حادثان مرا بوطننا العزيز مصر خلال الأيام الماضية، ولكنهما تركا أثراً بالغاً في نفوس المصريين، ربما لا تجد مثليهما في أرض مغايرة أو في زمن مختلف، وأيضاً ربما يختلف التأثير باختلاف الزمان والمكان.الأول في مباراة كرة قدم تمت على أرض مصر في نهائي البطولة العربية لكرة القدم، وكانت المباراة ما بين فريقي الفيصلي الأردني، والترجي التونسي، وقد انتهت المباراة بفوز الفريق التونسي على نظيره الأردني، وبالتالي الفوز بالبطولة وعلى الرغم من كون النتيجة النهائية للمباراة توحي بالتقارب بين الفريقين حيث انتهت بفوز الترجي بثلاثة أهداف نظير هدفين للفيصلي، إلا أنه بمجرد أن أطلق حكم المباراة صافرة النهاية انهال عليه اللاعبون والإداريون من فريق الترجي بالضرب
من ثم فقد بات المواطن المصرى محاصرا ما بين توحش الحياة من زاوية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وصعوبة العيش والحصول على جميع ضروريات الحياة من غذاء ودواء وكساء دون ترف، وهو ما يمكن توصيفه بشكل إجمالى بتفشى رقعة الفقر العام وزيادة أعداد من هم تحت خط الفقر، بما يعنى انهيار ما يسمى بالطبقة الوسطى ــ والتى كانت فيما مضى قادرة على تلبية احتياجاتها ــ وانصهارها فى طبقة المعدمين وغير القادرين على تلبية الاحتياجات الأساسية للحياة، وبين قوانين وقرارات تضيق من حدود ونطق ممارسة الحقوق والحريات المدنية والسياسية بشكل عام وتأطر بشكل رسمى أو قانونى لما تبقى من هوامش لممارسة أى نوع من هذه المجموعة الكبيرة للحقوق والحريات.
بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا بالخير والبركة، وقد اعتاد المصريون أن يكون هذا الشهر له من العادات الغذائية ما يشبه الأفراح، وله العديد من الطقوس التي لابد لها من أموال كثيرة حتى تنعم الأسر بما اعتادت عليه من أمور استهلاكية، وإن كان بعض هذه العادات مغالى فيه من المصريين، بما لا يتفق وقيمة هذا الشهر عند المولى سبحانه، ولكن تبقى الزيارات وصلات الأرحام وما إلى ذلك من أمور تتفق مع هذا الشهر المبارك. ولكن تبقى موروثات العادات الغذائية المرتبطة بشهر رمضان من أهم ما يميزه في عادات الشعب المصري، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدا من الإنفاق المالي.
أعلم جيدا أنه سيدور بعقول البعض أن هذا مجرد تصيد لبعض الأخطاء التى تسعى الدولة ممثلة فى قواتها المسلحة فى علاجها، وذلك من خلال المركبات التى تبيع اللحوم بسعر خمسة وسبعين جنيها للكيلو، ولكن لن يفوت أن أقول لكم إن ذلك لا يمثل حلا واقعيا لمثل هذه المشكلات، فلا هذا الثمن يعد مناسبا لدخول معظم المصريين من أرباب الأسر، ولا القوات المسلحة دورها هو التجارة فى اللحوم أو السلع الغذائية. وجميعنا يؤمن بأن هناك دور مقدس للقوات المسلحة المصرية نجله ونعتز به وهو الحماية والدفاع، كما أن قيامها بهذا الدور يؤثر حتما على الدور الأساسى من الزاوية الأصلية الوطنية، كما أنه يؤثر بشكل آخر على قدرات الآخرين على الدخول فى السوق، بما يضفى بعضا من الجبرية على الوضع العام للسوق التجارية المصرية.
قال الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة: «منظومة الصحة متهاوية بسبب القرار الذى أصدره الرئيس جمال عبدالناصر بأن التعليم كالماء والهواء، والصحة مجانية لكل فرد، فراح التعليم وراحت الصحة، فلا توجد دولة فى العالم قادرة على تحمل أعباء الصحة كما تحملتها مصر، وإذا اعتبرنا أن الأطباء مجاهدون فى سبيل الله، فلا يمكن اعتبار الأعباء الصحية مجانية، لأن الأشعة مكلفة للغاية وتذكرة المريض التى تبلغ جنيها واحدا غير كافية بالمرة لسد احتياجات المنظومة الصحية»، موضحًا أن ضعف الموازنة المخصصة للصحة والأعباء المالية الضخمة سبب تدهور المنظومة الصحية فى مصر.
