحة الإرهاب.
لقراءة وتحميل التعليق اضغط هُنا