أعتقد أن الأمور صارت في مصر تحمل هذا المعنى وأكثر، وصار غالبية هذا الشعب المطحون، كما يقول المثل الشعبي «بيكمل عشاه نوم»، ولكن لِمَ وصلنا إلى هذا المستوى من الفقر في عدد محدود من السنوات لم تتجاوز العشر، نعم أعلم أننا لم نكن طوال فترة فاقت نصف القرن من الشعوب الغنية المترفة، أو من الدول المصنفة من ذوات الجودة في الغذاء أو التعليم أو الصحة أو المسكن، وهي أهم مترادفات لمعنى الغنى أو الفقر، وذلك لكونها هي المعبر الحقيقي عن مدى تمتع المواطنين بحقوقهم وحياتهم، ومن ثم فإن عدم توافرها أو ضمانها ولو بالقدر الكافي يؤكد توافر بل توحش معنى الفقر في حياة المواطنين المصريين، ولنا في الطوابير اليومية أمام سيارات القوات المسلحة أو الشرطة للحصول على أي قدر يوفر ولو جنيها واحدا للمواطن كفارق للشراء من خلال هذه المنافذ.
امتلأ الفضاء الإلكترونى من خلال المواقع الإخبارية عن أن هناك محاولات من خلال بعض أعضاء مجلس النواب المصرى يتزعمها النائب إسماعيل نصر، وأنه بصدد جمع توقيعات المزيد من الأعضاء لتعديل الدستور المصرى فيما يخص مدة الرئاسة لتصبح ست سنوات بدلا من أربع سنوات، وأنه كذلك يقترح تعديل المدد الرئاسية، مبررا بأن مسعاه لتعديل مادة فترة حكم الرئيس، يهدف لتوفير مدة أطول للرئيس ليعمل على تنفيذ برنامجه، معتبرا أن 4 سنوات فترة غير كافية لذلك. قد انتشر جدلا واسعا حول هذا المقترح على صفحات الفيس بوك، ومواقع التواصل الاجتماعى الأخرى، وكان معظم هذه النقاشات تدور فى فلك مدى جواز التعديل الدستورى فى ظل الفقرة الأخيرة من المادة مائتين وستة وعشرين بقولها «وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات».
فزعت لحادثة وقعت فى قطار خط رمسيس الخطاطبة ويسمى «خط المناشى» وهو من القطارات التى لا يمكن أن يكون لها تصنيف أو درجة، وما أكثر هذه النوعية من وسائل النقل غير الآدمية المنتشرة فى بر مصر مثل قطار أبو قير بالإسكندرية، هذا القطار ينقل آلاف المواطنين ذهابا وعودة عبر خط سير طويل. وتتلخص الحادثة فى كون صبى عند بلدة بشتيل قام بقذف حجر عبر نوافذ القطار ذات الزجاج المكسور ــ على أفضل تقدير ــ فاستقر الحجر فى رأس أحد الركاب فسقط على الفور مفارقا لهذا العالم بدلا من أن يقوم بتوفير بعض الجنيهات تمثل الفارق بين تذكرة هذا القطار، وبين الوسائل الأخرى للوصول. لم يتم تحرير محضر بالواقعة ولم يعبأ أحد لمقتله سوى أسرته، أو كما قال نزار قبانى «وقُيدت القضية ضد مجهول».
جمعنى لقاء مع سيدة فى دلهى كان نضالها من أجل إقرار قانون للشفافية على كل مستويات الصرف المالى الحكومى سببا رئيسا فى إقرار هذا القانون، وكان مجمل حديثها يدور حول أن المجتمعات الصغيرة والفقيرة يجب أن تعى جيدا قيمة إقرار مثل هذه القوانين، ولا يتأتى ذلك إلا بإعلامهم القيمة الحقيقية والضرورية لوجود مثل هذه القوانين حتى يعلموا أين تذهب الأموال المخصصة لهم فى موازنة الدولة. تطبيقا لهذه الجلسة القيمة سافرت أنا والمجموعة المرافقة لى إلى إحدى القرى الفقيرة والموجودة على حدود الهند مع دولة باكستان، وشاهدت تطبيقا وتفعيلا حقيقيا وعمليا لمعنى الشفافية، حيث رأيت على جدران الوحدة المحلية لهذه القرية لوحات مكتوبا بها القيمة الكلية للموازنة المخصصة لهذه الوحدة، وكيف يتم توزيعها بما ينفع المجتمع المحلى، وكيف يتم صرفها وإنفاقها فيما ينفع الناس، بمعنى أنه يجب أن يعلم كل فرد أين تذهب مخصصاته المالية.
لم يكن الحق فى التداوى وتلقى العلاج نوعا من الترف، أو سلعة تكميلية للمواطنين، لكن تعد صحة المواطنين وحقهم الدائم فى وجود رعاية صحية دائمة أحد أهم أساسيات قيام المجتمع بذاته، حتى وإن تحولت بشكل من الأشكال إلى سلعة فى ظل منظومة السعار العالمى والتكالب نحو سياسة السوق، ولكن عند حدود الحق فى التداوى يجب أن تكون هناك ثمة حدود تقف عندها السياسات الخاصة والسعى نحو المزيد من الربح أو بمعنى آخر يجب أن تكون السياسة الرسمية للدولة حريصة على توفير الخدمات الصحية بشكل أو بآخر للمواطنين، على ألا تتركهم سلعة أو لقمة سائغة فى أفواه تجار الخدمات الصحية.